المنبرالحر

إنها لحظة الانحياز / تحسين المنذري

يتنامى الارهاب ويلعب لعبته كما يشاء، ويمسك بزمام المبادرة ، ويصول ويجول كما يشاء ، وبات الدم يلون المشهد العراقي ، والخراب عنوانا للحواضر والمدن ، والانكسار سمة لكل عراقي ، وعلامات الانهيار في كل شيء بدت واضحة للقاصي والداني ، فالعملية السياسية تم شلها ، والقوى المتنفذة في الحكم جرّف بعضها بعضا ، ولم تعد هناك هيبة للدولة ، وأصبح الحديث عن الامن وخططه نكتة سمجة لا يستسيغها حتى الخـَرِف ، ولم يعد عند القوى الحاكمة غير التقاذف والشتائم ورمي التهم والبذاءات بصورة مخجلة ، ولم يبق غطاء يسترون به عوراتهم سوى شراشف كراسي الحكم والتي صارت هي الاخرى مهترئة من كثرة التمسك بها بأظافر وأسنان قذرة لوثها المال السحت والدم البريء .

وبرغم كل هذا فالدفاع عن كرسي الحكم الساحر هو ديدنهم وهدفهم وكأن كل ما يجري حولهم من دم ودمار وخراب لا صلة له بواقعهم أو إنه في بقعة قصية عن الكرة الارضية وليس في وطن أترعوا كؤوسهم من مائه وملأوا بطونهم من خيراته ، وملَّ المواطن كثرة الوعود الكاذبة ، وكرِه وجوه الساسة وأسماءهم وألقابهم ،ودبَّ القرف في كل مشاعره من كل خطبة وتصريح وكلام واهن من أفواه وصلت عفونتها تخوم السماء ، وظهر التململ من الوضع جليا هذه الايام ، وبوادر الحراك الشعبي تزايدت في محافظات ومدن عدة متجاوزة التقسيمات الطائفية التي ارادها الحكام حواجزا بين أبناء الوطن الواحد.

ولعل القادم من الايام يحمل الكثير من نذر الشؤم نتيجة تمادي الارهاب في فعله وتمادي الحاكمين في غيـّهم ، وبات الوطن على شفا حفرة من الاقتتال الاهلي ، والبحث عن بصيص أمل ٍ في الأنفاق المظلمة هو الذي سيحرك الجموع للمطالبة بالتغيير ، ولا سبيل لمن يريد أن يرحمه التأريخ ويجد لنفسه فسحة عمل في المستقبل الا الانحياز الى الشعب على حساب المجاملات الباهتة لسياسيين وقادة حكم بلت مواقعهم ، ولا يكون الانحياز عبر تذمر في الخفاء، أو تصريح صحفي او بيان سياسي مكتوب ، أو أي شيء لا يمت الى الفعل بصلة ، لابد الان لمن يريد الانحياز الى الشعب أن يتخلى عن امتياز المنصب مهما كان صغيرا أو كبيرا. لمن يريد الانحياز عليه أن يتخلى عن ترف المقرات وخدرها ، لمن يريد المستقبل ورضا الشعب عنه أن يكون في طليعة الفاعلين لإسقاط النظام المحاصصي المقيت ، الانحياز للشعب يعني الوقوف مع الشعب في إعتصاماته في تظاهراته في مطاليبه العادلة ، لمن يريد الانحياز للشعب عليه أن يعلن انحيازه بكل صراحة وموضوعية ، أن يقول صراحة إنه ضد أحزاب السلطة المتنفذة نهجا وسياسة وممارسات ، أن يفند الفكر الظلامي الذي أتى بهم وأتوا به ، أن يعلن للشعب إنه معه ومنه يستمد العزم ، إنها لحظة انحياز تأريخي الان ، الشعب يريد من يكون معه اليوم وليس من كان بالأمس ، الشعب يعطي زمامه لمن يريد أن يبني معه المستقبل وليس من يجتر الماضي ، لحظة الانحياز التاريخي هذه لن تتكرر الا لماما ، ومن تفوته سيخسر ماضيه وحاضره مستقبله ، الانحياز الى الشعب برنامج وموقف وقبل هذا وذاك فعل ، فعل ملموس وتحرك بين الناس صريح وعلني وليس تسترا خلف آخرين ، إنها لحظة الانحياز التأريخي .