المنبرالحر

المرأة والدولة المدنية / د. إبراهيم إسماعيل

رغم إن الدستور العراقي الحالي قد سعى وفي مواد كثيرة إلى إنهاء التمييز ضد المرأة ورفع الحيف عنها، الا إن القوى المتنفذة ذات المشروع الطائفي، والمهيمنة على العملية السياسية، تمّكنت إما من إفراغ تلك المواد من محتواها الديمقراطي الانساني من خلال إصدار تشريعات مكبلة لها، أو تجميد تلك المواد عبر التلكؤ في سن ما يفعِّلها من قوانين. ولعل أبرز الإمثلة على ذلك، ما آلت اليه المشاركة السياسية للمرأة وحصتها في المؤسسات القائدة للمجتمع، والتي حددها الدستور بما لايقل عن 25 في المئة حيث خلت الوزارة والمؤسسة القضائية من النساء تقريباً، وغيّب دورهن في المؤسسة التشريعية، الا في حالات قليلة.
لقد صار وجود المرأة في البرلمان نوعاً من الديكور، صار يسمى بالديكور البريمري نسبة الى من إقترحه لأول مرة، الحاكم الأمريكي للعراق بعد الإحتلال بول بريمر. فالأغلبية الساحقة من "ممثلات الشعب" لم ينلن مقاعدهن عبر أصوات الناخبين، وإنما منّة من الكتلة التي ينتمين اليها، ونتاجاً لقانون انتخابي منح مقاعد لمرشحات حصلن على مئات الأصوات وحرم أخريات حصلن على ألاف الأصوات. وأدى هذا وللأسف الشديد الى تحول هذه السيدات إلى تابعات سلبيات لكتلهن، بل وفي الغالب لرئيس الكتلة، الأمر الذي افقدهن الدور المرتجى من وجودهن، خاصة، وكأضعف الإيمان، في تشريع ما يمنع اضطهاد النساء والتمييز ضدهن. كما خفتت ثم إختفت الاصوات التي نادت وعلى إستحياء بالعودة الى الدستور في ما يتعلق بحصة النساء في الحكومة والقضاء والهيئات المستقلة!
وهكذا تؤكد التجربة العراقية مرة أخرى عدم إمكانية ضمان حقوق المرأة من دون قيام الدولة المدنية الديمقراطية، التي مهما تعددت أشكالها، فإن جوهرها الواحد إنما يرتكز ـ من بين دعائم متعددة ـ على قيام مواطنة حقيقية، متحررة من الإملاءات والضغوط وسياسة الإكراه والإغواء، وعلى ضمان المساواة بين المرأة والرجل، وإنهاء التمييز ضد النساء وتحريم استخدام العنف، أيا كان شكله ومستواه، ضدهن، وتوفير فرص العمل لهن، وحماية منظماتهن الاجتماعية والخدمية المستقلة، وضمان مشاركتهن السياسية في الحكم والمعارضة بشكل حقيقي، وتيسير مشاركتهن في جميع مرافق الإدارة، وأخيراً ضمان حريتهن في التعبير والإجتهاد والإبداع الفكري والثقافي. ويترابط تحقيق ذلك كله مع الالتزام التام بما ورد في لائحة حقوق الإنسان وبكل المقررات الأممية بصدد حقوق المرأة، وتطوير التشريعات التي تضمن هذا الإلتزام ومراقبة تنفيذها شعبياً ورسمياً.
إن تحقيق تلك الأهداف يرتبط بتبني برنامج علمي يعطي الأولوية لتفعيل المشاركة السياسية للمرأة وضمان تمثيل حقيقي لها في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويكشف عن جوهر التخلف الذي يرى في المرأة كائناً قاصراً عن إدارة شؤونه أو تبوء المراكز العامة، ويعمل على معالجة سلبية وإستسلام الكثير من النساء للواقع وضعف إستعدادهن لإسباب اجتماعية واقتصادية ودينية، لمواجهة أي تدهور يحصل في حقوقهن.
كما يجب أن يتم تجنب مشاريع وبرامج متطرفة فسدت حتى عند أصحابها، وإعتماد صيغ واقعية وملموسة تعترف بمساواة المرأة بالرجل في جميع الحقوق والواجبات، برامج تجد أسانيد لها بما توصلت اليها البشرية من تقدم حضاري، وفي قراءة معاصرة لأحكام الدين وفي تعامل متحضر مع العرف والتقاليد.
وكما كشف الواقع زيف إيمان بعض المدعّين بحقوق المرأة، أثبت بإن الاكتفاء بمواجهة بعض الظواهر الشكلية، المعبرة عن إضطهاد المرأة العراقية، أمر غير مجدي، والأهم منه النضال الجدي من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية الضامنة لحرية المرأة ولحقوقها الأدمية الكاملة .