المنبرالحر

التظاهرات ما لها وما عليها ...؟ / عبد الرزاق الحكيم

التظاهر حق دستوري لكل عراقي ، كما نصت عليه المادة 38/ ثالثا / الباب الثاني في الحقوق والحريات ... في الدستور العراقي ، المشرع في عام 2005 ، وأي تعرض للمتظاهرين والتظاهرات يعتبر خرق للدستور الذي صوت عليه الشعب العراقي ، وضرورة المحاسبة والعقاب ... وبموجب هذا الحق تظاهر العراقيون في معظم محافظات وبلدات العراق ... بعيداَ عن المذهبية والطائفية والعرقية ... هويتهم ... الوطنية ، شملت محافظات ومدن الجنوب والوسط وبعضاً من مدن الغربية التي تحررت من قبضة داعش الاجرامية ، وشمال العراق وايضا إقليم كردستان ... نتيجة تردي الأوضاع المعيشية وتدني القدرة الشرائية للمواطن ، وسوء الخدمات في كافة القطاعات ، وبلا إستثناء ... وجاء التركيز على الكهرباء ، لأن موجة الحر اللآهبة ، أحرقت رؤوسهم قبل أجسادهم ، وتوفي عدد من الأشخاص جراء ذلك ... ولم يتم أي إجراء لحل هذه المشكلة المستفحلة ، منذ 12 عاماَ ... بالرغم من تعاقب عدد من الوزراء من مختلف الكتل السياسية الحاكمة ... ولحد الآن ولا من مستجيب ، ووعود كاذبة يخرج بها هذا المسئول أو ذاك ، بهدف تطمين الناس ... رغم صرف أكثر من 37 مليار دولار ، كميزانيات لوزارة الكهرباء ... كل هذه المليارات ذهبت أدراج الرياح ... ومن ثم دخلت الى جيوب المنتفعين في هذه الوزارة ، والى من استوزرهم ، من الكتل والأحزاب السياسية الحاكمة ، عبر المحاصصة المقيتة ... الفساد فيها شمل معظم العاملين في هذه الوزارة ، من الوزير الى الوكلآء الى المدراء العامون والى أزغر موظف فيها ، باعتبارها بقرة حلوب ، الكل يأخذ حصته منها ولو كان فنجان قهوة ... ! ... هذه القضية كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ... وأشعلت الفتيل لهذه التظاهرات العارمة ... والحبل على الجرار .
المشكلة ، أن لا أحد يسمع أو يُعير أو يُبصر أو يرعى مطاليب الناس ... لا رئاسة الجمهورية ، ولا رئاسة الوزراء ولا وزراء ولا برلمان ، ولا ، ولا ....
مع كل ما تقدم ... ما العمل بالنسبة الى الشعب العراقي ؟ الذي ذاق الأمرين ، من هكذا حكومة وهكذا برلمان تسمع ولا يجيب ... الجميع من هؤلاء قابع في المنطقة ( الخضراء) المحصنة والمتمتعة بكل الإمتيازات التي كانت بالنسبة لهم حلم ... هي الجنة بحد ذاتها ... لا يمسهم حر أو عطش أو مرض أو فقر أو جوع أو بطالة أو سوء خدمات ... همهم الوحيد ، هو كيفية سرقة أموال العراقيين وسرقة خزائن الدولة ، واستعمال كل الطرق والوسائل الغير شرعية وغير مشروعة... عقود مشبوهة ، مشاريع غير منفذه مصروفة تكاليفها مسبقا ... عمولات ، رشاوي ، بيع عقود الى مقاولين ثانويين ، استلآء على المباني والساحات العامة والمناطق الزراعية المملوكة للدولة أو الأشخاص وتحويلها عبر التزوير ، الإستيلاء على قصور و فلل ومنازل وعمارات أزلام النظام البائد ، توزيع قطع الأراضي ، في أرقى أحياء بغداد وضواحيها وفي المحافظات ، وباسعار رمزية ، وبدون مزايدات ، هبات أراضي واموال الشعب يتقاسموها ... ( تلاقفوها يا .....) ، كل ذلك يحصل بإسم الدين والشريعة وقرارات من رئيس الوزراء ، وبدون وازع ضمير أو وجه حق .. من قبل أحزاب الأسلآم السياسي ... شيعة وسنة ... وعلى أساس المحاصصة العرقية والطائفية المنبوذة ... حيث لا يمكن محاسبة أي فاسد ... من رأس الدولة والحكومة والبرلمان والقضاء ... نزولاً لأصغر موظف ، تابع لهذا الحزب أو ذاك .
