المنبرالحر

كارثة تهريب أموال العراق / حسن كريم عاتي

مقدمة :
مثلت حقوق الشعوب في استرداد أموالها المهربة إلى خارج حدودها الوطنية، واحدة من أبرز المعاضل التي ظهرت بعد إتضاح الوشائج بين تهريب هذه الأموال، وجرائم بشعة ترتكب ضد حياة مواطني الدول، وصحتهم، وممتلكاتهم، وفرصهم في حياة كريمة. إبتداءً من تجارة المخدرات، وحتى الاتجار بالبشر أو بالأعضاء البشرية . إضافة إلى الصلة المؤكدة بين تلك الأموال والإرهاب الدولي.
لذلك أصبح الصوت عالياً لمعالجة أية أموال تأخذ صفة غسيل عند إنتقالها بين البلدان . بل إن الحدود السياسية للدول تُعد أهم قنوات تحويل تلك الأموال من سوداء إلى بيضاء.
إن الغاية الأساسية من غسيل الأموال، هي تمكين من وضعوا اليد عليها، من استخدامها في العلن، بعد أن حصلوا عليها بالخفاء، وبطرائق غير قانونية، أو نتيجة لجرائم ارتكبوها. ومن المعروف إن مثل تلك الأموال، على الأعم الأغلب، تمثل أموالاً عامةً، أو أنها تمثل رأسمالا وطنيا يتم الاستحواذ عليه وتهريبه. أو متأتية من جرائم ترتكب على إقليم تلك الدول.
فالأموال المهربة في الدول التي تهرب منها، تمثل جسد الجريمة في غسيل الأموال، وتمثل أيضا بيئة إجرامية يتواصل تثبيتها، وتؤدي إلى الإفقار وتفشي الجريمة، وهي بالنسبة للدول التي تهرب إليها، تمثل بيئة إجرامية جديدة من خلال غسيلها، ولا تمثل إثراءً حقيقياً لها. فالدولة التي تتهاون أو تساعد على انتقال أموال الجريمة، ومن بينها الأموال المتأتية من جرائم الفساد، وغسيلها فيه، تكون حلقة ضعيفة في منظومة مكافحة الفساد، وستكون محطة وسطية لانتقال تلك الأموال منها. وتتعزز شروط تفشي الجريمة في محيطها، لتنتقل، فيما بعد، أموالها هي إلى خارجها.
إن تجسيد هذه الحقائق، والعمل على معالجة آثارها، جاء متأخراً في المنظومة القانونية الدولية، وإن كانت بعض ملامحها قد أشرت في فترة مبكرة، من خلال مكافحة الأنشطة المتعلقة بالمخدرات، أو الاتجار بالبشر أو الأعضاء البشرية أو الجريمة المنظمة، كونها لا تمس القوى السياسية النافذة في الدول عموماً. لذلك تأخرت اتفاقيات كثيرة، وبعد مخاض عسير ليتم وضعها في إطار قانوني ملزم للدول. ومن بينها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. التي شرعت في العام 2003 وانضم العراق إليها في العام 2007. والتي على منوالها تمت صياغة الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد أيضاً.
إن هذه الاتفاقية معنية بمكافحة الفساد، وترتبط بشكل واسع بالجرائم التي تقع على المال العام،وان كانت تتناول الجرائم التي تقع في القطاع الخاص، غير أنها تعتمد على العلاقة، في تلك الجرائم، التي تقع بين القطاع الخاص والمال العام.
إن شيوع مفاهيم تلك الاتفاقية، شجع الشعوب على مراقبة إدارة دولها، وساعد الإعلام ومنظمات المجتمع المدني على اعتماد معاييرها في التعامل مع الإدارة التي تتولى صرف الأموال، وخلقت بيئة مشجعة على المحاسبة والشفافية.
