المنبرالحر

العقل الباطن والخوف من المجهول الميتافيزيقي / احسان جواد كاظم

لست ممن يؤمن بالروحانيات، ولم اكن مهتماً يوماً بالتحليل النفسي للظواهر الفردية والاجتماعية وليست لدي فكرة عنها بقدر ما اطلعت عليه اثناء دراستي للصحافة وتأثيراتها النفسية على الجماهير في لحظة معينة من التاريخ.
الذي جذب انتباهي وجعلني أثير هذه المسألة، حدث مأساوي حدث لأحد اقرب الاصدقاء، كان له تأثيره عليّ وعلي عائلتي واصدقائي من معارف هذا الصديق. فقد فقدنا في غفلة من الزمن صديقاً وفياً صدوقاً، انسانا بمعنى الكلمة، هو العزيز بيرج زاكاريان، الارمني البغدادي الجميل، حيث داهمته سكتة قلبية وهو الذي لم ينه بعد ربيعه الخمسيني.
الذي دفعني للكتابة هو انعكاسات الحدث على العقل الباطن. فربما صدمتي البالغة بموت صديق عزيز كان بمثابة اخ، امراً مفهوماً، لكن رد الفعل الباطني للآخرين من افراد عائلتي واصدقائي الذين لم يكن لديهم صلة مباشرة بالفقيد وخبر الوفاة، لا اعرف له تفسيراً.
فقد حدث في اليوم التالي لورود خبر الوفاة ان التقيت مع صديق مشترك للفقيد للتذاكر والتأسي على وفاة صديقنا الحبيب المفاجئة، وتذكر سجاياه واخباره وقفشاته الكثيرة التي استدعت عندنا الضحك احياناً رغم حزننا الممض على فقدانه.
وبينما نحن قابعين في طمأنينة الذكرى، تحرك الحس الباطن للمقربين منا والخشية الكامنة من فقدان حبيب، لمجرد تأخرنا في العودة الى دفء العش العائلي، رغم عدم وجود مبررات حقيقية للخوف. فقد توالت الاتصالات بي من زوجتي للاستفسار عن حالي ومكان تواجدي ثم بعد فترة من ابني للأطمئنان عليّ، ثم من اختي التي كنت وقتها مع زوجها، صديق الفقيد، بعد ان تمشيناً وقتاً طويلاً، على تليفون البيت للسؤال على سلامته، وهو مالم يحدث يوماً ان اطمأنت يوماً على نسيبي وهو بين يدي. ثم اتصال غير متوقع من صديق آخر، له علم بوفاة الفقيد، استفسر عن سبب اتصالي به، رغم ان موبايلي كان راقداً في جيبي الداخلي عند القلب هامداً ساكناً دون حراك، لم ألاعب ازراره ابداً، وخشيته من حدوث طاريء لي، وسألني ان كنت احتاج لأن يأتيني بسيارته.
ما حدث جعلني افكر ، هل نحن وصلنا من العمر عتياً، على حد تعبير الصديقة الشاعرة وفاء الربيعي، لكي يثير ادنى تأخر في العودة الى البيت، حتى ولو لهنيهة من الزمن، خشية الاهل والاحبة من فقداننا المفاجيء في صدفة سخيفة ؟ ، رغم صحتنا التي لازالت زي البمب وقلبنا الاخضر الذي يخفق عند رؤية كل قوام مياس وخد اسيل ام انه هاجس الموت الذي يأتي بدون ميعاد، والذي يقض مضاجع البعض، والذي لا يوفر احداً ؟
المؤكد ان فقداننا المفاجيء لصديق اصيل، ايقظ لدينا ولدى احبتنا مشاعر الحيطة من عوادي الزمن التي ليس لها مرد.
شخصياً، اعيش حياتي ملأ كأسها، ولا اخشى اقتراب قابض الارواح، ان كان له وجود، رغم مسحة الأسى التي تسكن قلبي من فقدان حبيب كما خالد الذكر بيرج زاكاريان.
ذهب وترك خلفه شذى طيبته وصدى موسيقاه الرقيقة. وداعاً ايها العراقي البعيد !