المنبرالحر

لماذا يتجاهل الغرب الارهاب الرسمي للانظمة الحليفة له ؟ / رضي السمّاك *

في فترة من فترات تاريخ منطقتنا العربية قبل نيل الاقطار العربية استقلالها عن الاستعمار الغربي كان الصراع السياسي والفكري على أشده حول مفهوم الارهاب حينما تعلق الأمر بأنشطة ونضالات حركة التحرر الوطني العربية من الاحتلال والاستعمار الغربيين ، إذ لم تتردد كثرة من وسائل الإعلام في الدول الغربية عن وصم تلك الانشطة النضالية ب " الإرهاب " ، ثم بات هذا المصطلح منذ تصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية المسلحة بعد هزيمة 1967 يوصم بعملياتها العسكرية بحق جنود الاحتلال ومؤسساته العسكرية داخل الاراضي المحتلة ،
ليس سراً القول ان ظاهرة الارهاب المتفشية في منطقتنا العربية والمصدرة منها إلى بلدان عديدة في العالم وعلى الأخص الاوروبية والغربية منها لم تعد حكراً على النتظيمات الارهابية كداعش والقاعدة والنصرة وأضرابها ، بل باتت منذ أمد طويل تمارسه أنظمة عربية وخليجية بشكل منهجي وبعضها وفّر البيئة الحاضنة لتفقيس تلك التنظيمات قبل أن ينقلب السحر على الساحر فتغدو في مواجهة ضدها . ومع ان الغرب ، وعلى رأسه الولايات المتحدة ، يوجه سهام ادانته لتلك التنظيمات الارهابية ويشارك ظاهرياً مع حلفائه الدول العربية الخليجية في جهود مزعومة مشتركة للقضاء عليها إلا انه- الغرب - قلما أدان الارهاب الذي تمارسه الانظمة الاستبدادية العربية بحق شعوبها والذي يندرج تحت مفهوم " ارهاب الدولة الرسمي " ، وأبرز مظاهره قمع الاحتجاجات والاعتصامات السلمية حتى لو أدى ذلك لسفك دماء وأرواح المواطنين المشاركين فيها ، وذلك تحت شتى ذرائع من قبيل أنها خارجة عن ً" القانون " علماً بان هذا النوع من العقاب الرسمي هو نفسه خارج عن القانونين الدولي والوطني ، الاول متمثلاً في تشريعاته الحقوقية الانسانية المتطورة والثاني متمثلاً في دستور الدولة وتشريعاتها الوطنية على علاتها وعيوبها .
أكثر من ذلك فمن اللافت ان الولايات المتحدة وبريطانيا لا تتورعان عن تضامنها ومشاركتها مواقف هذه الدول الخليجية في وصف القائمين بفعاليات الانشطة والحركات السلمية داخل بلدانها بالارهابيين ، على الرغم من انها تعلمان جيداً بان تلك الانشطة تندرج ضمن الحقوق والحريات تبعاً لكن مصالحهماالانانية الانتهازية الضيقة مع تلك الدول هي التي تفرض ممارسة ذلك النفاق حتى يكاد يغيب من مواقفها الرسمية تعبير " ارهاب الدولة الرسمي " ٠
ومع ان المجتمع الدولي أخذ يولي اهتماماً بظاهرة الارهاب في أعقاب الحرب العالمية الثانية ( وضعت أوزارها 1945 ) وبخاصة منذ مطلع الستينات حيث وُقعت اتفاقية طوكيو 1963 لتجريم الاعمال الارهابية في الطائرات ، ثم تبعتها اتفاقية مونتريال 1971 واتفاقية نيويورك الاكثر شموليةً 1979 وغيرها من الاتفاقيات والبروتوكولات اللاحقة الاخرى حتى أضحى الارهاب يُمارس اليوم عالمياً على المستويات المحلية والاقليمية والدولية من قِبل جماعات وتنظيمات وحكومات على نحو خطير منفلت غير مسبوق في تاريخ العالم الحديث وبات المجتمع الدولي عاجزاً عن ضبطه ، إلا انه لم يعد خافياً ان الدول الديمقراطية الغربية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، باتت تلعب دوراً خطيراً في التستر على الأقل على الممارسات الارهابية للدول الحليفة لها في العالم ومنها دول خليجية ، بل والانكى من ذلك انها لا تجد أي غضاضة في ممارسة ازدواجية المعايير في هذا الشأن ليس فقط في اعلاء نبرتها العالية ولهجتها المشددة في التنديد بارهاب الدول التي لا تروق لها سياساتها مقابل محاباة الدول التي تروق لها كالدول الخليجية بل والازدواجية أيضاً بين تنديدها بانتهاكات تلك الدول ودول عديدة من العالم لحقوق الانسان الخاصة حيال مواطينها و المثبتة في تشريعاتها، على عيوبها وثغراتها ، كما يتضمنها التقرير السنوي لوزارة خارجيتها الذي يكاد يتطابق مع ما هو مثبت في تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان ، وبين تبني وزارة الخارجية نفسها تساوقاً مع الءدارة الاميركية مواقف ممالئة للانظمة التي تُمارس " ارهاب الدولة " الرسمي طبقاً لتعريفاته المشار اليها تجاه قوى المعارضة او أي حركات احجاجات او أي اصوات تعبير حرة في الوقت الذي تُعد هذه الحقوق مكفولة لمواطينها داخل أميركا ولا تجرؤ دمغ من يتمتع بممارساتها داخلياً بالارهاب !
* كاتب بحريني