وجوه كارثة
تهريب أموال العراق:
يُعد العراق الأنموذج للبلد الذي يتم إهدار أمواله بكثرة وتواصل، وعبر عقود كثيرة. ومرد ذلك إلى أسباب كثيرة متباينة، ومن بين أبرزها : حجم الأموال الكبيرة التي تحققها العائدات النفطية، وطبيعة الأنظمة السياسية التي تولت الإدارة فيه، وانعدام الفرصة في محاسبتها بجدية. وهو بذلك يمثل التجربة الأكثر وضوحا في تاريخ دول المنطقة في الزمن الحديث، والذي تهدر أمواله عبر تاريخ متواصل من اللامبالاة، وعدم الاهتمام الحقيقي بالمال العام، أما عن قصد مباشر تمثله الأنظمة الاستبدادية التي تعمل في ظلمة كثيفة، أو نتيجة أخطاء الإدارة الضعيفة، التي لا تقوى على المحاسبة، أو عدم الكفاءة، التي يمتنع عليها اختيار الآليات الملائمة للصرف والمراقبة والمحاسبة.
تلك من بين الأسباب التي أدت إلى إفقار الدولة العراقية، كان من نتائجها انعدام التنمية، وضياع فرص العمل، والزيادة في إفقار الشعب، وإرباك الأمن الأهلي، واستفحال القوى التي تمول من جرائم الفساد، إلى قوة تزاحم الدولة في سيادتها، لتبني لها دولتها البديلة، أو الموازية.
إن لكارثة تهريب أموال العراق أكثر من وجه، لا يقتصر على ما حدث بعد التغيير في عام 2003، بل يمثل ما سبقه الوجه الأكثر بشاعة لهذه الكارثة، كونه بإدارة القوى السياسية المتسلطة في حينه، وبعلمها وإرادتها.
مصادر تهريب الأموال العراقية
الأموال العراقية المهربة
قبل عام 2003:
مثلت حقوق العراق في استعادة أمواله المهربة إلى خارجه، صورةً من صور استعادة كرامة شعبه، مقابل صورة الاستهتار للعابثين بتلك الأموال. بوصفه شكلاً من أشكال الاستخفاف والاستغلال لنفوذ تلك القوى أو الأشخاص، الذين تصرفوا بحاضر الشعب ومستقبله، وعرضوا راهنه إلى هزات بالغة الخطورة والحساسية.
إن الصورة الأوضح عن أموال العراق المهربة، لدى المواطن، والسلطة السياسية الجديدة، ولدى العالم، مُعبر عنها بانتهاكات النظام قبل عام 2003، واستهتاره بأموال الشعب، من خلال استيلائه عليها والتصرف بها بما يحقق أغراضه السياسية، وأحيانا الشخصية. ويمكن عد قرار البعث، الذي صاحب تأميم النفط، بجعل حصة (كولبنكيان) التي أممت في حينه، من نصيب الحزب الحاكم،بحجة حماية الثورة الفتية، التشريع الأول الذي عمل على منح الفساد بالمال العام صفة قانونية.
وقد تواصل الاستيلاء طيلة عقود حكمه، وكانت الأكثر أثرا تلك التي تصرف بها طيلة المدة التي صاحبت الحصار الاقتصادي على الشعب العراقي.تلك المنافية للقانون والوطنية، وتحت غطاء كثيف من السرية. أدت إلى تبديد هذه الثروات، صاحبها توافق كبير من (دول وأشخاص) مستفيدة منها، عملت على التستر على مصادرها، والاستيلاء عليها فيما بعد، والتصرف فيها بوصفها ممتلكات تلك الأطراف.
كان للمتغيرات السياسية، السريعة والكبيرة، في نظام الدولة في عام 2003، أثر سلبي على المال العام. إذ لم يصاحبه استلام وتسليم لموارد الدولة بطريقة تدعو إلى الاطمئنان على تلك الموارد. إنه انهيار كامل لمنظومة استبدادية بمنظومة مناقضة لها، لها توجه ديمقراطي. مما جعل تلك الموارد في حكم المجهول. وعملت الأطراف المستفيدة من ذلك على زيادة الغموض في أصلها، وتصرفت في ا بما ينسجم مع غاياتها، وكانت من بين الموارد المهمة في زعزعة الأمن الداخلي للعراق، وتمويل الأعمال المسلحة ضد الشعب، وتمويل الحركات الإرهابية، والحركات السياسية الموالية له.
