المنبرالحر

مثول المتهم امام قاضيه الطبيعي / المحامي هاتف الأعرجي

القاضي الطبيعي هو الذي تنظم شؤونه قوانين التنظيم القضائي وتحيطه بالضمانات التي تكفل استقلاله وعدم انحيازه ويمارس عمله القضائي طبقا لأحكام القوانين الاجرائية العامة.
والقاضي الطبيعي يمثل اهم ضمانة للمتهم ضد كل اشكال الانحراف وعدم الحياد التي تسببها تدخلات الاجهزة الاخرى في شؤون القضاء. وان اي تنظيم آخر للقضاء غير حائز على ضمانات القاضي الطبيعي ولا يحقق العدالة الجنائية ولا يكفل ضمانات الحرية الشخصية، لانه قضاء غير محمي في استقلاله وعدم انحيازه.
وقد اقرت المادة العاشرة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان هذا المبدأ بقولها: (لكل انسان الحق على قدم المساواة مع الآخرين في ان تنظر قضيته امام محكمة مستقلة نزيهة، نظرا عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وفق اية تهمة جنائية توجه اليه). ونصت المادة الرابعة عشرة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية بقولها: " كل الاشخاص يجب ان يكونوا سواسية امام المحاكم، وانه في تقرير اية تهمة جنائية ضد الشخص او تقرير اي من الحقوق والالتزامات يجب ان يكون له الحق في مرافعة علنية عادلة من قبل محكمة مستقلة نزيهة، مقامة بصورة قانونية وبصورة مسبقة".
وجاء في المادة الثانية من الاعلان العربي لاستقلال القضاء: "انشاء المحاكم الاستثنائية او الخاصة بجميع انواعها محظور، كما يحظر تعدد جهات التحقيق او الحكم. ونصت المادة الثالثة منه على ان التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء الى قاضيه الطبيعي". وحرصت بعض الدساتير على النص على هذا المبدأ، فالمادة 68 من الدستور المصري تنص على ان ( لكل مواطن حق الالتجاء الى قاضيه الطبيعي. وفي ذات المعنى جاءت المادة 25 من الدستور الايطالي الصادر سنة 1948، فنصت على انه (لا يجوز ان يحرم شخص من القاضي الطبيعي الذي يعينه القانون).
ويرفض البعض الخروج على مبدأ مثول المتهم امام قاضيه الطبيعي، حتى في ظل الظروف الاستثنائية التي تقيد الوضع العام، وهي الظروف التي تنشأ عن اعلان الحرب او عن حوادث داخلية تتعلق بالأمن العام او كوارث طبيعية مما يترتب عليه اعلان حالة الطوارئ، فان تطلبت هذه الظروف قوانين استثنائية تقيد بعض الحقوق وحريات الناس فانه من غير الجائز ان يخرج المشرع على الاصول القانونية النافذة والمطبقة ويدعو الى قوانين الظروف الاستثنائية.
ان انتزاع ولاية القضاء العادي في صدد جرائم القانون العام والقوانين المكملة له واسنادها الى قضاء خاص او استثنائي، ينطوي على اعتداء على سلطة القضاء العادي. ويكشف عن انحياز في المعاملة، اذ لو كان الامر غير ذلك، لما كان هناك محل لتشكيل القضاء الخاص او الاستثنائي الى جانب القضاء العادي ولتمتد ولايته الى جرائم القانون العام. وغالبا ما يشكل من غير القضاة وتنتقص في اجراءاته حقوق وضمانات الدفاع وهي من حقوق المتهم المعترف بها دولياً. ومن صور ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (137) من قانون اصول المحاكمات الجزائية الموظفين المدنيين من غير القضاة سلطة قاضي جنح لغرض ممارسة السلطات الجزائية المنصوص عليها في القوانين الخاصة التي تخولهم ذلك. وكذلك السلطات الجزائية التي تملكها جهات ادارية بموجب قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل. وقد كان موضوع اسناد اختصاص قضائي ولا سيما في مادة قانون العقوبات الى اشخاص ليس لهم ثقافة او خبرة قضائية، او الى موظفين في الادارة، ومثل هذا الوضع لا تتوافر فيه الضمانات التي يتطلبها مبدأ (اولوية الحق)، والمتهم بريء حتى تثبت ادانته.
