المنبرالحر

صديقي ابو حسين: مدنية! مدنية! / ابراهيم الحريري

كان صوتاً من اعلى الأصوات، او هكذا بدا لي...
مدنية! مدنية! مرة اخرى.
التفت. حدقت في صاحب الصوت، كان يعتمر كاسكيتا يقيه وهج الشمس، لكنه يكاد يحجب وجهه.
مدنية! مدنية! اعلى. اشد حماسة.
حدقت مرة اخرى، بتركيز اكبر. انه هو، صديقي ابو حسين. كدت لا اصدق! كيف حدث هذا؟ كيف وجد طريقه وعائلته، زوجته وصغاره، مع انني، غفلة او تقصيرا او عدم ادراك للتحولات التي ادركته، هو الآخر، لم اكن دعوته الى ساحة التضامن مع المحتجين في الوطن، التي شارك فيها حوالي المائة والخمسين من المواطنين والمواطنات العراقيات في تورونتو قبل اكثر من اسبوعين
*********
التقيت ابو حسين، اول مرة قبل حوالي الثلاث سنوات، في مشغله لتصليح الملابس في JACKSON SQUARE واحد من اكبر المولات في مدينة هاملتون
قصدته في عمل يتعلق بمهنته، (توسيع خصر بنطلون بعد ان ضاق بي وضقت به!) اكتشفت انه عراقي، وكانت هذه مناسبة لتبادل الحديث عن ما يشغلنا معا، وان اختلفت مواقعنا.
كان ابو حسين متديّناً - وهو ما يزال - ولم اخف عنه انني يساري. كان ابو حسين يراهن على تجربة الحكم الأسلاموي، مع بعض التحفظات، ومع اني كنت اكثر منه تحفظا، الا انني تمنيت له ولها التوفيق، قلت، وانا لا اريد ان اقسره على تقبل رأيي : لننتظر ونر.. اهديته واحدا من كتبي "جدل الخارج والداخل على الآكثر" ولما عدت بعد ايام كانت ابتسامة عريضة تفترش وجهه السمح. صافحني بحرارة. قال: اكتشفتك على الغوغل! لكن اكتشافه لم يحل دون ان تتواصل صداقتنا، وبين ان يتواصل حوارنا.
كان في كل مرة يزداد قلقا على العراق، ويزداد تحفظه على التجربة.
سافر مع عائلته الى العراق قبل بضعة اشهر، وعندما عاد كان يائسا: نفضت ايدي! قال
ممن؟ من الدين والتدين؟ لا! فقد كان يتهيا لأَداء الصلاة. فهمت. من التجربة التي تتخذ من الدين و"التشيع" ستارا للنهب، وقادت البلاد الى الكارثة، حتى وصل العراق الى الحضيض..
***********
ابو حسين ! يا صديقي الطيب!
سنجد انفسنا - دائما - على الطريق ذاته، ما دام يجمعنا حب العراق واهله.
وكفى به، ونعمى له ولمن يسلكه، من طريق، وما أرحبه!