تمثل هذه الأموال:
أولا: أموال العراق التي استولى عليها أزلام النظام السابق. وتتنوع أشكالها، بين منقولة وغير منقولة، مسجلة بأسمائهم أو بأسماء مستعارة، داخل العراق أو خارجه.
ثانياً: الأموال العراقية المهربة إلى خارجه بأسماء أشخاص أو بأسماء شركات وهمية، أو واجهية. وتظهر بوضوح في الأموال التي تصرف بها جهاز المخابرات المنحل، سواء كانت منقولة، أم غير منقولة، عقارات أو أسهم في شركات، أو حسابات مصرفية. موزعة على مساحة واسعة من العالم.
ثالثاً: أموال المؤسسات العراقية في الخارج. عقارات، حسابات مصرفية، سيولة نقدية، تابعة للحكومة العراقية، مثل : وزارة الثقافة، وزارة الخارجية، جهاز المخابرات المنحل. أصبح من الصعب الاستدلال عليها، ومن ثم استردادها. وتصرفت بها الأطراف واضعة اليد عليها، بما يوحي امتلاكها لها.
رابعاً: الممتلكات والأموال السرية التي كانت تتعامل بها الأجهزة الأمنية العراقية في الخارج، والتي لها نشاط واسع في الدول الأوربية والمنطقة العربية، والتي استخدمت لأغراض النظام المباد في الترغيب والترهيب، واستخدمت أيضا من قبل أطراف غير عراقية. ومن أمثلتها (كابونات النفط).
خامساً: لقد كان النظام السابق يعمل على تمويل نفسه في سنوات الحصار، وللتحايل على العقوبات الدولية، وفي ظل مذكرة التفاهم ( النفط مقابل الغذاء )، على الاستغلال البشع لهذه المذكرة على حساب الشعب العراقي، وبما يحقق الموارد الكبيرة والمهمة لتمويل أدواته القمعية، وتبديد الثروة الوطنية، للحفاظ على نفسه، وتحقيق غاياته، وقد تمثل ذلك في :
(1)العقود غير المنفذة من قبل أطراف دولية (دول وشركات وأشخاص)، دفع العراق ما يترتب عليه من التزامات مالية كلها، أو بعض منها.
(2)أن تلك العقود لا تقتصر على الغذاء أو المستلزمات الأساسية التي تبنتها مذكرة التفاهم، وهي الغاية من المذكرة، وإنما امتدت إلى عقود سرية في مواضيع أخرى. سواء كان ذلك مع دول أو شركات أو أشخاص.
(3)العمولات المدفوعة من الجانب العراقي إلى أطراف دولية، لغرض توفيرالموارد المالية للنظام في غفلة عن المراقبة الدولية، والتي تتسم بالسرية التامة من قبل جميع الأطراف المشتركة فيها،ويصعب الوصول إليها، والتي تتعلق بعقود وهمية استغلالا للمذكرة.
سادساً.كان للانهيار السريع للنظام المباد في عام 2003، وما رافقه من انهيار كامل لمؤسسة الدولة، أدى إلى أن تكون تلك الأموال بعيدة عن الرقابة، وسهل لمن كانت بيده، التصرف بها بشكل، ظاهره قانوني، خلافا الواقع الفعلي لطبيعة تلك الأموال وأصولها، عبر وضع اليد عليها، وبذلك تم أخراجها من أموال الدولة العراقية، وهو ما نتج عنه إفقار للشعب العراقي، وتبديد صريح لثرواته. والأدهى، إنها تستخدم ضده منذ بدء التجربة الديمقراطية فيه، وتعمل على انهيارها، وان لم تتمكن، تعمل على إعاقة بناء تجربتة جديدة.
سابعاً. كان لإدارة الدولة العراقية، من قبل جهات غير عراقية في عام 2003، وما تلاه، قبل تشكيل الحكومة العراقية، أثره في إضعاف الرقابة على تلك الأموال. ووفر فرصة ( قد تكون مقصودة أو غير مقصودة )، لعدم معرفة حجم تلك الأموال، والجهات واضعة اليد عليها، والمتصرفة بها، ومصيرها. مما زاد من غموض حجمها ومآلها.
