المنبرالحر

الاقتصاد العراقي – رؤية مستقبلية / اد. حاكم محسن محمد الربيعي

واجه العراق خلال اكثر من ثلاثين عاما حروباً متعددة الحقت خسائر واضراراً كبيرة في الاقتصاد العراقي . ختم باحتلال العراق عام 2003، واعتقد الكثير ان هناك بارقة امل في تحسن الوضع الى حال افضل .لكن تجربة السنوات التي أعقبت عام الاحتلال لم تكن كما يعتقد البعض ولم توفق الحكومات التي توالت على العراق في إدارة الاقتصاد العراقي على نحو ناجح، ما أدى الى تراجع قطاعاته الاقتصادية جميعا واصبح العراق سوقاً لتصريف منتجات دول أخرى منها دول الجوار، في الوقت الذي توجد مقومات كثيرة للنهوض بهذه القطاعات الاقتصادية لو توفرت الإرادة الصادقة والإدارة الكفوءة. وكانت النتيجة ضياع الأموال من دون مخرجات على الأرض، لذلك شاع بين المواطنين تساؤل، اين ذهبت الأموال؟ والآتي محاولة متواضعة لرؤية مستقبل الاقتصاد العراقي على فرض وجود إرادة جادة وقرار فاعل .. وسيتم تناول هذا الموضوع وفقا لما يأتي :
أولا: واقع النظام السياسي:
حيث جاء في المادة (1) من الدستور ان جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة ، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق .
وقد أدى ذلك الى تعددية غير منضبطة من أحزاب او كتل او جماعات نظمت حالها منها على أساس حزبي او ديني وحتى عشائري ودخلت الانتخابات وأصبحت لها مواقع في البرلمان او في مجلس الوزراء، و بعض هذه الجماعات لها ارتباطات اجنبية اثرت وتؤثر في توجهاتها السياسية، وبالتالي اصبح النظام يقوم على أساس المحاصصة بالاستناد الى الطائفية والقومية والمذهبية ، وصار شبيهاُ بلبنان الذي لم يستطع الشركاء فيه ان يتفقوا على رئيس لدولتهم على مر عام كامل وزيادة . وبسبب ذلك سادت أساليب لا تنسجم مع نص المادة (1) المشار اليها . ومن بين هذه الأساليب:
1- الاقصاء والتهميش
2- الاستئثار بالسلطة
3- غياب وحدة الرؤى السياسية والاقتصادية .
4- غياب الإدارة الكفؤة والحريصة على المال العام .
5- غياب المساءلة
تبعا لذلك اصبح قسم كبير من الشعب خارج الركب في كل شيء .اي اقتصرت المناصب والتعيينات على منتسبي الأحزاب والجماعات المتنفذة، والذي لا ينتمي اليها من بقي مهمشا ومقصيا مهما كان، وبالتالي اصبح الناس أصحاب الخبرات والرؤية السليمة في إدارة الحكم والاستشارة، لا احد يسمعهم او يدعوهم إلى المشاركة في ندوات حوار تناقش في الأقل ما يجب عمله او ما الأفكار والطروحات التي يمكن الاستفادة منها. وفي بعض الأحيان تمت دعوتهم لكن لا احد يعمل بما يطرح ، اما عن التوزيع العادل للثروة فقد ورد في الدستور تبني أسلوب التوزيع العادل للثروة ومنح تكافؤ الفرص للجميع . لكن ذلك كان حبرا على ورق . وقد أدى كل ذلك الى شيوع ظاهرة الفساد الإداري والمالي ، الى جانب تسيس القضاء ، بل اصبح القضاء هو من يبحث عن مبررات لتبرئة الفاسدين او يتعرض الى التهديد بالإقصاء من المنصب وهذا يكفي للبعض ان يخضع لا رادة الجماعات المهيمنة، وعلى مسار السنوات السابقة أوضحت تقارير هيئة النزاهة ولغاية 2009 حجم الفساد ، اما بعد هذه السنة فيبدوا صدرت توجيهات للهيئة بعدما عرضت قضايا الفساد باسم الوزارات والجهات. الأخرى والتي كانت بمبالغ كبيرة، أي أهمل هذا الموضوع . وكانت اكبر مبالغ الفساد في وزارتي الدفاع والكهرباء ، لكن الأوامر الصادرة من السلطة اما عدم عرض هذه القضايا او غلقها.
