المنبرالحر

دفاعاً عن الشيوعيين العراقيين... انصافاً لهم / احسان جواد كاظم

تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي مقالات و آراء تتساءل عن اسباب عدم تشكيل الحزب الشيوعي العراقي قوة مسلحة للانضمام الى الحشد الشعبي في قتال داعش. وتحمل الكثير من هذه الآراء الكثير من التجني والاتهامات الظالمة بعدم الجدية في محاربة الارهاب. وهذا اكثر اتهام يثير الضحك قبل السخرية. فالشيوعيون هم اول من دعوا الى نبذ سياسة المحاصصة الطائفية –العرقية، والمحاربة الجدية للفساد السياسي والمالي لاحزاب السلطة التي قادت البلاد الى هذا المأزق ومهدت الطريق امام تنامي الحركات الارهابية ابتداءاً بالقاعدة واخواتها وحتى داعش. والمتحاصصون من اسلاميين وقوميين هم من انهزموا امام داعش وسلموا الملايين من سكان العراق لقمة سائغة للأرهابيين اضافة الى الكثير من الشهداء واكثر من ثلث مساحة البلاد، ثم خسارة معدات واجهزة ومنشآت واسلحة وذخائر كلفت مليارات الدولارات من اموال العراقيين، بدون مبرر، وتركوا التراث الحضاري العراقي والانساني للعصابات الارهابية لتعبث به وتدمره وتستثمره في تمويل حروبها الهمجية ضد البشرية.
ان من قدم هذه الهدية على طبق من ذهب لداعش لا يحق له ان ينتقص من وطنية حزب عريق كالحزب الشيوعي العراقي ويشكك في عداءه المطلق للفكر الظلامي الذي تمثله داعش ومن لف لفها من تنظيمات ظلامية مشابهة.
لقد كان الشيوعيون اول من امتثل للدستور العراقي بمنع انشاء تشكيلات مسلحة موازية للقوات المسلحة التابعة للدولة، وبادروا الى حل تشكيلات الانصار ودمج بعضهم في القوات النظامية وتقاعد البعض الآخر وهي التي قارعت نظام الدكتاتورية البائد حتى قبل ان تؤسس الاحزاب الاسلامية تشكيلاتها المسلحة في ايران ايام الحرب العراقية الايرانية، بينما اصرت هذه الاحزاب على استعراض عضلاتها على المواطنين في مشاهد ترهيب مسلحة ومصادرة حرياتهم وانتهاك حرماتهم في ظل تراجع دور الدولة وبروز النزعات الطائفية والعنصرية والعشائرية المقيتة.
لابد من الذكر بأن تراجع المد اليساري في العراق والمنطقة لاسباب ذاتية وموضوعية، لامجال لذكرها الآن لعدم الاطالة، وتمسك الشيوعيون بمبدأ انشاء دولة مدنية ديمقراطية، لا تسودها المظاهر المسلحة وفقر ذات اليد لعدم اشتراكهم في عمليات نهب المال العام ومحاصرة المواطن في رزقه وامنه، وعدم رهنهم لأرادتهم لدول اجنبية لتدعمهم بالسلاح والمال والتدريب فاصبحوا غير مهتمين بأنشاء ميليشيا خاصة بهم.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل حقاً تسمح هذه التشكيلات الاسلامية المسلحة وجود قوات انصار شيوعية مسلحة الى جانبها حتى ولو كانت لهدف سامي وهو محاربة الارهاب؟ فلازالت هذه الاحزاب لا تستطيع رؤية مسرح او سينما او نوادي اجتماعية في مناطق نفوذها فكيف بها تقبل بوجود تشكيل شيوعي مدجج بالسلاح ! فحتى قوات البيشمركة الكردية لا تتحمل وجود اي فصيل مسلح غير خاضع لأرادتها الى جانبها.
وكانت بعض الميليشيات قد استغلت دعوة مرجعية السيد علي السيستاني للعراقيين بالتوجه الى جبهات القتال لمواجهة طغيان داعش وتمدده لفرض اراداتها واجنداتها، مما حدا بالمرجع الاعلي ولعدة مرات بالتوجيه بعدم رفع راية احزاب او ميليشيات عدا العلم العراقي، واحتضان المواطنين المحررين من ربقة داعش ومعاملتهم بالحسنى... ووجوب قبول كل العراقيين الراغبين في قتال داعش في تشكيلات الحشد الشعبي وعدم اقتصارها على لون او فئة محددة.
لقد دأب ممثل المرجع الديني الاعلى في كربلاء الشيخ مهدي الكربلائي في خطبه يوم الجمعة على تجنب عبارة الحشد الشعبي وكان يؤكد على تعبير المتطوعين لما تشكله من معنى شامل وتفترض ان يحصل التطوع على شكل فردي الى فصائل هيئة الحشد الشعبي، كما فعل الشيوعيون المنضوون تحت راية هذا الحشد الذي يقاتل داعش، لا كما فعل الآخرون، بانخراطهم بكل تشكيلاتهم وميليشياتهم واسلحتهم دفعة واحدة.
وقد كان للسياسة العقلانية لرئيس الوزراء حيدر العبادي في استيعاب فصائل الحشد الشعبي في هيئة رسمية تابعة لقيادة القوات المسلحة محاولة للجم جموح واندفاع هذه الفصائل ووضعها في اطار رسمي شرعي، حد من اللغط والمخاوف التي دارت حول صبغتها ودورها.
ان اثارة البعض لهذه النعرات التقسيمية في هذه الاوقات الدقيقة والتعرض بالسوء لأيقونة وطنية شامخة كالحزب الشيوعي العراقي، يدخل في اطار تشكيك المواطن العراقي بمثله الوطنية العليا واستمرار الحجر على نشاط القوى الوطنية والديمقراطية الحقة التي لو اطلقت لجرى خنق فكر داعش الايديولوجي، في الوقت الذي يجري فيه ابطال الحشد الشعبي من ابناء شعبنا سحق مجرمي داعش تحت بساطيلهم.