وقد وضع ظرف مثل هذا، الحكومة العراقية (على افتراض توفر حسن النية)، التي تشكلت بعد ذلك، والحكومات المتعاقبة عليها، أمام معضلة حقيقية في المطالبة بتلك الأموال لمجهولية حجمها، والأطراف المستولية عليها، والتصرفات التي أجريت على أصولها، ونتيجتها، وأماكن تواجدها.
الأموال العراقية المهربة
بعد عام 2003:
أولا. حظي العراق بتأييد دولي كبير لمعالجة الأزمات التي واجهها بعد 9/4/2003. وعمل المجتمع الدولي على توفير الفرص الملائمة لتجاوز تلك الأزمات، وبمعالجات سياسية واقتصادية. من أبرزها صدور قرارات الأمم المتحدة /مجلس الأمن الدولي. موضوعها تجميد الأموال العراقية المستولى عليها من قبل أزلام النظام السابق، أو من أي طرف، والعمل على إعادتها إلى الشعب العراقي.
وبالمقابل، فأن المجتمع الدولي، والمؤسسات المالية الدولية، عملت على التخفيف عن كاهل العراق، من خلال إسقاط الديون المترتبة عليه، نتيجة التزامات النظام المباد. وهي مبالغ ضخمة، لا قبل لخزينة الدولة في حينه من الوفاء بها، لكي يبدأ العراق تجربته الجديدة بقيود قليلة. إضافة إلى توفير مساعدات دولية سخية لبناء مؤسسات الدولة العراقية، على أمل بناء الدولة الديمقراطية التي تعاطف كثير لأجل إنشائها. وكذلك رفع القيود على تصرفات الحكومة العراقية في المحيط الدولي.
إن هذه الأموال تُعد من بين موارد الدولة العراقية الفتية، وساعدت بدرجات متفاوتة على انجاز أعمالها. غير إن جزءاً غير ضئيل منها كان مآله في اتجاهات غير صحيحة أو فاسدة. والصعوبة الحقيقية في الوقوف على إيراداتها والتصرفات التي اُجريت عليها، كون معظمها كان يدار من قبل أطراف غير عراقية (الدول المانحة). أو من قبل جهات عراقية لم تحسن التصرف فيها، ولم تتبع الإجراءات الكفيلة لاستخدامها بالطريقة المثلى لتحقيق الغايات من صرفها. من بينها وأبرزها، المساعدات الأمريكية (صندوق اعمار العراق ). وقد أشارت تقارير المفتش العام الأمريكي إلى حجم الفساد الذي صاحب صرف تلك الأموال من قبل الأطراف الأمريكية. إضافة إلى ما رافقها من تصرفات بعض الأطراف العراقية المدانة بالفساد أو المتهمة به.
ثانياً: ساعدت موارد الدولة العراقية، والمساعدات الدولية، والحماية التي فرضها المجتمع الدولي، على تنامي الميزانية العامة، ومثلت تصاعداً مضطرداً في كل سنة حتى عام 2014، وهو ما وفر فرصة لتراكم الثروة بشكل غير اعتيادي، قياساً بالزمن الذي تحققت فيه.
إن غياب الرقابة الدقيقة عليها، والافتقار إلى ملاكات ملائمة لإدارة هذه الأموال، وتناقض التشريعات التي تنظم إدارتها من دولة مركزية، بل شديدة المركزية، إلى دولة تتسم بالتوجه الديمقراطي، وتعتمد نظام السوق، أدى ذلك إلى التصرف بهذه الأموال بطريقة أدت إلى تبديدها، والاستيلاء عليها من قبل (دول أو شركات أو أشخاص)، عبر مجموعة واسعة من إجراءات التحايل. كان من نتيجتها إفقار الدولة العراقية.
لذلك فان الميزانية الكبيرة للدولة، صاحبها فساد كبير بالتصرف في تلك الأموال من قبل أطراف أدينت بالفساد أو متهمة به، أو يجري التحقيق معها فيه، أو لم تظهر بعد من الأدلة ما يكفي لتتبعها. وشكلت ازدواجية الجنسية أحد المعاضل التي تواجه عملية التحري والتحقيق والاسترداد.
