المنبرالحر

حداثوية شيوعية باهرة في قفزة عاشرة / جاسم المطير

في حيز مثالي – نموذجي داخل العاصمة بغداد وبقدرة تنظيمية باهرة وتكثيف متنوع، مبدع، انتهى المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي الى صيرورة جديدة يوم الرابع من ديسمبر 2016 . اعتقد جازما ان هذا الحيز الوطني شكّل مرتبة متقدمة في العلاقة الجديدة بين سفينة الشيوعية العراقية وبحّارتها، للتأهب والاستعداد ، بملء الشوق والارادة، لمواصلة ابحارٍ جاء الى الدنيا العراقية يوم 31 – 3 – 1934 مولعا بضفيرة التنوير الذهبية لتراب الرافدين وجعله فخارا صلبا في النطاق السياسي – الاجتماعي في بلادنا، خلال الفترة المستقبلية القادمة.
اتوقع ان يشكّل الحزب قفزة تنظيمية داخلية جديدة بعد اجتيازه الصورة التقليدية في المؤتمرين السابقين ،التاسع والثامن، فقد تمكّن المؤتمر العاشر من توفير صيرورة تنظيمية جديدة في البناء الفوقي للحزب الشيوعي يمكن الاشارة الى بعض جوانبها في ما يلي:
1. انتخاب المناضل الشيوعي رائد فهمي القادم من صلب الوسط الثقافي – العلمي – الابداعي سكرتيرا للجنة المركزية ينبغي ان يؤهل الحزب خلال السنوات الاربع القادمة لصالح التوسع التنظيمي – الثقافي - السياسي ، الجديد في النوع والعطاء و التقدم.
2. انتخاب 12 شيوعيا من الشباب و4 نساء في اللجنة المركزية حقّق تعددية جماعية في الطاقات الشيوعية الكامنة في القواعد الحزبية من المؤمل ان يضاعف مستوى العمل النضالي الاستراتيجي.
3. انتخاب المناضلة الشيوعية شميران مروكل عضوا في المكتب السياسي استجابة للنضال المتوازي في البيولوجيا التنظيمية القادرة على تعبئة الشيوعيين والشيوعيات، في عصر العقلانية الباحثة عن حقوق الانسان في مجتمعنا العراقي وتعزيز دور المرأة العراقية في النضال المشترك.
4. ارتفاع المثقف – الكاتب الصحفي اللامع رضا الظاهر - إلى مستوى عضوية اللجنة المركزية معناه ارتفاع رأس فلسفة (الحداثة الشيوعية) الضرورية داخل الواقعية الشيوعية العراقية مما يرفع مستوى التركيب والتنسيق والبنية الثقافية للحزب بهذه المرحلة .
5. ادى المؤتمر موقفا طليعيا تكريميا لنضال السكرتير السابق حميد مجيد موسى، الذي اعلن قراره المتواضع العميق المعاني، بعدم ترشيح نفسه لقيادة الحزب، عرفانا بنضاله الطويل وتكريس حياته كلها رهاناً وبرهاناً من ان يظل شيوعيا الى آخر يوم من حياته ، وفاء لوعد انتمائه للحزب الشيوعي العراقي، مما جعله رمزاً وصورةً ولحناً في المسيرة النضالية الشيوعية المعاصرة، الحافلة بتضحيات المثل النموذجي القائل : (ما على الشيوعي إلاّ ان يبذر بذور الاخلاقية الشيوعية الفريدة) .
6. اتساع ممارسة الشفافية والديمقراطية لجميع خطوات التمهيد لانعقاد المؤتمر وصياغة وثائقه والخروج بنتائجه المرتبطة بواقع ومستقبل المجتمع العراقي وقضاياه.
كان حفل افتتاح المؤتمر يوما وطنياً متمايزاً بمعنى خاص، بسياقاته الخطابية والفنية والثقافية، اشار بوضوح الى علامات ورؤية الشيوعي العراقي والمواطن العراقي لمستقبل الوطن ووحدته . كنت اتمنى لو انتسب تنظيم هذا اليوم الى الكمال الوطني بوسائل وشخوص (برشتية) اي بمشاركة منصته الافتتاحية بخطاب (امرأة عراقية) مناضلة وكلام (طالب جامعي ) وسعادة (مناضل نقابي) من عمال الموانئ او السكك او من عمال نفط ميسان وصوت (فلاح) من الحالمين بزراعة الارض بالفرات الاوسط او في وديان كردستان وبخمائل (مثقف) يحكي معجزة الشيوعيين العراقيين ، كل هؤلاء ما زالوا يتسلقون شجرة الحزب الشيوعي العراقي متمسكين بجذوره وأغصانه لأنه يمثل الشرف الوطني والموهبة الانسانية العظمى.
