المنبرالحر

الامن المجتمعي وكفران المواطن ( س )/ احسان جواد كاظم

عندما توصد ابواب الأمل امام انسان ما, ويقف عاجزاً عن مواجهة ظروف صعبة لا يستطيع أي انسان لوحده مواجهتها او تجاوزها ولا يجد مخرجاً من مصاعب الحياة وتعقيداتها , لأي سبب كان , كأن يكون سبباً اقتصادياً او اجتماعياً او سياسياً... ويسكنه اليأس, يصبح مهيئاً للقيام بما لا يخطر على بال أحد, فقد يلجأ الى اكثر المواقف تطرفاً وحديّة, كأن يحترف الاجرام او ينتمي الى جهات ارهابية او على اقل تقدير الانتحار, لكن ان يصل به الجزع الى هذا الحد من المطالبة المتواضعة فهذا ما لا يمكن تصوره, في بلد غني كالعراق. فقد انتشرت منشورات لمواطن من بغداد يعرض نفسه للبيع على ان يوفر المشتري بيتاً لائقاً لأبنائه الخمسة مقابل ذلك http://rwafad.com/news -755.html )) . او عرض ام من الديوانية لأربعة من ابنائها للبيع بسبب عدم قدرتها على توفير لقمة العيش لهم ( https://www.youtube.com/watch?v=6FQyndLu3Mg ). وهناك قصص متنوعة يشيب لها راس الوليد في عراق اليوم. وفي ظل غياب ثقافة التبني للاطفال لأسباب دينية وتدني قيمة الانسان الى ادنى المستويات, فان مصير اطفال لا يستطيع أهاليهم توفير أبسط ظروف الحياة الطبيعية الكريمة, يصبح في دائرة الخطر, في ظل عدم اعتراف رسمي لنسب الفقر التي اجتاحت المجتمع العراقي منذ عقود طويلة والانشغال عن ايجاد حلول لمكافحة هذه الآفة بالتكالب على المغانم, او في احسن الاحوال اللجوء الى حلول ترقيعية لا تحمي من برد ولا تغني من جوع, تصنف ضمن اطار مكرمات القائد; بالأمر لحل مشكلة فردية هنا تتعلق بأرسال مريض للعلاج في الخارج او تهيئة مكان مستعجل لأيواء عائلة منكوبة هناك, وفي بعض الحالات لا تتجاوز مساعداتهم الحكومية ما يقدمه شخص سعد البزاز للمحتاجين من مناشدي قناته الفضائية. فالأجراء الذي لجأ اليه رئيس الوزراء نوري المالكي بتوزيع محدود للاراضي على الفقراء في بعض المناطق, لا يمكن ان يحل مشكلة السكن او العشوائيات, احياء التنك حتى لو حصل كل الفقراء على اراضٍ للبناء, لأن ذلك ليس بكاف. فالمواطن الفقير بحكم حاجته الآنية الملحة وأولوياته لتأمين متطلباته المعيشية وبسبب عدم قدرته على شراء المواد الانشائية وتكاليف البناء وانعدام الامكانية لأستحصال قرض( فمن يستطيع ان يضمن شخصاً فقيراً لا يستطيع ان يدفع القسط الشهري للقرض؟ ), يقوم على الاغلب ببيع هذه الاراضي لسماسرة الاراضي او يستولي عليها اصحاب البنوك فيما لو كانوا قد اقرضوا احدهم بضمان قيمة قطعة ارضه. فمثل هؤلاء ينتظرون هذه الفرصة الذهبية لجني ربح سهل على حساب المحتاجين, وبذلك فان (الأنجاز) الحكومي يكون قد انقلب, عملياً, من دعم للفقراء الى باب اثراء جديد لسماسرة الاراضي او لأصحاب البنوك. او يصبح مجرد تكثير وتوسيع لمدن الصفيح. مدن فقر بدون بنية تحتية وبدون تخطيط عمراني وبدون مرافق خدمات عامة, لذا فانه لا يمكن اعتبار هذا الاجراء حلاً لمشكلة السكن وانقاذاً للعوائل الفقيرة من التشرد, وانما مشكلة جديدة تضاف الى المشاكل المستعصية الاخرى التي تعصف بمجتمعنا.
وافضل الحلول هي ببناء مساكن شعبية تلائم متطلبات العصر وتمليكها المباشر للمواطن المعني, خصوصاً مع وجود تجربة عراقية رائدة في توفير السكن الشعبي لشرائح واسعة من ذوي الدخل المحدود, بعد ثورة 14 تموز 1958. حكام اليوم طبعاً, لايهمهم مصير هذه العوائل ولا ما سيحدث لها بعد سنوات, لأنهم سيكونون قد أمنّوا حياتهم الرغيدة بعد اشغال المناصب الحكومية لفترة قصيرة.
وكان متخصصون قد وضعوا اصبعهم على الجرح بالأشارة الى أهم اسباب أزمة السكن , ومنها عدم وجود استراتيجية حكومية واضحة لحل مشكلة السكن وقصور قانون الأستثمار لعام 2006 عن جذب رؤوس الأموال الأجنبية او تشجيع رأس المال الوطني للأستثمار في هذا الجانب الحيوي من الاقتصاد الوطني وارتفاع أسعار الاراضي... مع ان الحاجات الفعلية لعدد الوحدات السكنية والتي قدرت بثلاث ملايين, من المفترض ان يسيل لها لعاب اي مستثمر يسعى للربح.
ان امتلاك رؤية متكاملة للحاجات الفعلية للمواطن ومحاولة حلها بالتوازي أكرر بالتوازي وليس بالتوالي, بالتعاقب كما هو معمول به حالياً, هي الكفيلة بحل العقدة والدفع للأمام, فلا يمكن الشروع بالبناء بدون وجود أمن وامكانيات مادية وبرامج لمكافحة البطالة وايجاد اماكن عمل للعاطلين وظروف وأجواء مناسبة مع حوافز.
ولابد للحالم ان يسرح فكره بعيداً, متمنياً بناء مدن جديدة لتقليل الاكتظاظ السكاني الخانق في مدننا واشغال الفيافي وتعميرها, وبناء أماكن العمل بالقرب من أماكن السكن وتوفير متطلبات الحياة المدنية الحديثة وبناء شبكة الطرق والمواصلات والاتصالات مع المدن والقصبات الاخرى في البلاد, لاسيما بعد ان أصبح التعدي على الاراضي الزراعية وتحويلها الى اراض ٍ سكنية يهدد مستقبل الزراعة في العراق.

