المنبرالحر

مصر: حينما يصبح الإرهاب حقيقة..!!؟ / باقر الفضلي

لم يعد من العسير على المراقب للمشهد السياسي المصري اليوم، ان يلحظ الطابع العنفي للأحداث الجارية في الواقع الميداني، وكيفية خروجها عن كل نمطية الصراع السياسي المعتاد بين القوى السياسية المختلفة، في ظل القوانين والأنظمة المرعية التي تحكم حالة ذلك الصراع..!

ففي مقالة سابقة تمت الإشارة الى كيفية إستخدام الطرق السلمية التي يكفلها القانون؛ من إجتماعات وتظاهرات وإحتجاجات وإعتصامات، يمكن اللجوء اليها من قبل القوى السياسية، للتعبير عن مواقفها ورأيها في أي قضية إجتماعية أو سياسية أو مطلبية، وتحويلها من وسائل سلمية الى وسائل تتسم بالعنف والشدة، لدرجة تأخذ معه شكلاً لا يمكن التسامح معه من قبل الدولة بأي حال من الأحوال، كون ذلك يندرج تحت طائلة القانون، وفي حدود المسائلة أو العقاب، لما ينجم عنه من التعدي على حقوق الآخرين، والمس بمصالحهم الخاصة، وإضراره بالصالح العام، وتهديده الأمن والنظام العام، التي رعاها القانون، وحماها دستور الدولة، ناهيك عن تهديده لأمن الدولة وإستقلالها..!؟(1)

وليس بعيداً عن ذلك، أحداث الأيام التي أعقبت الثالث من تموز/2013، الذي شكل حداً فاصلاً بين فترة من الفساد والإستبداد، التي إنتهت بثورة الخامس والعشرين من يناير/2011، ومن ثم ما بعدها فترة محاولات تثبيت حكم التطرف اليميني الديني الفاشي، التي إنتهت بصورتها الرسمية، في الثالث من تموز/2013 أعلاه، تلك الأحداث التي ما زالت تداعياتها وذيولها مستمرة حتى اليوم، بما إتسمت به من مظاهر العنف المسلح، الذي لا يمكن التسامح معه قانونا، بعد أن خرج في مدياته، عن كل ما يمت بصلة لأساليب الصراع السياسي المعتادة، ليدخل في النهاية دائرة الإرهاب الموجه والمدمر، لتصبح أهدافه فيما بعد واضحة المعالم، وذلك باستهدافها الدولة بمؤسساتها المختلفة، مما تعذر معه، وفي ظل الخراب والتدمير، وإتساع دائرة القتل والحرائق، وزيادة ترويع الناس، ان يكون موقف سلطات الدولة سلبيا، بعد أن أصبحت تلك الدولة بكل مؤسساتها، أهدافاً محددة للتوجه الإرهابي، وبعد أن أصبح ذلك التوجه لا يعرف حدوداً قانونية او اعرافاً إجتماعية، أو ثقافية، ولا حتى شرائع دينية، بقدر ما كان يسعى اليه من تدمير لأسس الدولة القائمة، وبناء أسس الدولة الدينية، وفقاً لبرنامج "فكري _ إعتقادي" قد أعد سلفا..!؟

إنه ومن نافل القول، الإستشهاد بالحادث الارهابي الاجرامي الآثم، بتأريخ التاسع عشر من آب الجاري/2013، والذي إستهدف حياة خمس وعشرين من أفراد مجندي الأمن المركزي الإبرياء في منطقة رفح في سيناء، وهم في طريق عودتهم الى معسكرهم، مما أثار الغضب والإستنكار، لهول وعظم الجريمة التي اقدم عليها الإرهابيون، دون وازع من ضمير..!؟(2)

إقول؛ ليس من باب المبالغة، الإستشهاد بالحادث المذكور، كمثل ودليل قاطع على تحول المشهد السياسي في مصر من حالة الصراع السياسي في مظهرها الخارجي، الى حالة من الحرب الإرهابية التي تتعرض لها الثورة المصرية على صعيد الواقع الميداني حاليا وعلى يد قوى جماعة الأخوان المسلمين، التي أثبتت كل الدلائل والقرائن ضلوعها في تخطيط وتفاصيل الحرب المذكورة، وإبتعادها عن كل ما يمت بصلة الى أي صراع أو نزاع سياسي، ناهيك عن الأمثلة والأدلة الأخرى التي لا تخفى على المتابعين للمشهد السياسي المصري وعلى مراكز الإعلام..! وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يجد كل من شارك أو ساهم في شن هذه الحرب، أن يجد نفسه عرضة للملاحقة القضائية، بإعتباره داعماً أو مساهماً في جريمة يعاقب عليها القانون..!؟

