المنبرالحر

سرّاق منتخبون وناخبون مسروقون..!! / علي عرمش شوكت

بانوراما عراقية ساخرة، جديرة بالتمعن، تجري على سطح الاحداث في العراق. ان ما يدفع الى الخشية منها هو التفنن الخادع فوق العادة، الذي اعتمد باخراجها. ومن ابرز مشاهدها ذلك السلوك الماكر في استغفال المواطنين وتغيبهم .. بالمناسبة لقد شاهدت "فديو" للفنان المصري " نور الشريف " وهو يحاكي البعض من المغيبين المخدوعين الباحثين عن عودة " مرسي الى الكرسي "، وكان يناشدهم بالعدول عن الاوهام ويسألهم ( كيف تصدقون شيئاً غير موجود..؟) ، وهنا بيت القصيد كما يقال، حيث يكاد يكون سؤاله يصلح طرحه على من خُدع باحابيل الاوساط الحاكمة في بلدنا التي تنتج بل وتتكفل بصنع الكذب والتزوير المحسن والمزوق في كل مناحي الحياة ، لكي تعتاش عليه.
ومن سخرية ما وصلت اليه حياة شعبنا المبتلى بالحرمان والتعسف والفساد، هو ما حصده خداع المتحكمين من الاموال والامتيازات، مما يمكنه من ان يدخل في كتاب " غنس " لسرعة حصوله الفلكية، والمفارقة هنا ان ذلك يجنيه لهم مهمشون يعيشون على فتات وفضلات زاد الصعاليك الذين غدوا "اسياداً" على حين غفلة. وللايضاح اكثر، ومع اننا لا نريد هنا ان نجتر الحقيقة المرة، ولكن لابد من تحسس مدى مرارتها كي لا تطوى الحقائق تحت بساط الزيف والخداع. ان حكام اليوم في العراق جاءوا "منتخبين" وتمكنوا من استلام جملة السلطة ومفرداتها، حالهم حال " مرسي " في مصر، ولكنهم لم يتعظوا بما آل اليه مصيره، ويرغمون على احترام اصوات الناس التي رجحتهم لخدمة الشعب وتحقيق اهدافه في الحرية والحياة الكريمة، لكن تذوقهم لطعم السلطة فتح شراهتهم فسيّل لعابهم حتى على اصوات الاخرين. وبما انهم لايعرفون الديمقراطية وحكم القانون، فلم يردعهم رادع ، عن تفاقم دناءة انفسهم، والتماد بمحاولاتهم اللصوصية لسرقة اصوات كانت واعية واختارت غيرهم.
ان بعض ساسة العراق اليوم من " الترويكة الحاكمة " من شيعة، سنة، اكراد، حسب خارطة " بريمر"، بات كل واحد منهم بعيداً بمسافة شاسعة عن تمثيل مكونه بحقيقة الامر، وانما انحسر بنطاق حزبه او بعض اعضاء جماعته فقط. وما يؤكد ذلك محاولاتهم التمزايدة للتلاعب بقانون الانتخابات وعدم الالتزام بحكم المحكمة الاتحادية التي ابطلت تلاعبهم السابق بالقانون، بغية سرقة اصوات الاخرين من ذات المكونات الاجتماعية، التي لم تعترف بهم كممثلين لها ولم تنتخبهم، انما انتخبت غيرهم من القوى المدنية العابرة للطائفية والاثنية، بفعل كونها مدركة لمن تختار، ولمن يمثلها بامانة.
غالباً ما يؤكد المحققون الجنائيون بان المجرم يبقى يدور حول جريمته، وها تُشاهد الكتل المتفذة باقية تدور حول جريمتها، التي ارتكبتها والمتمثلة بتغيير قانون الانتخابات الذي اعتمدته في عملية الانتخابات البرلمانية الماضية.. محاولة الالتفاف وبوسائل مضللة وماكرة، على قرار المحكمة الاتحادية الذي ابطل تلاعبهم السابق فيه، مع ان هذا القرار للاسف الشديد لم يجرّم الذين ارتكبوا جريمة التلاعب المذكورة، ولم يشدد على الزام تنفيذه بصورة قاطعة، وفي مطلق الاحوال فان قراصنة الديمقراطية في بلادنا من القوى الحاكمة، قد كسبوا الفضيحة واسقطوا ورقة التوت عن عورتهم السياسية بهذا السعي اللاحضاري واللاديمقراطي، واذا ما دل على شيء، انما يدل بكل تأكيد على همجية سياسية لاتتوفر الا عند سماسرة السياسة السوقية، ومن يمتون بصلات وشيجة الى جاهلية ثقافية واخلاقية عفنة.
تكاد تكون ظاهرة " حكّام منتخبون يسرقون اصوات ناخبين لم ينتخبونهم..!! ؟" سابقة تنفرد بها الكتل السياسية المتنفذة في العراق،ان هذا الفعل الذي يفتقرالى النزاهة وفهم حقيقي للديمقراطية. اذاً باية صفحة سيسجله التاريخ السياسي في عراقنا الذي يئن من الانتهاكات الصارخة..؟ يبدو ان هذا التصرف ينبع من شعور المعنيين بتلبد عوامل تنبئ ببدء العد التنازلي لاوان رحيلهم عن السلطة، وعليه صاروا لا يتورعون عن تعميم بل وتشريع النهب السافر والشره في مختلف المجالات ، بغية تأمين بقائهم فترة اطول، لان نتائج انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة ، كانت قد دقت جرس الانذار لهم، مما جعلهم يصبون جام غضبهم على قانون " سانت ليغو " فجعلوه مطلوب ميتاً ليس الا.
الا انهم تناسوا بان قرار المحكمة الاتحادية قد عضده القضاء وسوف تدافع عنه القوى الديمقراطية الحية، واذا ما تم التجاوز عليه سيخلق تداعيات خطيرة ، لما يبشر به فعل التجاوز من نزعة دكتاتورية مستوطنة بعمق لدى الاوساط الحاكمة. التي لاحت علامات رحيلها الى خانة المستهلكات في التاريخ. غير الملائمة للعصر وللحضارة المدنية.