المنبرالحر

يوم الشهيد.. يوم الربيع الشيوعي / جاسم المطير

طير ذو ريش احمر طار في سماء العراق وحط على ارض الجائعين والمحرومين قائلا لهم : انا الحزب الشيوعي العراقي.
كان ذلك في يوم 31 اذار 1934 فأوجع خلال 83 عاما كل اسماك القرش العاتية في سجون ومعتقلات كثيرة على ضفاف ما بين النهرين وفي صحرائها ، كما شكّ اسنانه الصلدة في كبد الحيوانات المفترسة بكل المدن والقرى العراقية.
صحيح ان الطير الاحمر همَّ بسرعات طيرانه احيانا وبتباطؤ في احيان اخرى، بعواطف احيانا وبتكثيف ايديولوجي احيانا اخرى، بدرجات من القوة احيانا والضعف في احيان اخرى، لكنه ظل بكل الاحايين منصتا الى موسيقى الحياة. كان يفرّق بين صحو الربيع وغيوم الشتاء، لذلك ظل شابا ما لاحته الشيخوخة ولم يدخل المستشفى حتى الان.. ظلت حالته طبيعية وتلقائية لأنه تعلم بنضاله ونضال اعضائه التنسيق والحكمة في العلاقة مع آلة الزمان وضبطها.
هذا الطير كان يسعى الى التوازن بطيرانه وبوقوفه على اغصان الشجر وسعف النخيل .
التوازن فكرة علنية تضمنها خطاب كل شهداء الحزب الشيوعي العراقي.
توازنَ الحزبُ مع الذاتية النضالية الشيوعية، كما توازنَ، موضوعياً، خلال جميع التغييرات السياسية والاجتماعية بمواقفه ازاء القوى والانظمة الجنونية الحاكمة ، محتسبا الخط الاكثر تعقيدا في الموازنة بين ثقل انظمة الخوف وهي اسوأ الانظمة البوليسية وبين ثقل الشجاعة الشيوعية وهي اعلى صفات الانسانية.
وجد الشيوعي العراقي ان لا توازن بينهما الا بعقيدة الشهادة.
نعم الشهادة عقيدة مستقيمة من عقائد الانسان المناضل ضد العبودية المرعبة.. هكذا توازن الرفاق الاربعة في 14 شباط عام 1949 على أعواد المشانق المنصوبة ببغداد وهم يلوكون في افواههم قولا عظيماً: الشيوعية اقوى من الموت.
صحيح انه ربما وجد او يوجد رفاق شيوعيون لم يتوفروا على خط الشهادة بمواجهته لها ، لكن مع ذلك ظل هذا الخط موجودا بصيغته العقائدية الشجاعة بكل الظروف الارهابية، التي مرت ببلادنا. ظلت الشهادة خارطة رائعة للمحافظة على كيان الحزب الشيوعي ووجوده ومستقبله .
صارت هذه العقيدة اعلانا يتضمنها خطاب كل شهداء الحزب. بعد ذلك تجسد رد الفعل على افعال اعداء الحرية والانسانية في شباط عام 1963 بصمود قادة الحزب سلام عادل، جمال الحيدري ،محمد صالح العبلي، عبد الجبار وهبي وغيرهم باستشهاد شجاع بطولي ، كما في جبال كردستان الشماء حين اكتشف الشيوعيون حوامل فاعلة على ظهورهم وفي حدقات عيونهم في نضال الانصار ضد جمهورية الخوف الفاشستية
ظل الحس الشيوعي السليم نبياً ينبئنا ان الشيوعية بالعراق تظل تواجه منطلقات العنف المتواكب بنوع من الارهاب، حتى بظل نظام يدعي الديمقراطية في اعقاب حرب اذار – نيسان عام 2003 لكنه في الجوهر هو نظام انحراف وفوضى قام مقام الدكتاتورية السابقة لمعاقبة الحرية والحقوق المدنية وتشويه روح المواطنة التي تستمر جاذبيتها موقفا شيوعيا لا يتراخى عنه الشيوعيون العراقيون فكان اغتيال كامل شياع و(سعدون) وضاح عبد الامير وغيرهما من الشيوعين برهانا ان الشيوعيين العراقيين ما زالوا ممسكين بعقيدة الشهادة وتعزيز ضوء يوم الشهيد الشيوعي.
يوم الشهيد ليس مجرد استشعار بالبطولة وبكراهية الطغاة،
ليس مجرد تمجيد الذين ضحوا بحياتهم الغالية بحب شديد، بل أن هذا اليوم هو حقيقة القوة الكبيرة المحمولة على اكتاف الحزب الشيوعي في نضاله من اجل ان لا يحقق اعداء الشيوعية هدفهم بإخضاع المحكوم للحاكم .
يوم الشهيد، يوم شديد الخصوصية بقلوب ابناء وبنات وعائلات الشهداء الشيوعيين ، لكنه يوم شديد العمومية لدى ابناء الشعب.
يوم الشهيد اعلى مدلول لأشكال العطاء الشيوعي لأنه يصفع وجه المستبد ويجعله خائفا مضاعفا، دافعا اياه الى خط الهروب والانكسار و التجزؤ بالسقوط في مزبلة التاريخ.
يوم الشهيد ينتمي الى الخصوبة النضالية لأنه يوم لا يتئد مع اتئاد الزمان يوم تنزل فيه مزن جديدة تقود الشيوعيين الى عبور الانهار والبحار.
تمر ذكرى يوم الشهيد هذا العام بينما دنيا وطننا ملتهبة باقتدار المتظاهرين ومواهبهم في ساحة التحرير حيث منّ عليهم الفنان جواد سليم بإيماءات الروح والشهداء والمستقبل كي تقول الحرية لكل الاحرار انه ما من شيء يبقى على حاله.
يظل يوم الشهيد يقرقع بالنار يحرق وجوه الطغاة وتظل الشهادة وساما فريدا يتقلده كل من اجتاز الحصون الدكتاتورية الضارية .
تحية الى الشيوعيات في هذا الزمان وفي كل زمان.
تحية الى الشيوعيين في هذا الزمان وفي كل آن .
ثمة اشياء كثيرة وجميلة معكم في مسيرتكم الطويلة .. معكم العمال الفقراء في حصباء الصحراء العراقية الغنية بثروات المستقبل.. معكم ثلوج الجبال الكردستانية حيث الكادح الفلاح عميق الجذور. معكم ياقوت الكادحين الاحياء في وسط الاهوار الجنوبية .. معكم عمال النفط و السكك والموانئ.
معكم العلوم والفنون والاشعار والآداب،
معكم كل اقبال واقتحام و فرح،
معكم تراب ارض الرافدين،
معكم انتصار الشعب العراقي المحتم بمستقبل الزمان القادم، زمان العلامات الدالة على دولة مدنية ديمقراطية وعدالة اجتماعية بالرغم من عاديات الرهوط المعادية والاجناس الظلامية وانواع الجموع او الافراد المنادية بالعودة الى ما وراء العنصرية والدكتاتورية..
ايها الشهداء .. أيتها الشهيدات.. انتم خيرة ابناء الشعب وساطعهم في ابداع الحياة الحرة المنشودة.