المنبرالحر

العيد يقرع الأبواب !...من دون معيدين ؟ / صادق محمد عبد الكريم الدبش

اليوم أول أيام عيد الأضحى ...وشعبنا ووطننا يأنان من وجع السنين والأيام وقوى الظلام تحتل ما يقارب نصف مساحة العراق ، والعديد من مناطقه تحت أحتلال بغيض ، لم تشهد البشرية مثيلا له منذ الحرب العالمية الثانية ، وهناك ما يزيد على أربعة ملايين نازح ومهجر ومشرد ، ومنذ ما يزيد على الخمسة عشر شهرا ، والمناطق التي تعيش خارج هيمنة داعش الأرهابية في وسط وجنوب العراق ، فهي ليست أفضل حال من شقيقاتها المحتلة ، فغياب الخدمات الأساسية شبه الكامل [ ماء ..كهرباء ...المجاري ..والطرق ...المستشفيات ...التعليم ...ووسائل الترفيه المختلفة، والسينمات ودور الثقافة والمعرفة ...وغياب النوادي والملاعب الرياضية ومدنها ونواديها ...دور الأيتام ودور العجزة ...ودور لأحتواء مشردي الشوارع وما خلفته الحروب والصراعات من زيادة أعداد هذه الشريحة من الأطفال واليافعين ] والمسألة الأكثر تأثيرا في حياة شعبنا هو غياب الأمن والأمان في ربوع وطننا ومنذ سنوات ، بأستثناء أقليم كردستان العراق ، وغياب القانون الذي هو الشغل الشاغل للملايين المكتوين بنار الطائفية السياسية والمذهبية والأثنية والمناطقية ، مما يهدد وبشكل كبير السلم الأهلي ومخاطره وتداعياته على النسيج الأجتماعي وتماسكه وتعايشه ، والتقاطعات التي تفرزها الأحداث على مجمل الحياة في العراق .
أما البطالة فهي الأخرى أحدى العقبات التي تركت بصماتها باينة للعيان ، وأرتفاع وتيرة نسبها المخيفة بين القوى المؤهلة للدخول الى سوق العمل ، والتي تؤشر كل المؤشرات الى نسبة تزيد على 30% كحد أدنى وقد تصل الى 50% ، والحقيقة بأنه لا توجد أحصائات رسمية حقيقية تبين لنا النسبة بشكل صحيح ،عن وزارة التخطيط أو أي جهة رسمية أو حكومية تطلعنا على هذه الحقائق .
نظامنا السياسي في تدهور متسارع في كل ما ذكرناه !...ولا يوجد في الأفق القريب ما يشير الى أننا سنرى بصيص أمل للخروج من عنق الزجاجة ، والخلاص من هذا النفق المظلم الذي وضعنا فيه قوى الأسلام السياسي والأحتلال الأمريكي وما خلف لنا من محاصصة أسس لها بريمر ، والتي أثبتت السنوات العجاف التي مضت ، فشلها الذريع في بناء دولة تقوم على أساس المواطنة ...دولة مدنية ديمقراطية عادلة يتساوى أبناء شعبنا بمختلف مشاربهم ومعتقداتهم وأديانهم وأثنياتهم ، أمام القانون ولهم نفس الحقوق والواجبات ، وذلك لأكثر من سبب !...أوله هو النظام الطائفي القائم على حكم الطائفة والحزب الواحد واللون الواحد والقائد الأوحد ..والمسألة الأخرى هي المحاصصة القاتلة للأبداع والعطاء من دون مراعهات من هو الأفضل والأكفئ والأنزه والأكثر وطنية .
وجوهر أيديولوجية قوى الأسلام السياسي تتقاطعة مع قيام دولة المواطنة ، والتي لا تنسجم مع الحقوق والحريات والتعايش المشترك بين الجميع ..ومع الأقرار الكامل بحق المرأة وتمتعها بحقوقها كاملة ، وليست كونها تابع للرجل .
هذه القوى الممسكة بالسلطة منذ عقد من السنين تعلن بأنها مع قيام دولة مدنية !؟..وفي الوقت نفسه تعمل على أسلمة الدولة والمجتمع بشكل عملي ومفضوح ! ، وتكريس هذا النهج على أرض الواقع ..وعند رفع الأصوات للتصدي لهذا النهج المعادي للدولة المدنية الديمقراطية ، والتي تمارسها هذه السلطات ، فيجن جنون قوى الأسلام السياسي ، وتثور ثائرتهم ، فيستخدمون كل طاقاتهم وأمكاناتهم وأعلامهم وأجهزتهم للتسويف والكذب والرياء وكيل التهم الجاهزة ، والغاية هو تبرير هذا النهج اللاغي للدولة العادلة وفي سبيل شرعنته وأضفاء الصبغة الدينية للدفاع عن هذه السياسة وتبريرها ، خدمة لأجنداتهم ومصالحهم .