ولا مناص والحال، أن يفقد كل من ساهم في شن هذه الحرب، وبأي شكل من الأشكال، أو بأي طريقة من الطرق، سواء كان فرداً أو منظمة إجتماعية أو سياسية، سيفقد جميع الحقوق التي كفلها القانون، والتي يتمتع بها الفرد السوي أو المنظمة السياسية والإجتماعية في الظروف الإعتيادية؛ وبالنتيجة، فإنه يصبح من المسلم به والحال، أن يجري تكييف كافة الأنشطة والأعمال التي تدخل في نطاق دائرة العنف، من قتل وتدمير وإشعال الحرائق..الخ، تكييفها بإعتبارها ذات طابع إرهابي، وبالتالي تصبح الملاحقة في مثل تلك الحالات، حالة قانونية مشروعة، يدعمها الدستور في داخل الدولة، والمجتمع الدولي الذي هوعادة ما يستنكر الإرهاب، كوسيلة في التعامل السياسي الداخلي، ناهيك عنه في النضال السياسي..!؟

ومن هنا يمكن القول؛ بأن ما جرى تناوله في مقدمة المقالة من طرق ووسائل سلمية أقرها القانون وإعتبرها بمثابة حقوق لا يمكن المساس بها، من حق التعبير والإجتماع والتظاهر والإعتصام..الخ، والتي على الدولة صيانتها وتوفير الفرص والإمكانات المتاحة، أمام المواطن للتمتع بها بكل حرية وإستقلال؛ فجميع هذه الحقوق، يمكن أن تنقلب الى ضدها، وتتحول من حقوق شرعية، الى أعمال غير مشروعة؛ وذلك في حالة إذا ما شابها أية شائبة من العنف، أو ما يدل عليه، كإقتناء السلاح بمختلف أنواعه، أو إستغلال تلك الحقوق ومنها حق الإعتصام على سبيل المثال، خارج القصد الذي شرع من أجله، كإستخدام مكان الإعتصام بتحويله الى قلعة حربية، او ملجأ لإيواء المجرمين الملاحقين من قبل السلطات، أو إستخدام التظاهر والمظاهرات الى ستار للتستر على وجود الأفراد المسلحين، وتمكينهم من القيام بعمليات القنص، وإطلاق النار بقصد القتل والترويع، كذلك الأمر نفسه فيما يتعلق بحرية التعبير، حين يجري إستخدام منصات الخطابة لغير المقصود من وجودها، وإستغلالها كمنابر للتحريض على القتل وتأجيج الخطاب الطائفي وإشعال الفتنة بين الناس..!؟؟

إن جميع ما تقدم يشي بكشف طبيعة الأهداف والنوايا التي تفصح عنها حقائق الأفعال والأنشطة، التي تقدم عليها أي جماعة سياسية كانت أم دينية، خاصة تلك الأنشطة التي تتسم بالعنف المسلح؛ من مثل قتل الأبرياء، ومن حرق وتدمير لمؤسسات الدولة والمواطنين، بهدف إشاعة الفوضى في البلاد، من خلال إستهداف قوى الأمن، ومحاولات إضعاف وإنهاك القوات المسلحة، وترويع المواطنين، فهي جميعاً لا يمكن إلا أن تقع تحت طائلة الإرهاب، الذي تصب أهدافه في خدمة العدو اي كان جنسه أو نوعه، ولا تمت بصلة لأي شكل من الديمقراطية أو الشرعية التي تشدق بها البعض من الباحثين عن التبريرات للسلوك الإرهابي الذي إنتهجته فئة وضعت نفسها في موضع المدان الذي لا يمكن الدفاع عنه، والتي أصدر الشعب عليها حكمه، بالعزل في الثلاثين من حزيران/2013..!؟؟؟

فما تتعرض له مصر اليوم، لا يخرج في كل معالمه ودوافعه، عن نطاق الحرب الإرهابية، الهادفة الى تدمير مصر كدولة رائدة لصرح الثقافة والفنون، والتقدم الحضاري، بما تمتلكه من دعائم حضارية وتأريخ مشرق في جميع العصور، وهولا يخرج في سيناريوهاته عما سبق ورسم وخطط لمنطقة الشرق الأوسط، من قبل التحالف الأمريكي الغربي التركي _ الخليجي، الأمر الذي أدركه ووعاه الشعب المصري وقواه الوطنية مبكرا، وجسده في تحركه الثوري في الخامس والعشرين من يناير/2011 ، وبثورته المليونية في الثلاثين من حزيران/2013...!؟(3)
فمجداً لنضال الشعب المصري العظيم / والعزة والخلود لشهدائه الأبرار
باقر الفضلي/ 20/8/2013
____________________________________________________________________
(1) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=370863
(2) http://arabic.cnn.com/2013/middle_east/8/19/rafah.egypt/index.html
(3) http://www1.youm7.com/News.asp?NewsID=1211278&SecID=319