وجاء في توصيات الحلقة العلمية التاسعة التي نظمها المركز العربي للدراسات الامنية والتدريب في المملكة العربية السعودية في الرياض بأن (تختص المحاكم العادية دون غيرها بالنظر في الجرائم العادية والجرائم الظرفية ولا يجوز ان يترتب على اعلان حالة الطوارئ الانتقاص من الضمانات المقررة للمتهمين طبقا لقانون الاجراءات الجنائية).
والخلاصة ان القضاء الخاص والاستثنائي لا يأتلف مع مبادئ اساسية مستقرة في الضمير الانساني العالمي، وتؤكدها معظم تشريعات العالم، وينص عليها التشريع العراقي. وهو يتعارض مع مبدأ ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية يكون فيها حق الدفاع مقدسا في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة ووفق احكام القانون.
واخيراً فان القضاء الاستثنائي ينتهك مبدأ استقلال القضاء والذي يعد من المبادئ الاساسية التي يرتكز عليها قانون التنظيم القضائي. ولأجهزة العدل اهمية خاصة نظرا لما تتحمله من مسؤولية في تطبيق القوانين وتحقيق العدل بروح تستوعب التحولات الاجتماعية والاقتصادية وتكون قادرة على تعميق تلك التحولات وتسريعها ويترتب على ذلك تحقيق المبادئ التالية:
• القضاء مستقل في الحسم وظيفياً ويسهم في تحقيق اهداف المجتمع في تحقيق العدالة، لذلك وجبت اعادة تنظيمه على اسس عصرية جديدة.
• وضع قواعد جديدة لانتقاء القضاة الجدد بما يتفق والتطلعات الاجتماعية وتتضمن على وجه التخصيص وجود تأهيل واختبار يكشف عن اهلية المرشح لإشغال هذه الوظيفة واستيعابه طبيعة مرحلة التطور.
• تطوير المستوى القانوني والثقافي للقضاة عن طريق البحوث والندوات والدورات التي تقرر بهذا الشأن، وربط نتائج جهودهم بالترقية.
• العمل على تحقيق مبدأ التخصص في القضاء.
• اسهام القضاء والادعاء العام في تقييم التشريعات النافذة لمعرفة مدى مطابقتها الواقع المتطور.
• الاسهام في رصد ظاهرة الاجرام والمنازعات وتقديم المقترحات العملية لمعالجتها وتقليصها.
• استيعاب التشريعات والقرارات المتطورة والجديدة وبذهنية قضائية تتفق والاهداف الاجتماعية المرسومة.
• تقريب خدمات القضاء من المواطنين وتيسير مراجعة القضاء من قبلهم، وتبسيط الاجراءات وضمان سرعة حسم الدعاوى.
• اعادة النظر في الرسوم القضائية بما يتفق مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي للوطن والمواطنين.
• دعم الادعاء العام وتأمين الضمانات اللازمة له والعمل على تطويره ورفع مستوى كفاءته بما يؤمن استيعابه التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وقيامه بواجباته كجهاز اساس لمراقبة المشروعية، واحترام تطبيق القانون.
• التأكيد على دور التفتيش العدلي كمرشد وموجه اضافة الى دوره كرقيب، وتقديم المقترحات والتقارير التي تساعد على تطوير اجهزة القضاء والعدل ودعم التفتيش العدلي بالكفاءات العلمية والقانونية.
• المحاماة مرفق مهم من مرافق العدل وينبغي ان تمارس المهنة بذهنية جديدة تتفق مع العصر وتوجه المجتمع. ولا بد لذلك من اعادة النظر في مفهوم ودور المحاماة بحيث تصبح عنصراً اساسياً من عناصر العدالة مما يستوجب رفع مستوى المحامين المهني والقانوني والثقافي وتوسيع مبدأ انتداب المحامين وزيادة نسب الاتعاب وضمان تقاعد المحامين بما يتناسب وهذه المهنة السامية.
واخيرا فلا بد من وضع اسس عامة تؤمن التنسيق بين مجلس القضاء الاعلى والجهات ذات العلاقة لإعداد وتأهيل وتطوير كوادر قانونية ذات ذهنية عدلية تتفق مع متطلبات تطور المجتمعات في العصور الحديثة. واذا كانت السلطة واحدة في الدولة فهذا معناه انتفاء فكرة تعدد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. على ان القيادة السياسية التي تمارس السلطة تحت اطار الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عن طريق ما تضعه من تشريعات. ويترتب على هذا ضرورة ايجاد هيئات منفذة لهذه الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومن هنا تنشأ ضرورة الوظيفة الادارية التي تمارسها الاجهزة الادارية والوظيفة القضائية التي تمارسها الاجهزة القضائية والوظيفة التشريعية التي يمارسها البرلمان. وفي كل مجتمع يوجد من يضع القواعد التشريعية ومن يطبق هذه القواعد وتطبيق القواعد التشريعية يكون عن طريق تأمين ادارة الدولة او القضاء في المنازعات التي تحدث في المجتمع عن طريق سيادة القانون.
