المنبرالحر

إذا أردتم القضاء على البعوض جففوا المستنقعات / د. خليل الجنابي

قول جاء على لسان العديد من الفقهاء والعلماء والمصلحين والمثقفين والمتنورين ، وحين البحث عن أصل وفصل القول ولمن الريادة في قوله لم نعثر على دليل ، لكن يبقى معناه ومغزاه كبيراً وواسعاً حيث يشمل كل مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، وهو يصلح لكل زمان ومكان . وببساطة فهو قول شامل بشكل عام يمكن تطبيقه على واقعنا المر المؤسف المأزوم .
لو سألنا شخصاً غير واع كيف نستطيع أن نقضي على البعوض ، لأجاب ببساطة نقضي عليه برش ( المبيدات ) ، ولو وجهنا نفس السؤال لشخص آخر واع لقال : القضاء على البعوض يكون عن طريق تجفيف المستنقعات الحاضنة الرئيسية لبيوض البعوض وتفقيسها . وهذا بلا شك هو القول السليم لأنه يذهب إلى السبب الذي أدى إلي وجود البعوض وتكاثره .
لقد أصبح العنوان أعلاه ( بديهية ) نستطيع تطبيقها على حياتنا العامة ، ومن خلالها نجد الطريق الأصوب لحل كل مشاكلنا المستعصية على مدى عقود .
في الجانب المالي والإقتصادي وإفلاس خزينة الدولة ، هل الحل هو بالإتجاه نحو القروض الدولية والمحلية وإثقال كاهلنا بالديون أم بالضرب على رؤوس الفساد والسرقة ومحاكمتهم وإعادة المليارات المسروقة !؟ .
الفقر … كيف نعالجه، هل بجمع التبرعات العينية والمالية وتوزيعها على المحتاجين ، أم بفتح مشاريع ومصانع ومعامل وتشغيل العاطلين والقضاء على البطالة !؟ .
المرض … هل يتم شفاؤه من خلال التعاويذ والأدعية ، أم من خلال بناء المستشفيات والمستوصفات والمؤسسات الصحية والتوعية وتوفير الدواء والغذاء الكامل للمواطنين وتوفير الماء الصالح للشرب ومعالجة مجاري الصرف الصحي وإيجاد السكن الصحي اللائق لهم !؟ .
الجهل والتخلف … هل تكون مكافحتها بالقصص الخرافية وأساطير الأولين وبناء الجوامع والحسينيات ، أم بفتح المدارس والمعاهد والكليات والجامعات والمكتبات العامة ومكافحة الأمية والقضاء على المدارس الطينية وإيصال التعليم إلى كل قرية من قرى البلاد البعيدة !؟ .
الأطفال الأيتام والنساء الثكالى والشيوخ والعجزة … هل يتم معالجة قضاياهم على توزيع بعض المنح في أيام رمضان والأعياد ، أم بدراسة معمقة تشمل وضع خطط لحلول جذرية بإيجاد مأوى للأطفال الذين فقدوا آباءهم ومعيليهم وإعادتهم إلى مدارسهم التي تسربوا منها ، ومساعدة النساء وتأهيلهن وإيجاد عمل مناسب لهن وإسكان العجزة في دور خاصة ، وإخضاعهم جميعاً لنظام الرعاية الإجتماعية !؟ .
الهجرة والمهجرين والنازحين … كيف التعامل مع الآلاف منهم والذين فقدوا مساكنهم وممتلكاتهم ووظائفهم نتيجة أحتلال داعش لمدنهم ومناطقهم ، هل يتم عن طريق بناء الخيم وبيوت الصفيح وتركهم في مهب الريح يواجهون برد الشتاء وحر الصيف هم وأطفالهم الذين فقدوا مدارسهم ، أم ببناء دور سكنية لائقة بهم فيها كل المتطلبات الضرورية من الماء الصافي والكهرباء وتوزيع المنح عليهم والمواد الغذائية لحين تحرير أراضيهم وإعادتهم إليها !؟ .
الجيش والشرطة والقوات الأمنية … هل يجري تجاهلهم وعدم الإهتمام بهم وتشكيل ميليشيات مرادفة لهم من الأحزاب والطوائف لتأخذ دورهم ، أم بتقويتهم وتدريبهم وتسليحهم ليكونوا سوراً يحمي الوطن !؟ .
الشباب والطلبة … هل يجري إهمالهم وتركهم للبطالة والعوز ، أم إحتضانهم وإيجاد فرص عمل لهم وتنمية قدرات الطلاب الدراسية برفع مستواهم العلمي ليساهموا في خدمة البناء والإعمار !؟ .
المرأة … هل يجري تجهيلها وحجب النور عنها وعزلها عن الرجل بحجج واهية ، أم رعايتها وتعليمها وتثقيفها على أُسس علمية وأن تكون موازية في الحقوق والواجبات الممنوحة للرجل الذي أنجبته وأن لا تكون أداة طيعة بيدية !؟.
النعرات الطائفية … هل نفسح المجال لخطابنا السياسي أن يركز على مظلوميات ( السنة والشيعة ) وأيهما له الحق في الترأس والسيادة ، أم أن يكون خطاباً موحداً ينشر المحبة والتآخي والسلام بين أبناء الوطن الواحد من عرب وأكراد وتركمان ، مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين وأيزيديين وغيرهم !؟ .
المظاهرات والإحتجاجات … هل يتم منعها بالقوة وتوجيه الرصاص المطاطي والحي والغازات المختلفة والأسلاك الشائكة والحواجز الكونكريتية ، أم بتلبية مطالب الجماهير وحل مشاكلها المستعصية التي تظاهرت من أجلها !؟ .
إن النضال الوطني العام ضد داعش وأعوانها يساهم فيه الآن كل فسيفساء الشعب العراقي الجميل من قومياته وأديانه ومذاهبة ، وعمَدّت دماؤهم النقية أرض وادي الرافدين وكتبت على جدران ساحاتها العامة ( الدين لله والوطن للجميع ) . الجماهير لا زالت تتظاهر في ساحات الوطن متحدية المنع والطوق الأمني المفروض حولها لا لحمايتها لكن للترصد وسبق الإصرار بمهاجمتها . ورغم شعاراتها السلمية التي ترفعها لكنها لم تسلم من الإعتداءات السافرة لكسر شوكتها وثني عزيمتها . وبالرغم من كل ما حدث إلا أنها عازمة على مواصلة المشوار في تحقيق أهدافها المنشودة في بناء الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الإجتماعية والأمن والسلام في ربوع الوطن .
وفي شهر رمضان المبارك تواصل الجماهير مظاهراتها بعد الفطور معلنة عزمها وتحديها للقابعين خلف أسوار الخضراء وأنهم سوف لن يهدأ لهم بال إلا بتنفيذ الإصلاحات التي إنتفضوا من أجلها ، وقدموا خارطة طريق في بيانهم الذي أصدرته اللجنة المنسقة للتظاهرات حيث جاء فيه ( أن المطلوب ، هو عقد جلسة لمجلس النواب طارئة ، يستكمل فيها تشكيل حكومة الكفاءات والنزاهة ، والمضي في استكمال بقية الاصلاحات الأخرى حسب جدول زمني محدد .
ولا ننسى ، أن نحيي جيشنا الباسل والقوات الأمنية كافة ، ومتطوعي الحشد والعشائر وقوات البيشمركة ، وهم يخوضون حرباً عادلة دفاعاً عن أرض الوطن وشعبه .
ألف تحية لهؤلاء الأبطال ، وللمتظاهرين الغيورين على وطنهم الصامدين في وجه الفاسدين والفاشلين ) .