المنبرالحر

المسيرة الشجاعة لصحافة الحزب الشيوعي العراقي / د. مكرم الطالباني

كنت اتابع صحافة الحزب الشيوعي العراقي ونشرياته، قبل ان انال شرف عضوية الحزب. وكنت آنذاك، اريد معرفة موقف الحزب الشيوعي من القضية الكوردية، خاصة ابان اندلاع القتال في كوردستان عام 1945، عندما شنت حكومة بغداد، بأيعاز من السلطات البريطانية، الحملة العسكرية القمعية ضد الشعب الكوردي المطالب بحقوقه المشروعة ضمن دولة العراق.
وكانت حجة سلطات الاحتلال هي تكريس كل الجهود في الحرب ضد النازية! وهذا الشعار يكون مقبولا لو اشاعت حكومة العراق الحريات الضرورية لتعبئة جهود الشعب في الكفاح ضد النازية، ولكن الحكومة ومن ورائها سلطات الاحتلال، بدلا من ان تقوم بأعداد القوى ضد النازية، كانت تستخدم القوة ضد الجماهير المطالبة بالحريات الديقراطية، التي ستكون خير وسيلة لدحر النازية فكريا وسياسيا وكذلك عسكريا.
يقتضي الاعتراف بأن حزب (هيوا) الذي كنت احد مؤسسيه، أظهر عجزه عن القيام بأعمال جماهيرية للوقوف ضد ارهاب الدولة، الامر الذي ادى الى اخفاق الانتفاضة التي كانت تقودها لجنة الحرية (ئازادي) في منطقة بارزان. لذلك نبه سكرتير الحزب الشيوعي الرفيق فهد، الجماهير الكوردية الى اهمية انخراطها في النضال من اجل الحريات الديمقراطية، وذلك في مقال افتتاحي صحيفة ( القاعدة ) تحت عنوان " الشعب الكوردي بحاجة الى حزب عمل لا حزب امل". بين فيه ان الشعب الكوردي في ظل الحريات الديمقراطية فقط يتمكن من التعبير الحر عن رأيه، وعما اذا يريد الانفصال عن العراق او البقاء ضمنه.
وهذا يعبر بشكل واضح عن اقرار الحزب الشيوعي بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه بصورة حرة، بما في ذلك حقه بالانفصال وتأسيس دولته المستقلة.
ونشرت صحيفة الحزب ( القاعدة ) مقالا آخر للرفيق فهد، نبه فيه الجماهير الكوردية الى المخاطر الناجمة عن المساومات التي تجري من وراء ظهره غمط حقوقه المشروعة. وكنت آنذاك افضح تلك المساومات على حساب الشعب، الامر الذي جعل المساومين يهرعون الى فصلي من حزب (هيوا) مع العشرات من جماعة اتحاد المناضلين ( يكتي تيكوشان ) الذين كانوا يعملون خارج الحزب الشيوعي العراقي وينشطون في صفوف حزب هيوا كتشكيلة خاصة (فراكسيون).
وقد ادى ذلك إلى عثوري على الطريق الصحيح للنضال الجماهيري الدؤوب في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، بعد تفكك حزب هيوا، جراء التناقضات الفكرية والسياسية والطبقية.
لم يدم عملي في منظمة كوردستان للحزب الشيوعي طويلا، فقد القي القبض عليً في كركوك اثر خيانة مالك سيف ورهط من هم على شاكلته، لأقضي سبع سنوات في السجن وثلاث سنوات اخرى تحت مراقبة الشرطة.
استمر ارتباطي بالحزب وجاءت حتى ثورة الرابع عشر من تموز 1958، فأنتقلت الى بغداد، وعندما صدرت جريدة "اتحاد الشعب" بصورة علنية في بغداد، مُنحت مجالا لأنشر فيه مقالات انتقادية بأسم (آزاديخواز). واستمر ذلك حتى ردة 8 شباط 1963، وما اطلقت من حملة دموية مروعة ضد الحزب الشيوعي وقادته وكوادره، وحملات قمع ضد جماهير الشعب والحملة العسكرية ضد الشعب الكوردي.
