المنبرالحر

المظاهرات وآلية استمرارها لتحقيق أهدافها / يوسف شيت

للجماهير العراقية تجارب غنية في طرح مطالبها، ومنها التظاهر الذي يعتبر أحد الأساليب المتقدّمة والذي بدوره يأخذ أشكال مختلفة قد يؤدّي إلى انتفاضة جماهيرية تستجيب السلطات، مرغمة أو غير مرغمة، لمطالب الجماهير أو بعضها أو تلجأ إلى أساليب القمع وإسالة الدماء. لذلك التعامل مع المتظاهرين يتوقف بالدرجة الأولى على طريقة تصرّف السلطات تجاههم ومدى الاستجابة لمطالبهم وشرعيتها. كي لا نسهب بتفاصيل تجارب شعبنا في هبّاته تجاه الظلم والعدوان خلال القرن العشرين، لدينا تجارب في الماضي القريب جدا أي بعد الاحتلال عام 2003. بعد الولادة العسيرة لحكومة نوري المالكي الثانية في مستشفيات الدول "الصديقة والشقيقة" والاتّفاق على الحصص، لم تتحسّن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ولا الخدمات فحسب، بل زادت سوءا. ورغم كل المطالبات وشرعيتها لم تتمّ الاستجابة لها والتي في جوهرها تدعو لتصحيح الأوضاع وانتشال العراق من المستنقع الذي أدخلته فيه المحاصصة الطائفية والقومية. هذه الأوضاع دعت الجماهير إلى التظاهر سلميا في 25 شباط 2011 ورفع مطالبها العادلة بعيدا عن المطالبة بإسقاط الحكومة أو كامل العملية السياسية. إلاّ أنّ المظاهرات احتويت، من جهة من قبل السلطات الحاكمة عن طريق تضليل الناس عندما ادّعى رئيس مجلس الوزراء بتصحيح الأوضاع خلال 100 يوم وعدم ترشّحه للولاية الثالثة، وكذلك عن طريق القمع الوحشي للمتظاهرين وسقوط شهداء، ومن جهة أخرى من قبل فلول البعث والمندسّين لتحريف مسيرة التظاهرات. هكذا كان التعاون الغير المعلن لطرفي معاداة الجماهير المنتفضة. والسبب المهم الآخر هو ضعف آلية قيادة المظاهرات لأنّ البعض كان يريد إبعاد الأحزاب الوطنية العراقية ذي التجارب الغنية في سوح النضال الجماهيري. وتكررت التجربة في الموصل والرمادي عندما استطاعت القوى الإرهابية خطف التظاهرات وقيادتها ورفع السلاح وتشويه كامل مطالب الجماهير، مما أعطى مبررا لحكومة المالكي لضرب المعتصمين بعد فترة من عنادها بعدم الاستجابة لمطالبهم والنظرة الطائفية إليهم ، مما أدخل العراق في دوامة الاحتلال الجديد من قبل إرهابي داعش وزيادة معاناته، خاصة من النازحين الذين فاق عددهم الثلاثة ملايين.
واليوم هناك من يطالب بإبعاد الأحزاب، وبدون تمييز، عن المشاركة في المظاهرات بحجة إبعاد السياسيين عنها، وهذه المطالبة نراها تتكرر من قبل بعض الفضائيات وبشكل فضّ بدون تقديم أية مبررات، بل مجرّد خلط الأوراق على بعض المتظاهرين، وهي محاولات لفرض أناس غير معروفين أو غير موثوق بهم للقفز على أكتاف الجماهير وتظليلها بشعارات جوفاء. كما أنّ هناك اندساس مفضوح من قبل مافيات المتضررين من الإصلاحات التي أعلنها السيد حيدر العبادي لتفتيت المتظاهرين وتخويفهم عن طريق الاعتداء والتهديد، هذا بالإضافة إلى محاولات تسلل عناصر النظام السابق لتحريف وجهة المظاهرات. لذلك فإنّ المظاهرات بحاجة إلى قيادة متمرّسة متماسكة. وهنا يجب التمييز بين المندسّين من مختلف الألوان المتضررة سابقا وحاليا وبين الشخصيات والأحزاب الوطنية والمنظمات الجماهيرية المعروفة بنضالاتها وتضحياتها طوال عقود من الزمن، كما لا يجوز المساواة بين أحزاب وكتل حكمت وتحكم العراق بالحديد والنار واستولت على أموال البلد أو بددتها ونشرت الفساد والإرهاب، وبين الذين يتصدّون لمثل هؤلاء الحكّام، لذلك تفتقر مثل هذه المساواة إلى أي مبرر لها، وهذه المحاولات، سواء كانت بقصد أو غير قصد، فهي تصبّ في مجرى محاولات تهميش لقوى الشعب الفاعلة المتنوّرة وإحداث شرخ بين المتظاهرين. لهذا ندعو إلى عدم إعطاء لون واحد لقيادة المظاهرات، بل خلق آلية لإدارتها نحو الوجهة الصحيحة التي تؤّمن تحقيق أهدافها.
إنّ صيانة المجرى السلمي للمظاهرات والإصرار على تنفيذ مطالب المتظاهرين وبدعم من المرجعية الدينية العليا يتطلّب مساهمة كل مواطن يؤمن بشرعية هذه المطالب مهما كان انتماءه الديني والطائفي والقومي، وانتماءه الطبقي والفكري والسياسي، رجالا ونساء.