المنبرالحر

مستقبل التطرف الديني.. / سلام حربه

هناك الكثير من المفردات التي لا يخلو حديث أي شخص منها، ومن هذه المفردات التطرف..انها مبتدأ كل حديث كما انها خبره، هذه الكلمة عربية وموجودة في القواميس منذ نشأة اللغة، وبقي تداولها في السابق محدودا لكنها اليوم من اكثر الكلمات شيوعا حتى ان زمننا هذا يطلق عليه زمن التطرف، هذه الكلمة تكاد ان تكون لصيقة مع مفردة الدين، وقد سطع نجمها في العقدين الاخيرين ويبدو ان التطرف الديني هو انسب وافضل استخدام لها، كما انه في جانب آخر هو تطرف فكري.
التطرف حالة شاذة وخروج عن الاعراف والتقاليد والاخلاق..انه انحراف العقل وجنوح عن اليقين والحقيقة وركوب سفينة الشطط والضياع..لكن يبقى السؤال متى يجنح العقل نحو التطرف..؟ والجواب ان العقل حين لا يبصر وجهته ومراميه فانه يبقى متخبطا كمن يتيه في صحراء ابدية فتنمحي حدود الآفاق وتصبح الحركة دوراناً في دائرة ليس لها مخرج..ان التطرف الديني في زمننا الحديث من اخطر انواع التطرف لان الدين كمعطى ثقافي وحضاري وتراثي واخلاقي وكحاجات روحية للأفراد حاول الفقهاء والعلماء ان يجعلوا منه نظاما حياتيا فابتكروا له نظاما سياسيا واقتصاديا من ممالك اخيلتهم وحشروه في كل صغيرة وكبيرة من خلال تاويلات وشروح ما انزل الله بها من سلطان وتم ليّ عنق النص كي يطابق قراءاتهم وينسجم مع افكارهم ورؤاهم وكل يوم جديد يمر هناك ابتكارات جديدة وتفاسير غريبة فخلق هذا الامر بلبلة وفوضى وخروجاً عن المنطق العقلي السليم صوب الضلالة والتخريف. اصحاب العقول الصغيرة والافكار البسيطة غالبا ما ينغلقون على ما يؤمنون به ويعتبرونه الحق وما عداهم باطل،والمتعاطون للفكر الديني من الاسلام السياسي غالبا ما يتطرفون لان طبيعة الفكر الذي يؤمنون به ليس جدليا ولا يتحمل النقاش والحوار باعتبار ان النص مقدس وحتى شروح النص من قبل الفقهاء مقدسة ايضا ولا يتسلل الشك اليها بل هي اليقين بعينه ويجب ان يتعامل الفرد معها كحقائق مطلقة، رافضين المساس بها حين يتبدل الواقع،فيأتي نصهم غير منسجم مع تحولات المجتمعات الجديدة، هذا الفصام بين الفكرة والواقع هو من يخلق التطرف ويدفع بالمتطرفين الى ان يسقطوا هذا الفكر (المقدس) الجامد على واقع متبدل زئبقي فيحدث الصدام بين الطرفين وهذا ما نلاحظه يوميا من جرائم ترتكب باسم الدين بحق الابرياء لان الجاني يعتقد بانه يملك كل الحقيقة والاخر جاهل وكافر وزنديق يجب ان لا يزاحمه في ملكوت الله وان يغادر الى العالم الاخر مقتولا كي ينال جزاءه. ان مستقبل التطرف الديني في عالمنا الجديد مستقبل مظلم من يراقب هذا التطرف واشتداده خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سيجد ان ما من يوم يمر حتى يتفاقم التطرف، فصائل جهادية قاتلت الاحتلال في افغانستان وفي غيرها من البلدان بعدها تحولت الى تنظيمات مسلحة متطرفة كتنظيم القاعدة الذي وجد الساحة مهيأة له كي يحاول ان يفرض فكره الديني وجاهد في اقامة دولة الله على الارض، وحين فشل هذا التنظيم في تحقيق مآربه واحلامه لان الواقع لا يمهد له السبيل لتحقيق هذه النزعة الدينية الشاذة ابتكر وسائل افظع واشد دموية وشراسة لتحقيق مشروع دولته الافتراضية بان استنسخ من ظلامه سوادا اشد عتمة اسماها داعش وقام باداء يمين الولاء لها ورهن اسمه وتاريخه وتيجانه وصولجاناته في ادراجها..الغريب في الامر ان انصار هذه الابنة المدللة داعش يتكاثرون وفي كل بقاع العالم واعداد غفيرة منها ولدت وتعيش في العالم الغربي وهي مجتمعات متحضرة ومتمدنة وداخلة في سباق جنوني في العلوم والتكنولوجيا ورغم كل هذا التطور لكن الابناء مشوهون بقصور فكري يدفعهم الى ارتكاب ابشع الجرائم وافظعها، هذا في الغرب اما في مجتمعاتنا المتخلفة فان المواطن يعيش في مجتمع متراجع استهلاكي لا يتعامل مع العلم، مجتمع بلا نظام سياسي متمدن وبلا بنى اقتصادية واجتماعية، الفرد يعاني من ازمة فكرية ولا يجد امامه الا ان يجتر الفكر الديني الذي ابتكره الفقهاء وتتاجر به الاحزاب الاسلامية وتتصارع فيما بينها من اجل الهيمنة على عقل هذا الفرد وتسخيره لصالحها، المواطن في مجتمعنا يستخدم عقله بطريقة لا عقلية وهذا كاف لان ينتج الاوهام والخزعبلات وانماطا عجيبة غريبة من التطرف. وكل خطوة يخطوها العالم باتجاه العلم فان مجتمعاتنا تخطو نحو الانغلاق والتعصب وتبتكر وسائل جديدة في تاويل النص الديني كي يلائم العقول التي تغرق يوميا في الجهل وهذا يعني مزيدا من التطرف ومزيدا من الدم والفساد والخراب.. ان الفكر الديني يرفض التنازل عن سطوته على عقول الناس البسطاء لصالح العلم والمدنية،كما يرفض الاعتراف باحقية المنطق العقلاني في قيادة وبناء المجتمعات لانها باعتقاده بدعة فاسدة ملحدة وشيطانية ويعتبرها من الد اعدائه ويلصق بها كل الفتاوى والاتهامات الباطلة والمزيفة..في الكون لكل مادة ضد لها تساويها في المقدار وتعاكسها في الاتجاه، النور وتقابله الظلمة، الخير والشر، الوجود والعدم،المنطق الجدلي والتطرف،.. هاتان المادتان، هي وضدها، متصارعتان وعبر التاريخ، ويرجح حال وجودي على حال اخر عند توفر الشروط الموضوعية لنموه، وعليه فليس من سبيل للقضاء على التطرف الديني الا بتغليب منطق الحوار في الحياة على منطق اليقين المطلق وهذا الامر يتم من خلال تحديث المجتمع بأرقى وسائل التكنولوجيا وبناء دولة المؤسسات، نظام المواطنة والعدالة الاجتماعية وتوفير الحريات الشخصية الكاملة وحتى الدينية منها، ان لم يتم هذا الامر وبقي الفكر الديني واحزابه الاسلامية تصول وتجول في عقول الناس فاقرأ على البلدان السلام، وان ظهر اليوم داعش فان غدا سيحمل