نجح الفنان ميمون الخالدي بتجسيد اروع كلام الشاعر الخالد محمد مهدي الجواهري بوصوله الى ذروة التعبئة الصوتية المستجدة في حفل الافتتاح ، كنت اتمنى ان يكون الشاعر الشعبي عريان السيد خلف بنفس مستوى التعبوية الشعرية الفصحى. الشيء المهم ان يوم افتتاح المؤتمر العاشر كان يوما مشهودا من ايام السلوكية الوطنية ، أعاد الثقة الى نفوس المواطنين العراقيين .
تمكّن مؤتمر ديسمبر ان يحقق (عاشر قفزة) من قفزات البهجة الشيوعية بالعراق محققا لمعاناً وبهاءً جديدين في العمل الشيوعي النضالي، القانوني، السلمي، معتمراً ومندمجاً مع (حركة الشارع) منتقلا من نضال الكومونة الى نضال التناظر السلمي المتوازي مع الدور الجماهيري الديمقراطي.
هذا التناظر خلال فترة ما بعد المؤتمر العاشر يضع امام الشيوعيين اطروحات سياسية هائلة في ظروف تعرض المجتمع العراقي الى مضامين وتناقضات أدّت خلال 13 عاماً مضت إلى توسيع مشاهد الموت الفردي والجماعي وتدمير البنى التحتية وانتشار ظواهر الفساد والتفسيد بمؤسسات الدولة ، مما يحتم على المناضل الشيوعي ان لا يهمش نفسه عن الواقع الصعب، انما عليه ان يدرس الواقع وحقائقه ومعانيه ومصاعبه ويقارن ما يدرسه بتجارب عراقية سابقة وبتجارب شعوب اخرى، خاصة الشعوب الاوربية، وتغليب الرؤية النيرة الواعية في سلوكه اليومي.
تعظيم دور القواعد الحزبية في الحراك الجماهيري المتصاعد بالعاصمة والمحافظات لن يتم بهذا الزمان إلاّ من خلال الحداثة والتحديثية ورسمها في جماليات التقاليد النضالية المتجمعة بصفحات تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، اللامعة وغير اللامعة ، خلال 82 عاما من عمره المجيد ، مما يسمح للشيوعيين العراقيين المعاصرين والشباب بعد مؤتمرهم العاشر ان يجددوا ممارساتهم للمضي مضيا عظيما بمشروع وطني عظيم للارتقاء والتطور والتقدم .
الحزب الشيوعي لا يكون عظيما من دون دور الفرد الشيوعي. هكذا يغدو رفع مستوى الشيوعيين العراقيين ، سياسياً وثقافيا واجتماعيا وفنيا وعلميا، ضرورة من ضرورات ما بعد المؤتمر العاشر لأدراك اعماق الواقع السياسي العراقي من جهة ،ولجعله متمكنا بالجدلية السياسية من جهة ثانية.
زمان ما بعد المؤتمر العاشر هو زمان تقوية شكل التنظيم الحزبي الداخلي على وفق تطور المجتمع ووحدته وتلاحمه والاستناد الى بنية ثقافية بلاغية قائمة على وفق ثقافة ماركسية جامعة لخبرات نضال الشيوعيين بعملية تطوير الوعي السياسي والادراك الاجتماعي ، كي يكون فضاء النضال الشيوعي اليومي دائرة عمومية وطنية مفتوحة لإيجاد هدف العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، بين السلطة والديمقراطية، بين الحياة البرلمانية وحرية التعبير، لتحقيق القيم والاهداف والغايات الوطنية من خلال وسائل الشعب والمواطنين القادرة على فرز (رأي عام) ضاغط باستمرار على السلطات الحاكمة وتحقيق الخلاص من افكار القوة والهيمنة والكبت والتهميش وتغليب المصالح الفردية على المصالح الشعبية للفئات الحاكمة من فضاءات (الاسلام السياسي) و من سطوة اصحاب الرأسمالية الدينية العراقية الجديدة المتعبدة الى المال بالعمق الطائفي وليس الى الله بالعمق السماوي.
