المنبرالحر

صديقي يوسف الكويتي / كريم حيدر

تعرفت على يوسف الكويتي او " يوسف بليخانوف " كما اعتدنا تسميته لدراسته في معهد بليخانوف للاقتصاد الوطني ,عام 1988 في موسكو وعبر صديق ثالث مصري يدعى مصطفى.
اسميته بيوسف الكويتي لجهلي اسم والده او كنيته . كان يوسف مبعوثا من الدولة الكويتية للدراسة في الاتحاد السوفيتي ويدرس الاقتصاد في معهد بليخانوف ذو السمعة المرموقة. وكم كنت احسده على ذلك رغم ان المعهد الذي كنت ادرس فيه ( معهد الاحصاء الاقتصادي في موسكو حامل راية لينين وراية العمل الاشتراكي ) هو الاخر من المعاهد المرموقة والسابع عالميا في مكانته العلمية انذاك ( تحول المعهد لاحقا الى اكاديمية للعلوم الاحصائية – الاقتصادية ) .
كان يوسف شابا في غاية التهذيب والثقافة وملما بشكل جيد بالسياسة, ومن عائلة كويتية مرموقة ومحترمة. وكانت لهجته الكويتية الجميلة شبيهة كثيرا الى لهجتنا العراقية وهو الامر الذي عزز وقرب كثيراً من صداقتنا.
كنا يوسف وأنا نتحاور كثيرا في امور السياسة. نقاشاتنا تحتدم عندما كان يدور الحديث حول العراق وتحديدا صدام حسين.
كان يوسف يعتبر صدام حسين بطلا قوميا ومثالا يجب الاحتذاء به ويرى حربه ضد الجارة ايران عادلة وضرورية لدرء المخاطر عن دول الخليج, والتي لولا صدام والعراق لكانت هذه الدول في خبر كان, ولكانت قد ابتلعت من قبل ايران دون عناء بسبب سياسة ايران العدوانية وتصديرها للثورة للدول المجاورة.
كنت افكر مع نفسي يا الهي لقد دفعنا مليون قتيل ومعوق ومفقود واسير ودمر اقتصادنا للابد فهل هذا كله حتى ينعم يوسف والخليجيين بامان بينما احترقنا نحن العراقيون في اتون حرب كارثية جنونية ودكتاتورية بغيضة.
في احدى النقاشات الحامية بيني وبين يوسف قلت له:
( يا اخي ليش ما تاخذون صدام عندكم لشهر وتجربوه وبعدين ترجعوه لنا وتعطونا رأيكم فيه ).
وأتذكر أني واصلت حديثي مع صديقي:
" من يقسي على اهله لايمكن ان يكون رحيما مع جيرانه ". واجابني يوسف ضاحكا من انهم سيفعلون ذلك بكل سرور لو كان ذلك ممكنا وواقعيا .
دارت الايام واذا بصدام " البطل القومي ليوسف " يعطي اوامره للجيش العراقي في غزو الكويت في 2-8-1980 وباقي القصة معروفة للجميع. حصل الغزو وصاحبي يوسف كان متواجدا هناك في اجازته الصيفية لزيارة اهله وراى بام عينيه تصرف وفضاعة القوات الخاصة والمخابرات والبعثيين الحزبيين وغيرهم, والقتل والدمار الذي حل بهم. كما رأى كيف نهبت بيوتهم واستبيحت اعراضهم .
لم يكن امام يوسف الكويتي سوى الهرب ولكن كيف والى اين بعدما نجحت القوات العراقية في غلق المنفذ الوحيد باتجاه السعودية. استطاع يوسف اخيرا ان يهرب الى البصرة ومنها الى الاحواز متنكرا بزي اعرابي ومدعيا بانه عربي من الاحواز .
من الاحواز انتقل يوسف الى طهران والى سفارتهم هناك حيث التجأ اليها لبعض الوقت لحين حصوله على جواز سفر استطاع بواسطته السفر الى السعودية للاجتماع بعائلته هناك والتي هي الاخرى هربت في اليوم الاول للغزو . مكث يوسف في السعودية مع اهله لحين تحرير الكويت بقوة التحالف الدولي في 26-2-1991 .
تقطعت اخبار يوسف عنا نحن زملائه في موسكو منذ صيف 1990 وكنا نخشى ان يكون معتقلا او تمت تصفيته ولكنه ظهر فجأة في موسكو بعد شهرين او ثلاثة من تحرير الكويت. التقيت به وهنأته على سلامته وكنت حقا فرحا بكونه حيا واستطاع بفضل حنكته وذكائه النجاة باعجوبة من الموت.
حدثنا يوسف عن المأساة التي المت به وعائلته والشعب الكويتي جراء الغزو واخبرني من انه تذكر هناك عبارتي التي قلتها له في احدى المرات اثناء نقاشاتنا الحادة ( يا اخي ليش ما تاخذون صدام عندكم لشهر وتجربوه وبعدين ترجعوه لنا وتعطونا رأيكم فيه ).
قال يوسف من ان كل كلمة قلتها عن صدام ونظامه كانت صحيحة ومن ان العالم العربي والاسلامي كان مخدوعا به ومن ان دول الخليج ساهمت في نشر وتجذر الخداع عبر اعلامها. ومضى يوسف في حديثه مرددا بأن من يقسو مع شعبه لا يمكن ان يكون رحيما مع جيرانه.
الخلاصة: ها يوسف !! ألم نقل لك منذ البداية بأن لا تقول هذا سمسم وقبل أن تلهم.