ملامح كارثة تهريب الأموال العراقية
مما تقدم تتضح بعض ملامح الكارثة التي تواجهها الأموال العامة العراقية، والتي يصعب، بل يستحيل ضمن هذه المرحلة، إحصاؤها، فضلاً عن المطالبة بها واستردادها.
فقد اتسم الفساد فيها بـ :
أولا: طول الفترة التي تعرضت فيها تلك الأموال إلى الاعتداء والاستيلاء بدون وجه حق.
ثانياً: تغير النظام السياسي بطريقة لا تسمح بمعرفتها، أو الرقابة عليها، أو تدقيقها. أو محاكمة النظام المباد على تبديدها. ولم تتخذ القوى المهيمنة بعد التغيير من الإجراءات ما يكفل تتبع تلك الأموال أو تدقيقها أو معرفة مصيرها.
ثالثاً: تدخل أطراف دولية في إدارة تلك الأموال، والتي تكون في الغالب مرتبطة بأهداف تتعلق بها. وليس بالضرورة مع الأهداف المرجوة من رصد هذه الأموال.
رابعاً: إدارة تلك الأموال من قبل ملاكات عراقية غير ملائمة، وغير كفوءة. إن لم يكن لبعض منها غايات الإثراء منها على حساب الأموال العامة.
خامساً: تناقض التشريعات النافذة مع التوجهات الديمقراطية التي تعتمد على نظام السوق، والذي صاحب الانتقال من نظام استبدادي إلى نظام ذي توجه ديمقراطي.
إحصاء أموال العراق المهربة واستردادها:
يُعد التوجه الدولي الحالي، بعد عام 2003، والذي رافق إقرار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مشجعاً، وعقيدة قانونية، وقناعة أخلاقية، للدفاع عن حق الشعوب في استثمار أموالها بالطريقة المثلى، ومحاسبة المتنفذين في السلطة على تبديد هذه الثروات. وهو ما خلق بيئة دولية مشجعة على مطالبة الشعوب بأموالها المسروقة.
أ.نقاط قوة ملف العراق باسترداد أمواله المهربة:
أولا. تميز العراق عن جميع دول العالم، بوجود قرارات من مجلس الأمن الدولي، تهدف إلى المحافظة على أمواله، وتوفر الحماية القانونية والسياسية الدولية لها. وتحث الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة على إعادتها إلى الدولة العراقية (قرار مجلس الأمن الدولي 1483/2003 و 1511/2003).
ثانياً. التعاطف الدولي مع الشعب العراقي في محنته التي يحاول النهوض منها، والمتمثل في إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية مع العراق. والتعامل معه ليس بوصفه وريث النظام السابق، وإنما ضحية له.
ثالثاً. مصادقة العراق بالقانون رقم 35/2007 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وإيداعه صك التصديق لدى الأمين العام للأمم المتحدة. مما أتاح للعراق فرصة واسعة للتعاون الدولي واستردار الأموال والمدانين على وفق هذه الاتفاقية.
رابعاً.انضمام العراق إلى الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، ودوره الفاعل فيها.
خامساً. فاعلية العراق في المحافل الدولية والإقليمية في محور الاسترداد، وعبر:
(1). توقيعه مذكرات تفاهم ثنائية مع بعض الدول الإقليمية (إيران مثلاً).
(2). انتخاب العراق عضواً في فريق الخبراء الاممي (فينا).
(3). انتخاب العراق نائباً لرئيس الدورة الحالية للاتفاقية العربية لمكافحة الفساد. (الرئيس ممثل دولة الكويت).
(4). عقد العراق مؤتمرين دوليين في بغداد (ملتقى بغداد الأول والثاني)، عامي 2013و2014. وبحضور دول عربية وأجنبية، موضوعهما الاسترداد.
(5). الصحافة العراقية والإعلام الحر، والرأي العام، الرافض للفساد، والذي يحث على محاربته.