وبناء عليه توجد في كل دولة سلطة سياسية واحدة تقوم بوضع السياسة العامة او الاطار العام للمجتمع من خلال التشريع، ثم وظيفة ادارية ووظيفة قضائية حكما على تطبيق مبادئ الدستور.
ان اعتماد الدولة ونظامها القانوني على مفهوم الشرعية يعد ركيزة اساسية للسلطة السياسية. ومن ثم فلا يمكن ان توجد هناك سلطة شرعية من تلقاء نفسها، اذ ان شرعيتها تكون في الواقع من قبل الشعب. وعلى ذلك فلا بد ان تكون السلطة متفقة في الشكل والمضمون مع ارادة الشعب والقانون.
ولهذا فالشرعية تعني ان يلتزم كل من الدولة والافراد بعدم مخالفة القواعد القانونية مع وجود الجزاء عند الاخلال بالالتزام، اذ لا ضمانة بغير جزاء. وجاء في بعض القرارات ان ما ورد في المفهوم العام عنها من ان رقابة دستورية القوانين تستهدف صون الدستور وحمايته من الخروج على احكامه باعتباره القانون الاساسي الاعلى الذي يرسي الاصول والقواعد التي يقوم عليها نظام الحكم، ولضمان شرعية سلطة الدولة كان وجود هيئات تراقب اداء السلطات، ويمكن الحديث عن تلك الرقابة بما يلي:
1- الرقابة السياسية والمتمثلة في المجالس النيابية والبرلمانات باعتبارها رقيبا على الهيئات التنفيذية.
2- الرقابة الادارية والمتمثلة في حق التظلم وتقديم الشكاوى من قبل المواطنين الى الهيئة التنفيذية.
3- الرقابة القضائية والقائمة على اساس كفالة حق التقاضي لكل المواطنين ليؤمن لهم امكانية الاستفادة من جميع الحقوق الممنوحة لهم في التشريعات.
4- وتمارس النيابة العامة – الادعاء العام – دورا مهما في حماية القوانين والحقوق من اية تجاوزات ووفقا لممارسة القانون لسلطة الادعاء العام.
واخيرا ثمة مبادئ تنبثق عن مبدأ الشرعية وهي:
1- كل السلطات في الدولة مقيدة بقانون، حيث انها لا تستطيع اصدار اي قرار الا من خلال احكام التنظيم القانوني، اي في حدود تشريع عام وضع سابقاً ويسري على الجميع.
2- يتعين على الادارة مصدرة القرار، ان تراعي التدرج القانوني باتخاذ القرارات والا تكون متعارضة مع قاعدة قانونية اعلى منها وبعكسه تكون القرارات باطلة، او ينبغي للقرار ان يوافق القانون، والقانون يحترم الدستور ولا يتعارض معه.
ولكفالة مثول المتهم امام قاضيه الطبيعي نرى ما يأتي:
1- قصر ولاية القضاء العسكري على الجرائم العسكرية البحتة، وهي الجرائم التي تقع بالمخالفة للنظام العسكري ولا يتصور وقوعها الامن العسكري.
2- تحديد اختصاص محكمة الثورة بجرائم امن الدولة والجرائم المنصوص عليها في قانون معاقبة عملاء المخابرات الاجنبية رقم (141) لسنة 1974 فقط، على ان تسري احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية وضماناته على المتهمين في الجرائم المذكورة، بما في ذلك خضوع احكام هذه المحكمة الى اشراف محكمة تمييز العراق.
3- الغاء اي نص يخول وزير العدل سلطة تشكيل هيئات تحقيقية خاصة للتحقيق في جرائم معينة.
4- الغاء اي نص يخول موظفي الادارة سلطات جزائية في مواجهة الافراد، اذ ليست لهؤلاء الثقافة او الخبرة القضائية التي تؤهلهم للقيام بأعباء هذه المهمة الخطيرة.
5- اختصاص المحاكم العادية دون غيرها بالنظر والحكم في الجرائم العادية والجرائم الظرفية، ولا يجوز ان يترتب على اعلان حالة الطوارئ الانتقاص من الضمانات المقررة للمتهمين طبقا لقانون اصول المحاكمات الجزائية.