المواطن العراقي مستلب حقوقه ... ولا من ناصر أو مغيث ، ولا تنفع المطالبة المباشرة أو عبر وسائل الإعلام المرئي والمقروء ... وحتى التعبير عبر المظاهرات والإعتصامات ، فأما تقمع بالحديد والنار والإعتقالات والسجون وحتى التصفيات الجسدية ، كما حصل بالنسبة للشهيد البطل هادي المهدي ، أو إعتصامات المنطقة الغربية وإهمالها لكي تستفحل وتؤدي الى ما آلت عليه الأوضاع هناك .
لقد وصل السيل الزبا ... فكانت هذه التظاهرات العارمة التي بدأت تهز أركان الدولة والسلطة ... وما سيحدث ، قد يكون أعظم ... وما تحدث به السيد رئيس مجلس الوزراء د. حيدر العبادي في الإجتماع الأخير لمجلس الوزراء ، محذراً المسئولين من شيء قادم لا يحمد عقباه ...!
في هذه التظاهرات العراقي ، لا يفقد شيء في تظاهره ، لأنه لا يمتلك شيء يخاف عليه ... وكما جاء في المقولة ( الطبقة العاملة في نضالها لا تفقد سوى قيودها ) ... فالعراقيون في نضالهم وفي مظاهراتهم ، لا يفقدون شيئاً ... لأن كل الأشياء هي ملك الوزراء والنواب والوكلاء والمدراء والمستشارين والمحسوبين على هذه الكتل أو الاحزاب الحاكمة ، من وظائف وتعينات وخاصة في سلك قوى الأمن والشرطة والجيش وتوزيع الرتب العسكرية وبلا كفاءة او حساب ، ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ، وفي كافة مؤسسات الدولة وحتى الوظائف الصغيرة ... ولم يتركوا شيء للمواطن الخريج فرصة للتعين ، حتى العقود المؤقتة وبأجرة بسيطة أوقفوها ، عجيب أمور قضية! ... هل بقي للشعب العراقي المسكين شيء يفقده في تظاهره !؟ ... خرجت التظاهرات كتعبير عن إحساس فردي ومجتمعي وجماهيري فاض به الصبر ، ويأس من الوعود من هذه الأحزاب السياسية وسلطها التي تدعي الدين والأصلاح ، أحزاب الأسلام السياسي ، والأحزاب المنتفعة من نظام المحاصصة الطائفية والعرقية ، التي قادت البلد الى الحضيض والأنهيار والأفلاس وضياع ثلث العراق، أرضاً وشعباَ نازحا ومشرداً ، وموت جماعي وإغتصاب جماعي وإفقار جماعي ومرض جماعي وبؤس جماعي وبطالة جماعية .
الجماهير المنتفضة ، تطالب بتحسن الخدمات والأوضاع المعيشية والصحية والثقافية وبالإصلآح الإقتصادي ، وعدم الأعتماد على موارد الثورة النفطية وريعها ... وسبق وأن قلنا ضرورة أن توظف عائدات النفط لتنمية قطاعات الصناعة والزراعة والبنى التحتية التي تدعم وتنشط عجلة الإقتصاد ... وكانت النتيجة ، أفلاس خزائن الدولة ، واللجوء الى الإقتراض وفرض الضرائب ، وتسريح الموظفين والعمال ووقف الأستثمار ، مما يزيد في البطالة للقوى القادرة على العمل .
هنا تكمن الضرورة للمطالبة ب ... 1- إعادة العملية السياسية ليس على اساس المحاصصة الطائفية والعرقية أو التوافقية بل على اساس الكفاءة والمهنية والنزاهة والإخلاص وحب الوطن والشعب ، وضرورة الإصلاح السياسي أولاً والإقتصاد ثانياً والذ ي يشمل كل القطاعات المنتجة والخدمية والداعمة للعملية الإقتصادية .
2- محاسبة أزلام السلطة من وزراء وغيرهم واعضاء البرلمان على اساس من أين لك هذا ؟
3- كشف ممتلكات الأحزاب السياسية وكتلها التي تدير السلطة والبرلمان والقضاء والمؤسسات المستقلة ، وكيفية حصولها على قنوات فضائية ، وطرق تمويلها ؟
4- تفعيل الإدعاء العام ورئيسه الذي لم يظهر على الأعلام وحتى عدم معرفة أسمه ومن عينه في هذا المنصب وماهي مهمته والى أي حزب ينتمي ؟ .. أن لم يحاسب ويدعي على كل هذه المصائب والفساد المستشري وشكاوي المواطنين الفردية والجماعية ومن خلآل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ، ومن ضحايا الجرائم البشعة ومسببيها ، سواء إجتياح الموصل وبقية المحافظات ، والإبادة للجنس البشري للطائفة الأيزيدية والمسيحية وضحايا سبايكر الشيعية ، وأستباحة الأرض العراقية ، والمتسببين فيها .
