المنبرالحر

من حكايا أيام زمان... رجال ذوو ضمائر نقية / ناصر حسين

الحالة الاولى:
في خمسينيات القرن العشرين أصدرت الحكومة العراقية قراراً بتعيين الاستاذ هاشم جواد مندوباً دائماً للعراق في الامم المتحدة. آنذاك لم تكن ثورة الاتصالات التي تمكن الشخص خلال ثوان من التكلم مع من يريد في أي مكان من الكرة الارضية قد بدأت بعد، والاتصالات رديئة. أوضح الاستاذ هاشم جواد لرئيس الحكومة خشيته من ان لا يستطيع تنفيذ مهمته بنجاح بالارتباط مع رداءة الاتصالات وهو قد تواجهه قضايا في مجلس الامن تتطلب التشاور مع الحكومة بشأنها . فكان جواب رئيس الحكومة فورياً وقاطعاً "في هذه الحالة صوت على ضوء تصويت المندوب البريطاني في المجلس" .
التحق الاستاذ هاشم جواد وهو مزود من رئيس الحكومة العراقية بما سيكون عليه موقفه من مجلس الامن.
ذات يوم فوجئ بمناقشة المجلس او الجمعية العامة القضية القبرصية وكان هناك مشروع قرار يقضي بمنحها الاستقلال الناجز عن بريطانيا. وعرض الامر للتصويت. وبالطبع كان موقف المندوب البريطاني معارضا. وهنا كان امام الاستاذ هاشم جواد خياران لا ثالث لهما اما العمل وفق توصية الحكومة العراقية والتصويت بالاعتراض على القرار حاله حال المندوب البريطاني او الاحتكام الى ما يقتضيه الضمير النقي الذي يطالب بمنح الشعب القبرصي الاستقلال والتمتع بحق تقرير المصير وهو احد اهم مبادئ حقوق الانسان وشرعة الامم المتحدة.
وكان ان صوت الى جانب القرار مرضيا ضميره وليكن ما يكون موقف الحكومة العراقية اذا ما أعلمتها بريطانيا بالموقف الذي وقفه المندوب العراقي . ومعلوم ان الحكومة العراقية اثر ذلك الموقف من الاستاذ هاشم جواد قررت اعفاءه من منصبه وتعيين الاستاذ عبد المجيد عباس بديلا عنه.
وماهي الا بضعة سنوات حتى قامت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 فدخل الاستاذ هاشم جواد حكومة الثورة كوزير للخارجية . اما الاستاذ عبد المجيد عباس فقد استبدل بدبلوماسي عراقي غيره وانتهى الامر .
الحالة الثانية :
كان المقبور صدام حسين قد كلف الفريق الركن طه الاحبابي بتولي منصب مدير الامن العام. وفي ليلة من تلك الليالي اعلم الفريق طه الاحبابي بوصول مجموعة من جنرالات الجيش العراقي تعدى عددها العشرة الى معتقل الامن العامة كانوا قد اعتقلوا بامر شخصي من الدكتاتور واحيلوا الى الامن العامة للتحقيق معهم وتقرير مصيرهم .
حزر الاحبابي وهو لم يرهم بعد ولم يعرف اسماءهم بأن صدام يريد اعدامهم وارسلوا الى الاحبابي ليتولى شخصيا تصفيتهم .
توجه الى غرفة التوقيف حيث يتواجدون فاذا بهم جميعا من رفاق السلاح يعرفهم جيدا واحدا واحدا وهنا كان القرار قد صدر من الضمير احتراما منه لرفقة السلاح التي تربطه بهم وليكن ما يكون موقف الدكتاتور منه .
طرح عليهم انه اذا ما، وبعكس ما يريد الطاغية، أطلق سراحهم جميعاً وفوراً أي ليلا هل بامكانهم ان يكونوا مساء اليوم التالي كحد أقصى خارج القسم العربي من العراق لان صدام سيسأل عما فعله بهم ؟ اكدوا له استعدادهم لذلك فأجرى معهم تحقيقا شكليا انهاه بقرار اطلاق سراحهم لعدم وجود اية ادلة ادانة ضدهم. واطلق سراحهم فعلا. وغادروا كما تعهدوا للفريق الاحبابي.
بعد بضعة ايام سأل الطاغية عنهم فأعلم باطلاق سراحهم جميعا فاستشاط غضبا وعليه قرر اعفاء الفريق الاحبابي .من منصبه وتعيينه مستشاراً امنيا لدى رئاسة الجمهورية وعين بديلا عنه اخاه غير الشقيق سبعاوي ابراهيم الحسن.
ان تعيين الاحبابي مستشارا لدى رئاسة الجمهورية يعني انه اصبح من المغضوب عليهم وان مجموعة الحماية التي كلفت بمرافقته في تنقلاته وحراسة بيته ما هي الا رقباء عليه لاحصاء تحركاته عليه وتقديم تقارير دورية عنها. وان ذلك يقتضي حضوره الى القصر الجمهوري كل رأس شهر للتوقيع على سجل اثبات الحضور والوجود.