لا يمكن تصور نشاط وطني حزبي جماهيري واسع من دون ادباء وفنانين ومثقفين واكاديميين على نطاق الوطن العراقي يملكون اعلى اشكال الخلق والابداع بمحيطهم او بمحيط الوطن ، كله، للخلاص من جميع تأثيرات التنشئة الطائفية والعشائرية والمعايير الاثنية والدينية في بناء الدولة العراقية الجديدة، خاصة بعد تطهير اراضيها من عصابات وتجمعات وسلاح وافكار الدواعش واقتلاع جذورهم واعتماد توجهات عقلانية تجريبية تحليلية علمانية في السياسة العراقية بإشاعة سلطة العلوم والثقافة والآداب والفنون المستندة الى تجارب علمية غزيرة حققتها شعوب كثيرة في شرق العالم وغربه، بعيدا عن الميتافيزيقيا.
لقد كان الحزب الشيوعي العراقي منذ فترة تأسيسه بقيادة يوسف سلمان يوسف وفي مراحل تطوره الاخرى دافعا ومشجعا لكل الفنانين والمثقفين العراقيين العظماء كي تتفتح مواهبهم في حقبات مختلفة من التاريخ العراقي الحديث ، حيث ادرك الحزب بنظراته الثقافية الواسعة والعميقة ان الشخص العراقي الموهوب لا يدخل الى سجل التاريخ العراقي إلاّ اذا كانت موهبته ضرورية لهذا التاريخ، كما هو الحال في مواقف الحزب الايجابية والفعلية والدلالية والضميرية من مواهب الشاعر محمد مهدي الجواهري والموسيقيين كوكب حمزة وطالب غالي وحميد البصري وسامي كمال والشعراء مظفر النواب والفريد سمعان وموفق محمد والباحث الفولكلوري سعدي الحديثي والباحث في علم الاجتماع فالح عبد الجبار والفنانين التشكيليين جواد سليم ورفعت الجادرجي ومحمود صبري وعفيفة لعيبي والنقاد ياسين النصير وفاضل ثامر ومحمود عبد الوهاب وفاطمة المحسن والروائيين غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي ومحمد خضير وزهير الجزائري ومئات غيرهم ممن وجدوا ان قدراتهم ومواهبهم تضع نفسها داخل دائرة التطور الاجتماعي في بلادنا بصلة مباشرة بين العقلانية والابداع باعتبارهما رديفي الحداثة ورفيقيهما.
بنت وثائق المؤتمر العاشر الوسائل الضرورية اليومية في صحيفته (طريق الشعب) بقيادة المناضل مفيد الجزائري ، خصوصا للتعبير عن دور الحزب ضد كل اشكال الفساد المالي والاداري وصياغة (رأي عام) يتجمع حوله آلاف المواطنين للضغط على الدولة وجعلها (مدنية ديمقراطية) حقا وفعلا وممارسة . أصبحت جريدة طريق الشعب بجهود مجموعة من المثقفين الشيوعيين فضاء جماهيريا مفتوحا وخطابا ثقافيا حداثويا بإمكانه استقطاب المزيد من الجماعات الثقافية ، الحرة والمبدعة، للتواصل الفكري والتبادل المعرفي بين المثقفين وابناء الشعب بالمدن والارياف وجعلها محادثة حوارية واعية ودائمة بين اساس قاعدة الحزب الشيوعي وتخطيطات قيادته باقتحام عملية التطابق مع الظروف السياسية الحالية، الصعبة والمعقدة، المطوقة بلادنا بالوقت الحاضر حيث تساعد في تفشي الفساد الاداري والمالي والسياسي.
زمان الشيوعيين العراقيين في عصر العلم والتكنولوجيا وثورتيهما، زمان ما بعد المؤتمر العاشر، هو زمان النضال الفعلي القادر على اثراء المواطنين الواعين والشعب بالمعرفة النضالية من اجل تحقيق الهدف النبيل للخلاص من مرارة السنوات الماضية وبناء اسس مجتمع الحرية والديمقراطية، مجتمع الدولة المدنية، الحاملة لكل جماليات الحياة الانسانية .
يعرف اعضاء الحزب الشيوعي العراقي ان الشيوعية ليست دينا ، بل هي برنامج نضالي من اجل ان تفهم الانسانية العراقية جمعاء ذاتها وحياتها للتواصل مع هدف وطن حر وشعب سعيد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 8 – 12 – 2016