5- استقلالية حقيقية للقضاء العراقي ، وتغيير الوجوه المتحكمة فيه ، وابعاده عن أي تأثير حزبي أو عرقي أو طائفي ، أو مذهبي وفصل المحكمة الإتحادية عن رئاسة القضاء الأعلى .
6- محاسبة علنية للوزراء والوكلاء والمدراء العامون والنواب وغيرهم من المسئولين من الذين تثبت إدانتهم بالفساد المالي والإداري والفشل السياسي الذي سبب كل هذه المآسي للشعب العراقي .... رئيس مجلس الوزراء د. حيدر العبادي ... يقول في إجتماعه بالوزراء الأخير ... إن المشاكل التي يعاني منها العراق ألآن ، هي نتيجة تراكمات في النظام السياسي ، أدت الى مشكلة حقيقة ... نحن نقول ، إذا كنتم تعرفون السبب ... ماهي الحلول لمعالجة المشكلة ؟ وما هي إجراءاتكم ؟، وانتم على رأس السلطة ... الحلول يجب أن تكون جذرية على رأسها تغيير هذه الوجوه التي ضلت جاثمة على صدور العراقيين ، منذ التغيير وعبر التوافق والمحاصصة وليس على أساس الكفاءة والمهنية ولحد الآن ، ولم تحل ولم تربط شيء.
7- تشكيل محكمة إتحادية من المختصين والمهنيين أكفاء ، وبدون محاصصة عرقية أو مذهبية أو طائفية ... محكمة مستقلة لا يؤثر عليها لا كتلة ولا حزب ولا دين ولا مذهب .
8- العمل على إرجاع الأموال المنهوبة عبر إصدار قوانين وقرارات ، بعد إدانة كل من سرق وبذر أموال العراق ، وتوظيف هذه الأموال لإعادة البنى التحتية المدمرة والمهملة ،والتنمية الإقتصادية .
9- البحث والمتابعة على الأموال المسجلة باسم حزب البعث المحظور وقادته ومسئوليه والمودعة في بنوك الخارج ، وكذلك العقارات وكافة الأموال الثابتة وإعادتها الى العراق ، وتوظيفها في تطوير الإقتصاد .
10- إقرار القوانين الأساسية لبناء دولة المؤسسات ، الدولة المدنية ، كقانون عادل للإنتخابات ، قانون الأحزاب، قانون مجلس الخدمة الأتحادي ، قانون المحكمة الإتحادية، قانون مجلس الإتحاد ، قانون الخدمة الألزامية في الجيش ، بعيداً عن التسيس والطائفية ، قانون ملزم للرعاية الإجتماعية والصحية والثقافية ، وتوفير السكن اللائق والعمل ومستلزمات العيش الكريم للمواطن العراقي ، أسوة ببلاد الكفار ، بلدان غير الأسلامية .
إن كل ما تقدم ... هي مطاليب مشروعة للجماهير المنتفضة التي تتطلب وحدتها ولم صفوفها وتنظيمها ، لكي تصبح قوة ضاغطة ومؤثرة على الساحة في التغيير المنشود ، عبر تضامن وتكاتف وتكامل كل الأحزاب والقوى الوطنية الديمقراطية المدنية ، ومنظمات المجتمع المدني والإتحادات والنقابات ومنظمات حقوق الأنسان ... هذه القوى التي كان لها تأثير كبير في الحراك الجماهيري العراقي ، قبل وبعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة ، التي تكالبت عليها قوى الشر والعدوان والتخلف والجهل والإرتباط بالأجنبي للإطاحة بها مبكراً ، قبل أن تنجز مهامها الوطنية .
أن كل هذه الأحزاب والمنظمات والإتحادات ومنظمات المجتمع المدني ... مدعوة الى أن تكون في مقدمة هذه التظاهرات وتوحيد شعاراتها ومطاليبها العادلة ، ولم صفوفها والعمل على إستمراريتها ، بعيداً عن الحزبية الضيقة ، وصولاً الى الإنتفاضة الشعبية ، أن لم تتحقق مطاليبها آنفة الذكر ، ومن ثم الثورة التي تقلع جذور الفساد والأرهاب ... الثورة هي الأداة الوحيدة للتغيير ، بعد استنفاذ كافة الوسائل والطرق السلمية من تظاهرات وإعتصامات وأنتفاضات ... الثورة ضرورة موضوعية ملحة لنجاح بناء الدولة المدنية ... دولة العدالة السياسية والإجتماعية والإقتصادية ... دولة المؤسسات والمساواة ... دولة الهوية الوطنية .