وبالرغم من بداية الأسبوع الثامن على بدء التظاهرات المطالبة بأعادة بناء الدولة وعلى أساس دولة المواطنة ...الدولة المدنية ، فلن تتخذ الحكومة لحد اللحظة!.. أي أجراء يدلل على أن الحكومة تسير نحو الأصلاح وتبنيها وبخطوات جادة وملموس وبشكل فعلي للقيام بأعادة بناء الدولة ، والذي يشكل مصلحة وطنية ...ومطلب جماهيري عاجل والذي نال مباركة وتأييد المراجع الدينيين ، وتم تفويض الحكومة بذلك ، والسبب معروف !.. وهو أن فاقد الشئ لا يعطيه ! .
سؤال مطروح على الجميع ؟ هل يمكن أن تطلب من طاقم حكم العراق لعقد كامل من السنين ؟، وفشل فشلا ذريعا ...وسرق خزينة البلاد والعباد وسلم نصف مساحة العراق للقوى الأرهابية من داعش وغيرها ، وسبب بأنهيار الدولة بكاملها ، وحولوها الى دولة فاشلة ، والأغرب من كل هذا وذاك بأنهم يقولون !..أنهم لن يفشلوا !...وحققوا المعجزات ! ولكن هم محقون فقد حققوا المعجزات في فشلهم وهزائمهم !....ويرمون بفشلهم على القوى التي تختلف معهم وتنازعهم على المغانم والسلطة والسلاح .
هذه الصورة الحقيقية لعراق اليوم ، ولا يمكن لهذه القوى المتمثلة في حكومتهم القائمة بقيادة السيد العبادي، ولا بتشكيلة البرلمان الحالي ، كونه يمثل الأغلبية لقوى الأسلام السياسي ( فهم يفصلون كل شئ على مقاسهم هم !..وليس على مقاس مصالح شعبنا وقواه التقدمية وفي سبيل مصالح العراق العليا) .
الحل هو قيام حكومة تكنوقراط وطنية ، ولها مهمة محددة تأخذ على عاتقها أعادة بناء الدولة على أساس المواطنة ، وأجراء أصلاحات شاملة على القضاء خاصة ، وأعادة تشكيل الهيئات المستقلة على أساس المهنية والنزاهة والوطنة ، وتشكيل هيئة من ذوي الأختصاص والقانونيين والأقتصاديين للبت في كل ما يحتاجه وتستلزمه أعادة بناء هذه الدولة ، لصياغة القوانين والقرارات والتشريعات التي مازالت في رفوف مجلس النواب ! ، ولم يصار الى تشريعها ، كذلك لأجراء بعض التعديلات الملحة والضرورية على الدستور ، لأنجاح عملية أعادة البناء ( وليس الأصلاحات الترقيعية والتجميلية والمضللة والخادعة ) .
تمنح هذه الحكومة صلاحيات واسعة لأنجاز مهام المرحلة الأنتقالية والتي قد تصل المدة فيها ، من ثلاث الى أربع سنوات ، قبل الأعداد الجيد والرصين للأنتخابات التشريعية والرئاسة اللازمة لهذه الدولة الجديدة .
لا خيار أمام قوى شعبنا غير هذا الطريق ، وبعكسه سيظل العراق يدور في متاهات!.. ويستمر بالتراجع ، وتنتابه الهزائم والأنكسارات ، ويزداد التشضي والأنقسام ، وكل هذا سيكون على حساب الدم العراقي والمال العراقي ، وعلى حساب حاضر ومستقبل شعبنا ووطننا .
وأمام قوى شعبنا خيارا واحدا لا غيره وهو أن يكون لهذه القوى نهج واضح في تبيان موقفها ولتتحمل مسؤوليتها التأريخية والمصيرية ، ومن أجل أعادة العراق لحاضرة العالم المتمدن ، ويعود الأمن والأمان والأستقرار لربوعه ، ولتدور عجلة الأقتصاد والخدمات ، ولتدور عجلة الحياة المتوقفة .
وبذلك سوف يعيش شعبنا كل أيامه أعياد ، ويكون للعيد ألقه وبهجته ...وله طعم ولون وبريق ...لدى كل العراقيين ، ويكون عراق يتسع للجميع .