وكان نصيبي ثلاث سنوات من السجن قضيت معظمها في سجن نقرة السلمان، وعند خروجي من السجن واعادة صلتي بالحزب، اتصلت بي اذاعة ( صوت الشعب العراقي ) التي كانت تبث من براغ، طالبة مني معاودة كتابة ما كنت انشره باسم ( آزاديخواز ) لاذاعتها من هناك، ففعلت ذلك.
كان الكثير من السياسيين يعتقدون ان الحزب الشيوعي العراقي سوف لن يتمكن من القيام بأي عمل جماهيري قبل مرور عشر سنوات من الضربة التي وجهت اليه في انقلاب شباط 1963، الذي كانت الولايات المتحدة الامريكية وراءه، ولكن لم تمر سنتان حتى اعاد الحزب مكانته بين الجماهير. واكتسح الانتخابات الطلابية في المعاهد والجامعات التي نال اتحاد الطلبة العام معظم المقاعد فيها، فعمدت الحكومة الى الغاء نتائج الانتخابات، واعادة تعيين اعضاء الهيئات القيادية الطلابية التابعة لها كالسابق.
كما تمكن الحزب من توحيد مختلف الكتل السياسية في نقابة المحامين وحقق الفوز الكاسح في هيئة النقابة منافسا بذلك قائمة القصر الجمهوري ( الاتحاد الاشتراكي ) وقائمة القوى الرجعية برئاسة عبد المحسن الدوري. وتم انتخاب شخصية تقدمية قريبة من الشيوعيون نقيبا للمحامين.
وبمناسبة مرور عام على العدوان الاسرائيلي على البلدان العربية في عام 1967 قاد الشيوعيون مظاهرة جماهيرية كبيرة، الامر الذي ادى بحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كان يتهيأ للقيام بانقلاب عسكري ضد حكومة عبد الرحمن عارف، إلى ان يحسب الحساب لقوة الحزب الشيوعي، ويطلب منه التعاون تحاشيا للمواجهة معه.
بعد هذه المرحلة دخلت صحافة الحزب الشيوعي مرحلة جديدة. فقد اصدر الحزب مجلة (الثقافة الجديدة) وصحيفة (الفكر الجديد) ومن ثم صحيفة (طريق الشعب) بصورة علنية.
وبتحريض من حزب البعث، أدار الدكتور صلاح خالص ظهره للحزب الشيوعي ليستأثر بمجلة الثقافة الجديدة. ولكن الحزب تمكن من سحب المجلة منه، ليصبح الشهيد صفاء الحافظ صاحب الامتياز واكون انا رئيسا للتحرير، واستمرت تلك المطبوعات بالعمل، وخاصة بعد اعلان الجبهة الوطنية بين الحزبين الشيوعي والبعث، الى ان ساءت العلاقة بينهما، عندما حاول البعث ان يجعل من الجبهة اداة بيده، الامر الذي رفضه الحزب الشيوعي.
وخلال الفترة الاخيرة من الازمة التي تعمقت بين الحزبين، لجأت الحكومة الى تعطيل جريدة "طريق الشعب" عدة مرات، كما القت القبض على رئيس تحرير "الفكر الجديد" الدكتور حسين قاسم عزيز. وتوقفت مجلة "الثقافة الجديدة" عن الصدور، نتيجة اضطرار معظم قيادة الحزب وكوادره الى مغادرة بغداد لمعاودة النضال بشكل آخر، واصدار صحفه ومطبوعاته من كوردستان ومن خارج العراق، حيث عادت صحيفة "طريق الشعب" الى الصدور. كما اصدر تنظيم الحزب الشيوعي في كوردستان صحيفته الخاصة "ريكاي كوردستان".