المنبرالحر

التظاهرات ونهاية داعش / سلام حربه

اثبتت التظاهرات الاخيرة بان الشعب العراقي حي لا يموت، وانه لن يستكين الى ظلم رغم كل محاولات القوى الظلامية واحزاب الاسلام السياسي تكفين هذا الشعب وتخديره وابعاده عن حركة التاريخ وغرس الاوهام والخرافات في عقله من اجل ان يبقى اسيرا لهذه القوى الفاسدة ورقما انتخابيا متصاعدا يمدها باساليب البقاء والتسلط على رقابه الى ابد الابدين..قد يسكن الشعب وتبطء حركته لكنه يثور على حين غرة فيذهل المتسلطين عليه والغرباء المتربصين به فيقلب الحسابات والكراسي على رؤوسهم ..
التظاهرات الاخيرة اثبتت ،بما لا يقبل الشك ،ان الشعب العراقي ليس طائفيا. فالكل ساهم بها سنة شيعة مسيحيون صابئة عرب اكراد تركمان ، وشرارتها التي انطلقت في وسط وجنوب العراق ارسلت رسائل مهمة وذات دلالات عظيمة الى شركائهم في الوطن، ان سكان هذه المناطق والذين غالبيتهم من الشيعة لم يكونوا مؤيدين الى الحكومات المتعاقبة عليهم والتي يغلب عليها النهج الشيعي واحتجاجهم دائمي دون استكانة ضد جرائهم البشعة بحق ابناء هذا الوطن.. اذن ما يحرك العراقي ليست المذهبية بل انتمائه العميق الى تربة هذا الوطن.
لقد كان المتظاهرون الشيعة صارمين في احتجاجهم على قادتهم السياسيين من ابناء طائفتهم وطالبوا تغيير نظام المحاصصة والتوافقات الى نظام مدني يرعى المواطنة ويحقق العدالة الاجتماعية ،وحتى المؤسسة الدينية الشيعية طالبت ان يكون نظام الحكم في العراق مدنيا لانه الاسلم والاكثر عدالة والاقدر على توفير الحياة الكريمة للمواطن من النظام الديني الذي اكتوى به العراقيون وذاقوا ابشع جرائم الارهاب والفساد والخراب وتراجع قيم الحياة في ظله..
التظاهرات هذه الايام قلبت المعادلة السياسية واتضحت فيها طبيعة الشخصية العراقية بانها مدنية للعظم وما مظاهر التدين المتطرف عند البعض التي ظهرت بعد عام 2003 فلم تكن سوى قشور سرعان ما تزول في اول ارتجاج عقلي يحصل له ،فيستعيد المواطن عافيته وتتطهر روحه ليواصل في بناء مجتمعه واللحاق بركب البشرية..لقد كانت تظاهرات الوسط والجنوب رسائل تطمينية الى المحافظات التي تقع تحت سيطرة داعش: الموصل واجزاء من تكريت وقسم من الانبار ان المحافظات الشيعية قد وقفت بحزم ضد الذين عمدوا الى زرع الفتنة الطائفية، وها هم العملاء اليوم يهربون الى جحور لن تحميهم.
لقد اثبتت هذه الانتفاضة ان الشعب عراقي بامتياز ،لكن سياسييه والبعض من رجال الدين قادة بعض التيارات والاحزاب والمجالس هم من يحاول ان يزرع الطائفية كي يبقوا اسيادا تقبل الناس ايديهم فيما يوزعون هم صكوكا للجنة الى البسطاء من الناس. ، هؤلاء الادعياء يشغلون الفراغ ما بين السماء والارض ولا تطالهم قبضة القانون .. اكيد ان ابناء المحافظات المحتلة من قبل داعش وغالبيتهم من الطائفة السنية سيشعرون بالحرج من رسائل الشيعة لهم من وسط العراق وجنوبه بان هويتهم الحقيقية هي العراق وانتمائهم اليه وشعارهم الذي لم يفارقهم "اخوان سنة وشيعة هذا العراق ما نبيعه" او "مدنية مدنية لا سنيه ولا شيعية".
هذه الرسائل سوف تعيد حسابات البعض من قادة السنة في المحافظات المحتلة وتشعرهم ان تصوراتهم وافكارهم وتطرفهم كانت خاطئة وان الشيعة لم يكونوا يوما مع من تسلط عليهم من ابناء جلدتهم من قوى الاسلام السياسي ومن سياسيي صدفة. اذ ان هؤلاء ارتدوا الدين جلبابا كي يموهوا، وقد دفع المواطنون اثمانا عالية دما وبؤسا وحرمانا وحياة متراجعة.. ابناء المحافظات الغربية المحتلة سيشعرون بالحرج وتتبدل قناعاتهم ومن كان منهم قد استقوى بهذه القوى الارهابية سيضطر الى تأمل موقفه من جديد وسيدفعه الى الخجل من عراقيته المهدورة وتخلفه عن مساندة ابناء بلده ضد قوى الشر والظلام. فيضطر الى مواجهة رجالات داعش القتلة ويخيرهم بين القاء اسلحتهم والخروج من مناطقهم او المواجهة العسكرية معهم. وقد يكون هروب داعش هو الارجح خاصة بعد الخسائر المتتالية التي تكبدوها على يد القوات الامنية وقوى الحشد الشعبي ومقاتلي ابناء العشائر..
احتلال المدن العراقية قد لا يدوم سوى فترة قصيرة ، عندها تتحرر مناطق العراق كافة وتعاد اللحمة الوطنية ويرتق النسيج الاجتماعي من جديد بعد طرد الفاسدين الطائفيين اللصوص وقوى داعش الظلامية من ارض بلاد الرافدين..
ان تظاهرات العراقيين هذه الايام اسقطت مشاريعا عدة سواء ما يحاك منها هنا في الداخل او ما يسوق الينا من الخارج، "الاقليم السني" و"الشيعي" يصبحان في ادراج النسيان. وحتى المواطن الكردي سيجد ان سعادته وامانه في عراق موحد وليس في دولة كردية مجهولة المعالم تتصارع عليها قوى محلية واقليمية، ويكون الخاسر النهائي هو المواطن الذي زادت خساراته عبر التاريخ بحيث لم يعد يحتمل فقدانا اكثر..تظاهرات العراقيين تمرين روحي عظيم واختبار نفسي وعقلي بان العراقي كائن اصيل وان العراق بلد موحد عمره عشرة الاف عام ليس من المعقول ان يتمزق في عشر سنين..وان ما يحصل في العراق هو ربيع عربي جديد ورد على قوى الظلام السياسي التي جعلت من الربيع العربي في عام 2010 خريفا مدمرا وسيبدأ عصر جديد يدشنه العراقيون وستهب نسائم الربيع على كل ارجاء الوطن من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه وسينعم الجميع بسعادة بعد التخلص من غربان الشر الطائفي التي استباحت الوطن ثلاثة عشر عاما..