لم يعد الأمن المجتمعي أسيراً للمنظور التقليدي المتعلق بكيفية استعمال الدولة لأجهزتها الأمنية في مكافحة مظاهر العنف والجريمة والانحراف في المجتمع, بل توسع مفهومه ليشمل الأمن الغذائي والصحي والبيئي والسكني...., بحكم التعقيدات الاجتماعية وتطور المجتمعات وظهور حاجات جديدة, على الدولة الحديثة تلبيتها وهي تدخل في صلب مسؤولياتها. فالأمن حاجة اساسية للفرد والمجموعات كما هو للمؤسسات, لأستمرار الحياة وديمومتها وتهيئة الظروف المناسبة للتطور والابداع, ومن غير الممكن للدولة انجاز مهامها بدون تشريع قوانين شاملة لعموم سكان البلاد واطرافها.

هل بأمكان دولة التقاة وأصحاب الأيادي المتوضئة حل مشكلة هذا المواطن البائس والتي هي مشكلة 60% من ابناء الشعب العراقي أم اننا بحاجة الى استدعاء التوأم رومولوس و رموس بناة روما من عمق التاريخ او استيراد وزيرمستوطنات اسرائيلي, يبني المستوطنات ويعليّها كل يوم في صحاري فلسطين وبأرقى المواصفات, كما الكمأ بعد يوم ممطر؟
من المؤكد ان ما نحتاجه هو كفاءة وطنية, عارفة بحاجات المواطن العراقي, نظيفة اليد, لديها العزم والهمّة على انتشال العراق والعراقيين من ظلام التخلف وينقلهم الى نور التقدم...لا يهاب المصاعب والعراقيل وأعداء التطور.