المنبرالحر

الشمبانزي ونادي سوانزي / مرتضى عبد الحميد

يبدو أننا متميزون في كل شيء، حتى في وقاحة لصوصنا، وسارقي المال العام. ففي بلدان العالم الأخرى المتقدمة منها، و(النص ردن) أيضا، تجد ان امثال هؤلاء الحرامية، يحاولون تجنب الظهور العلني، ويوظفون السحت الحرام، الذي حصلوا عليه ظلماً وعدواناً، في مجالات وقطاعات لا تلفت الانتباه إليهم، سواء داخل بلدانهم، او في البلدان التي استقروا فيها بعد هروبهم اليها. لأنهم يعرفون جيداً، ان دولهم الأصلية، او دولهم الجديدة، سوف لن تألوا جهداً في متابعتهم، والكشف عن سرقاتهم وجرائمهم، وبالتالي سيكون مصيرهم السجن او التسليم الى البلد الأصلي، ان كانت هناك اتفاقات لتسليم المجرمين بين البلدين.
أما في عراقنا الغالي، فالمسألة تختلف كليا، فلصوصنا لهم باع طويل في فنون اللغف، وواثقون من انفسهم، الى حد التصرف بالأموال المسروقة، بشفافية وعلنية (وعلى عينك يا تاجر)، مطمئنين الى عدم ملاحقتهم، او محاسبتهم. لأن هناك من يغطي عليهم، ويدافع عنهم، طالما كانوا منتمين لاحزاب وكتل متنفذة، استطاعت ببراعة اللصوص المحترفين، ان تقدم كوادر جديدة، بدل هؤلاء السراق، ليواصلوا هذه العملية "الشريفة" ويستنزفوا أموال ودماء العراقيين.
أحد هؤلاء "المبدعين" تفتق ذهنه عن مبادرة تصور انها ذكية، فأراد ان يوظف امواله في المجال الرياضي. ولأنه هاوي كرة قدم على ما يبدو، والبعض يقول انه كان يجلب الكرات للاعبين فحسب، فقد وقع اختياره على نادي "سوانزي" الذي يلعب في الدوري الانكليزي الممتاز لكرة القدم، وهو فريق واعد، وقادر على التطور السريع، بحيث ترشح في الموسم القادم للعب في الليغا الأوربي، كما يستخدم لاعبوه تميمة الشمبازي، لمنع الحسد، واستجلاب الفوز!
ولأن هذا "المبدع" منصف بطبيعته وحقاني، لم يرغب في هضم حقوق الآخرين، فدفع مبلغا مجزيا قدره (450) مليون جنيه استرليني (جنيه ينطح جنيه) لشراء هذا النادي الرياضي. وقد سارت الأمور في البداية بسلاسة، ودون أي تلكؤ. لكن القضاء البريطاني "الكافر" تدخل في اللحظات الأخيرة، وأوقف عملية البيع والشراء، لأن المعلومات التي حصل عليها، تشير الى ان الرجل مطلوب للقضاء العراقي يتهم فساد كبيرة، وقد أطلق سراحه بكفالة مالية قدرها خمسون مليون دينار عراقي (يا بلاش) الأمر الذي اضطره الى البحث عن مجالات أخرى يستطيع توظيف أمواله "الحل?ل" فيها!
قصص الفساد في العراق لا اول لها ولا آخر، وهي تملأ عشرات او مئات المجلدات، بل ان البعض من حكامنا لديه هواية الأحتفاظ بملفات فساد كثيرة يحنو عليها ويدللها أكثر مما يفعل مع أولاده، ويداعبها بلهفة كلما سنحت له الفرصة. ومن طيبته وسعة صدره، وحرصه على احقاق الحق، لا يخرجها الى العلن، إلا عندما يشاكسه أحد اصحاب هذه الملفات، أو لا يؤيده كفاية.
نتمنى ان تتحرك الحكومة بجدية لمعالجة هذا الوباء السرطاني، وأن يكون قضاؤنا هو الآخر، قريباً من القضاء البريطاني ولو بفراسخ، فيعلن حربه المقدسة على الفاسدين والمفسدين، وعلى من يتستر عليهم.