المنبرالحر

تحرير شرق حلب وسقوط الرهان الأمريكي / احمد عواد الخزاعي

ما حدث في شرق حلب السورية، هو أن أمريكا ودول الإقليم ( تركيا وبعض الدول العربية) قد تخلت عن جبهة النصرة والفصائل المتحالفة معها، أمام الإصرار السوري الروسي على تحريرها، وهذا ليس بغريب على السياسة الأمريكية التي تنتهج البراغماتية وسيلة ناجعة في تعاملها مع القضايا الدولية، بغض النظر عن حجم الضرر الذي يلحق بحلفائها، فبعد صراع طويل دام لخمس سنوات، واستنزاف كبير لكل الأطراف المتصارعة على الساحة السورية، من مسلحين معارضين والدولة السورية والدول الداعمة للطرفين، وبعد كل الماسي التي مر بها الشعب السوري بفعل الفوضى التي أنتجها الإرهاب المدعوم خارجيا، أدركت أمريكا وحلفاؤها الإقليميون أن لا حل في سوريا سوى سيادة النظام والعودة إلى طاولة مفاوضات متكافئة لقوى وطنية تؤمن بمفهوم الدولة والتعايش السلمي، وستكون معركة حلب والاتفاق الأخير الذي أسفر عن خروج المسلحين من شرقها وعودتها إلى أحضان الوطن، هو بداية النهاية للعبة دولية كبيرة ومخطط تقسيمي لا يشمل سوريا فحسب بل يمتد إلى الضلعين الاخرين للمثلث الحضاري والمعرفي الذي يشمل العراق ومصر ايضا، وان نتائج معركة حلب ستستطيل إلى ابعد من ذلك بكثير، ليكون صدى تداعياتها حاضرا في صراع النفوذ الإقليمي، الذي تخوضه في المنطقة كل من إيران وتركيا والسعودية، ويقف من ورائها امريكا والغرب من جهة وروسيا من جهة اخرى، وسيعمل هذا المنعطف الكبير في الأحداث داخل سوريا على جعل الجميع يعيدون حساباتهم وفق النتائج المتحققة على أرضها، ويبدو إن تركيا هي أول المبادرين إلى هذا الإجراء بعد أن كانت طرفا رئيسيا في الاتفاق الذي جرى في شرق حلب ومن ثم قرارها الانضمام إلى اجتماع ثلاثي لوزراء خارجية إيران وروسيا لبحث الأزمة السورية وترتيبات ما بعد تحرير حلب .. لذا وبعد سقوط الرهان الأمريكي في سوريا، علينا نحن العراقيين وبجميع طوائفنا وانتماءاتنا أن نعي الدرس جيدا، وبالأخص المراهنين منا على أمريكا وحلفائها في المنطقة، أصبح من الضروري أن يعيدوا حساباتهم ويلملموا شتات أوراقهم المبعثرة في دوائر القرار القابعة حلف الحدود، ويدركوا أن لا حل لمشاكل العراق إلا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، والبحث عن تسوية وطنية تراعي وحدة العراق شعبا وأرضا وسماءا، وأولهم بعض الساسة الكرد الذين ذهبوا بأمنياتهم وتطلعاتهم إلى أقصى اليمين مما افقد الشعب الكردي بصورة عامة بوصلتهم الوطنية وانتمائهم التاريخي للعراق، وكذلك بعض الأصوات المطالبة بالفدرلة والتقسيم على أساس طائفي، اعتمادا على وعود خارجية بتحقيق حلمهم هذا، عليهم أيضا أن يمعنوا النظر جيدا في الخارطة الجيوسياسية الجديدة التي فرضت نفسها على الساحة الإقليمية، وان أصدقاء اليوم ليسوا بالضرورة أن يكون أصدقاء الغد القريب، وفق خارطة المصالح التي تتحرك ضمن نطاقها جميع القوى الفاعلة والمؤثرة في العالم والمنطقة، بعد أن بدأ اوردوغان يعيد حساباته وفق المعادلات السياسية والعسكرية التي طرأت مؤخرا في سوريا، وازدياد نفوذ أكرادها على حدوده الجنوبية، وإدراك بعض دول المحيط العربي أن لا جدوى من استنزاف مواردها في حروب خاسرة بالنيابة، ومزايدات لا طائل منها، والاهم من ذلك كله هو إن إدارة جديدة ستتولى زمام الحكم في أميركا، وكل المؤشرات تدل على إنها ستكون مختلفة عن الإدارة السابقة في تعاطيها مع الملف السوري والعراقي، ووفق هذه المعطيات على جميع الفرقاء في العراق ان يتحلوا بالشجاعة والجرأة الاستثنائية، ويتخذوا القرار الصائب في جعل الهوية الوطنية هي الهدف الأسمى وتغليبها على كل تقاطعاتهم وهوياتهم الحزبية والقومية والطائفية، وكما يقول ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر..( في الأزمات الفاصلة، يكون الأكثر جرأة هو الأكثر أمانا).