كل ذلك كان بسبب الحماية للفاسدين من قبل من اصبحوا مسؤولين كباراً ولهم صوت يسمع وقرار نافذ. بالتأكيد الفساد في هذا المستوى مع غياب المساءلة او المحاسبة يعكس اثره على واقع الاقتصاد العراقي ولذلك لم يلمس الشعب بنى ارتكازية او تحتية تكون مساعداً للإيرادات النفطية او استثمار الإيرادات النفطية في البناء والاعمار .
ثانيا- واقع القطاعات الاقتصادية
1- القطاع النفطي: في اجتماع عقد في مجاس السلم والتضامن بعد عام 2003، وكان بحضور خبراء من وزارة النفط اكدوا ان القطاع النفطي لا يحتاج اكثر من 6-7 مليار دولار لتأهيله وان وزارة النفط فيها الكثير من الخبرات المؤهلة والقادرة على تنفيذ ما يطلب منها ، لكن التهميش وابعاد الاخر والاستئثار بالسلطة حال دون اشراك الخبرات، بل كان هناك اتصالات مع دول وشركات أخرى. ان الخبرات متوفرة ولكن لم يتم اشراكها ، ويعد العراق الثالث في احتياطي النفط بعد السعودية وايران والجدول رقم (1 ) يوضح ذلك للسنوات 2010 -2015 كما يبين الجدول الإنتاج النفطي وحجم الصادرات وتبعا لذلك كانت الإيرادات النفطية عالية قبل هبوط أسعار النفط ، وكان يفترض إدارة هذه الأموال بطريقة سليمة وباتجاه البناء والاعمار وتأهيل القطاعات الاقتصادية لكن الامر كان عكس ذالك .
لذا يحتاج هذا القطاع الى:
1-إعادة تأهيل هذا القطاع من خلال استبدال الآلات والمعدات النفطية .
2-تطوير الكوادر النفطية بدورات تدريبية في مؤسسات ومراكز تدريب دولية نفطية .
3-إعادة تأسيس شركة النفط الوطنية واسنادها الى إدارة مهنية متخصصة غير متحزبة
4- إعادة تأهيل المصافي النفطية وتشغيلها من اجل تقليل الاعتماد على الاستيراد لهذه المشتقات من الخارج .
5- ضمان سيطرة الدولة على جميع ابار النفط أينما وجدت باعتبارها ملك الشعب وبالتالي يجب تنظيم استغلال واستثمار الحقول النفطية أينما كانت.
6- القطاع الصناعي: كان هذا القطاع عاملاً رغم الحصار الذي استمر على العراق لمدة ثلاثة عشر عاما ، وكان العاملون في شركات هذا القطاع ينتظرون الحوافز اكثر من انتظارهم للرواتب لان الحوافز اكثر من الراتب، الا ان هذا القطاع اهمل بعد الاحتلال وظهرت اجندات تعمل في اتجاه قتل الصناعة وفق اجندات اجنبية وعربية تهدف الى إبقاء العراق سوقاً للآخرين أولا وتراجع الصناعة في العراق للإضرار باقتصاده وحصل في الوقت الحاضر ما حذر منه المتبصر الذي يدعو الى تأهيل القطاعات وتشغيلها للمساهمة الى جانب النفط في الموازنة العامة، وكان في العراق العديد من المنشآت الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وكما تبينها الجداول (2) و(3) و(4 )
هذه المنشآت أصبحت غير قادرة على تسديد رواتب العاملين فيها عكس ما كانت عليه قبل الاحتلال ، الا ان هذه المنشآت لو تحقق لها الاسناد من الحكومة لعادت افضل مما كانت ، اما ما مقومات ذلك فيمكن تحديدها كالآتي :
1- تأهيل شركات القطاع العام من خلال دعم هذه الشركات بإيقاف استيراد ما يمكن انتاجه، كشركات الاسمنت والاطارات والالبان والنسيج والالبسة والسكر والحديد والصلب والبتروكيمياويات وغيرها من شركات .القطاع الصناعي.
2- استيراد مكائن جديدة بدل المكائن المتقادمة وإصلاح ما يمكن إصلاحه ، علما ان بعض هذه المكائن كانت شغالة وبالتالي عندما توقفت ما الذي يجعلها غير صالحة وهي العاملة حتى في ظل الحصار، فكيف لا تستطيع العمل في ظل حرية الاستيراد لموادها الأولية.
2- استبدال الإدارات الحالية بإدارات مهنية متخصصة وغير متحزبة ولضمان ذلك لا بد من الاتفاق على ذلك بين السياسيين.
3- تطوير الكادر الحالي بدورات تدريبية تقام في مواقع الشركات من قبل من يتم اختيارهم كمدربين يتم تأهيلهم في الشركات المناظرة في الخارج على ان يكون ايفاد من يتم اختيارهم لا لأغراض الايفاد بل التدريب والتأهيل ومن لا يستفيد من ايفاده يتم تغريمه أجور الايفاد .