(6). لدى العراق صرح علمي (الأكاديمية العراقية لمكافحة الفساد)، والتي تُعد الثالثة على مستوى العالم، والأولى على المستوى العربي والإقليمي، والتي تتولى تهيئة ملاكات متخصصة في مجال مكافحة الفساد.
ب. نقاط ضعف ملف العراق
في استرداد أمواله المهربة:
(1). صعوبة إحصاء وتدقيق الأموال العراقية المهربة إلى خارجه.
(2). ضعف التشريعات العراقية التي تتناول الأموال العامة، أو الاسترداد. من خلال:
(أ). تعدد الجهات المعنية بتدقيق تلك الأموال، أو بتعقبها، أو باستردادها. بحيث أصبح لكل نوع مال، أو نوع جريمة، جهة معنية باسترداده.
(ب). ضعف التنسيق بين الجهات المعنية باسترداد الأموال العراقية المهربة.
(ج). ازدواجية الجنسية للمدانين أو المتهمين بالفساد الهاربين. والذي يصطدم لدى الدول المطلوب منها الاسترداد، بقيود دستورية أو قانونية في تعقب الأموال واستردادها. والذي يتطلب من الدولة العراقية تفعيل المادة الدستورية (18/رابعاً)، والمتعلقة بالتخلي عن الجنسية الأجنبية لمن يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً.
(ء). إفتقار قوانين الأجهزة الرقابية (أو بعض منها)، إلى آليات واضحة للمطالبة بالأموال المهربة.
(3). انعدام الدور السياسي للرئاسات الثلاثة في الدولة العراقية، في استثمار تأثيرها في العلاقات الدولية لمطالبة الدول التي تأوي أموال فساد عراقية، أوتتعثر معها ملفات استرداد الأموال.
الخلاصة:
إن نقاط الضعف في ملف العراق لاسترداد أمواله المنهوبة والمهربة، يؤشر منحاً خطيراً، كونها باجمعها تتصل بالداخل العراقي، وقدرته على تنظيم إمكانياته بما يسمح باستثمار القرارات الدولية، والتعاطف الدولي، وعلاقاته الدولية، لتحقيق هدفه باسترداد كرامة شعبه، عبر استرداد أمواله المنهوبة والمهربة إلى خارجه.
وهي على مجملها تأخذ ثلاثة محاور أساسية :
الأول: في المحور التشريعي:
تعديل القوانين العراقية، أو تشريع قوانين جديدة تتناول موضوع الاسترداد بوضوح كافٍ، وتمنح الصلاحيات المناسبة للأجهزة الرقابية المعنية بالاسترداد، وتضع الآليات الكفيلة بالنهوض بهذه المسؤولية، وبما يساعدها على أن تكون فاعلة فيه. وكذلك معالجة ازدواجية الجنسية للمناصب السيادية والأمنية.
الثاني: في المحور التنفيذي:
أن تأخذ الرئاسات الثلاث دورها المأمول منها بتفعيل تأثيرها الدولي، وعلاقاتها الدولية لحث الدول التي للعراق أموال على أراضيها على التفاعل مع مطالب العراق المشروعة بإعادتها، والعمل معها على تذليل الصعوبات التي تواجه ملفات استرداد أموال العراق.
في ظل غياب الآليات المشتركة للأجهزة الرقابية فيما بينها، والذي يوهن ملف الاسترداد، فأن التنسيق بين هذه الأجهزة في المرحلة الحالية يوفر فرصة أكبر لوضوح الصورة، مما يسمح بعقد اتفاقات تعاون بين هذه الأجهزة في موضوع الاسترداد، من دون التداخل في الصلاحيات، أو ترك فراغ يسمح للفاسدين الهرب من خلاله.
الثالث: في المحور القضائي:
يُعد القضاء الحلقة الحيوية في ملف الاسترداد، لأنها تعتمد على القرارات الصادرة عنه. وبالمقابل فأنه هو المعني بتنظيم تلك الملفات، وهو ما يتطلب أن يكون رد فعله سريعا باتجاه إصدار القرارات التي موضوعها المال العام، وتنظيم الملفات للمطالبة بها.