مرت فترة والاحبابي على تلك الحال. وفي ذات مساء وبعد منتصف الليل وكان ذلك الصباح قد حضر الى القصر الجمهوري احس بألم شديد في القلب. فنقل فورا الى مستشفى حكومي خاص لحالات كهذه. في مدخل المستشفى طولب مرافقوه بقرار احالة الى المستشفى من رئاسة الجمهورية فالتعليمات التي لديهم تقضي بذلك. اجابوهم بصعوبة الحصول على احالة كهذه والوقت هو بعد منتصف الليل فاصروا على موقفهم. اذا لا توجد احالة لا يوجد دخول الى المستشفى . وعندما اعلموهم بأن المريض هو المستشار الامني لرئيس الجمهورية طلبوا منهم الانتظار وفسح المجال لهم لاجراء اتصالات مع رئاسة ديوان رئاسة الجمهورية.
اخبره مرافقوه بموقف استعلامات المستشفى فطلب منهم التوجه الى مستشفى الراهبات ليعالج نفسه على نفقته الخاصة وفي شارع السعدون وقبل ان يصل الى هناك فارق الحياة مسموماً مثل ما جرى للمقرئ الحسيني الشيخ محمد الشيخ عباس من عشيرة البو دحيدح في ناحية العباسية – قضاء الكوفة – والمقرئ الحسيني الشيخ عباس العلياوي والد الشيخ حسن الذي أعدمه النظام متهماً بقتل السيد محمد محمد صادق الصدر وولديه مصطفى ومؤمل وهو العالم بالقاتل الحقيقي لهم.
الحالة الثالثة:
ضابط أمن برتبة رائد يدعى رعد لا اعرف اسم والده ولا لقبه ولا من اية مدينة هو كل ما اعرفه عنه انه عين اوائل الالفية الثالثة ضابط امن ناحية العباسية – قضاء الكوفة / محافظة النجف.
وكان واضحا عليه كرهه حزب البعث وازلامه.
ذات يوم من العام 2002 اعلمته مسؤولة نفوس العباسية بأن ثلاثة من رجالات البعث وهم بموقع مسؤولية في المحافظة كل منهم كان عضو فرع طلبوا منها واعطوها مبلغا مغريا من المال كي تنظم لهم هويات احوال مدنية بدل ضائع تكتب فيها ان مسقط رأسهم الكوفة وليست العباسية مثلما تؤكد وثائقهم الحقيقية. وكان الهدف من ذلك استخدام الهويات الجديدة للحصول على قطع اراض سكنية ممتازة كانوا قد علموا ان بلدية الكوفة ستقوم بتوزيعها عما قريب. وبما ان مسقط رأسهم العباسية طلبوا من مسؤولة النفوس تلك الهويات المزورة لاستخدامها في الطلبات التي يقدمونها الى البلدية للحصول لأنفسهم على قطع من تلك القطع لانهم لا يحق لهم الحصول على القطع اذا ما استخدموا الهويات الاصلية.
اتشوف شلون يخوي يبو كاطع مدى دناءة نفس هذا المسؤول السياسي او ذاك الذي يلهث وراء المكاسب والمغانم وكيف يلجأ الى التزوير وتقديم الرشى للموظفين وافساد ذممهم من اجل الحصول على المغانم !!! ولو لم يصطدموا بموظفة نزيهة وبضابط امن ذي ضمير نقي لمر الامر دون فضائح ودون ان يعلم به احد ولكن الامثال كثيرة لدى المجتمع كما تعرف ، فحبل الكذب قصير والشمس لا بد يوم تطلع عالحرامية!
ابلغها الرائد رعد بان تنفذ لهم طلبهم وتحتفظ لديها بالمبلغ الذي قدموه لها وبقي يتابع الامر حتى استخدموا الهويات المزورة وحصلوا على قطع اراضي دون وجه حق وانما بالتزوير.
عندها، وكما تقتضي التعليمات التي لديه فهو لا يمتلك حق استدعاء أي بعثي مالم يحصل مسبقا على موافقة ما يسمى " مكتب امانة السر" طلب الموافقة وحصل عليها . فقام باستدعاء المسؤولين الثلاثة الى التحقيق وجابههم بالدليل القاطع فأقروا بجريمتهم التي ارتكبوها وهي التزوير لغرض الاستفادة أي ارتكاب جريمة مخلة بالشرف واحيلوا الى محكمة الجزاء الكبرى في النجف التي اصدرت حكمها بحبس كل منهم لخمس عشرة سنة وأرسلوا الى شرطة تسفيرات النجف لتقوم بتسفيرهم الى سجن ابي غريب واكتفي بهذا القدر عن الموضوع. والى حكاية اخرى من حكايا ايام زمان.