4- الزام دوائر ومؤسسات الدولة كافة بشراء المنتوج العراقي ..
5- الا ستفاده من المواد الأولية المحلية المتوفرة وفي ذلك منفعتان الأولى عدم الاستيراد وبالتالي لا لخسارة العملة الصعبة والامر الاخر تنشيط الشركات العراقية المنتجة لهذه المواد.
7- القطاع الزراعي:
في العراق نهران هما دجلة والفرات ، وفيه أراضي زراعية كانت 48 مليون دونم صالح للزراعة، وربما انخفض هذا الرقم بسبب الملوحة وهذه الأرقام والمياه المتوفرة يفترض بالعراق ان يصدر الإنتاج الزراعي لا ان يستورد ،فما مقومات تأهيل القطاع الزراعي، نعتقد اهمها :
1- تنظيم الحصص المائية حسب المساحات الزراعية في كل محافظة ونوع المنتوج الذي تشتهر به،
2- إقامة السدود او النواظم حسب ما يحدده خبراء وزارة الموارد المائية وفي المواقع التي تؤدي الى تحقيق نتائج مفيدة ،
3- دعم القطاع الزراعي بمكائن حراثة وسيارات نقل على ان يتم توزيعها حسب المساحات الزراعية ومتابعة استخدامها لان البعض يعمل على بيعها مباشرة او فرض قرار يمنع البيع ولفترة عشر سنوات .
4- عدم استيراد المنتج الذي يمكن انتاجه بحجة ان المستورد اقل سعرا وان تكلفة ما ينتج اعلى من سعر ما يستورد لان ارتفاع كلفة الإنتاج لا تستمر طويلا.،
5- وهنا يبرز دور الدولة في دعم هذا القطاع ولفترة محددة بتسليف او منح المزارعين تعويضا عن الخسائر ،
6- تفعيل دور الدوائر الزراعية في مكافحة الآفات الزراعية التي قضت على الكثير من بساتين الفاكهة على ان تكون هذه المكافحة قبل استفحال الظاهرة وقد حدث ذلك مراراً.
7- دعم المزارعين من خلال تسريع استلام المنتوج المسوق وتسريع تسديد أقيامه ، حيث يتأخر التسديد و لمرات عدة.
8- دعم المزارعين بالأسمدة والبذور الصالحة للزراعة ، ومساعدة المزارعين بالخبرات الزراعية من الدوائر الزراعية،
ثالثا - القطاع الخاص
ضرورة دعم القطاع الخاص وتقديم التسهيلات لهذا القطاع الذي يمكن ان يسهم في دعم الدولة من خلال ما يوفره من فرص عمل للعاطلين أولا والأسهام في توفير المنتجات التي يحتاج اليها البلد، ومن اجل تقليل توجه العاطلين للعمل في القطاع العام، يحتاج هذا القطاع الى تشريعات تضمن حقوق العاملين فيه من حيث الحقوق التقاعدية ، أي صدور تشريعات تضمن التقاعد والضمان الاجتماعي، كالمؤسسة العامة للتقاعد والضمان الاجتماعي السابقة ، ومن شأن ذلك ان يسهم في تقليل التوجه الى القطاع العام . واستقطاع توقيفات تقاعدية ترسل الى دائرة التقاعد او مؤسسة تنشئ لهذا الغرض مع إمكانية استثمار هذه التوقيفات للتقليل من اعتماد الرواتب التقاعدية على الموازنة العامة . :
1- صدور تشريعات للإعفاء الضريبي وقد مر العراق في تجربة من هذا النوع ، أي صدر عام 1989 اعفاء ضريبي للشركات الصناعية لمدة عشر سنوات.
2- تقديم تسهيلات من حيث إجراءات تأسيس الشركات الصناعية وغير الصناعية،
3- تقديم محفزات لرأس المال الخاص العراقي المهاجر من اجل العودة الى الوطن والاستثمار فيه.
4- يتطلب القطاع الخاص الأمان وهذا يدعو الحكومة الى محاولة توفير الأمان من خلال بناء دولة المؤسسات وحصر السلاح في يد الدولة .
5- تهيئة بيئة استثمارية جاذبة لتشجيع الاستثمار العربي والاجنبي وفقا لضوابط ضامنة لحقوق العراق تجاه هذه الاستثمارات .
6- تفعيل قانون الاستثمار وتعديله وبما ينسجم مع متطلبات تشجيع الاستثمار .