مجتمع مدني

هل يمكن ان تنجح التنمية المستدامة من دون تعليم مهني متطور؟! / نعمة عبداللطيف

ان التنمية الاقتصادية ليست مجموعة من المشاريع والمصانع والمكائن والمعدات مع بعض الإداريين والفنيين، وكمية من المبالغ المالية، كما يراها البعض. أنها اكبر من ذلك بكثير واعظم، وقد تطور مضمون التنمية الاقتصادية، وتعددت ابعاده، وتوسع مداه، وأصبحت تشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية. وبمقنضاها يتم انتقال المجتمعات من حالة التخلف الى التقدم، تصاحبه تغييرات جذرية وجوهرية متعددة في البنيان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المجتمع، وينطلق فيها النمو الاقتصادي نحو النمو الذاتي، كما انها لا تقتصر على النمو الاقتصادي، وإنما تتعداه الى ارتباطها بالأفكار السياسية، واشكال النظم الحكومية والتشريعات، لتصل لدور الجماهير في العملية التنموية، وتؤدي بالتالي الى رفع مستدام للمجتمع ككل وللنظام الاجتماعي نحو حياة انسانية أفضل.
"وتشير الدراسات التي قامت بها المنظمات الدولية، الى وجود علاقة جوهرية بين الحكم الصالح وارتفاع معدلات التنمية، التي تؤدي بدورها الى ارتفاع نصيب الفرد من الدخل القومي، وزيادة راس المال الاجتماعي، والشفافية والوضوح في انفاق الموارد، والثقة في المؤسسات الحاكمة، وكفاءة الحكم، بما يعكسه من الشفافية والنزاهة".
اما تقرير التنمية الانسانية العربية (2002) فيشير الى ان الحكم الصالح هو الحكم الذي يدعم ويحافظ على رفاه الانسان ويوسع قدرات البشر وخياراتهم، وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، خاصة بالنسبة الى افقر افراد المجتمع واكثرهم تهميشاً. اضافة الى التطورات المعاصرة التي فرضت التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات، ابرزها الابعاد التنافسية في عالم اليوم.
ان ما تقدمه التنمية للمجتمعات البشرية شيء كبير الأهمية. ولهذا يجب ان يحرص المجتمع بكامله على ضرورة انجاحها، وهذا يتطلب اعداد وتأهيل القوى البشرية، اعدادا جيداً، يتلاءم مع التخصيصات والمؤهلات المطلوبة في عملية التنمية، لتصبح قادرة ومتمكنة، بجدارة وكفاءة عالية من إدارة دورها، بتشغيل وادامة وصيانة احدث المكائن والمعدات والتكنولوجيا والاستفادة منها بأقصى وأفضل طاقاتها، في انتاج افضل المواد التي يحتاجها المواطنون وعرضها في الاسواق وهي تتصف بالجودة العالية ورخص الثمن.
وهذا يحتاج الى كوادر هندسية مؤهلة، واداريين كفوئين، اصحاب خبرة في المشاريع الكبيرة، وكوادر وسطية وايد عاملة ماهرة باختصاصات مختلفة فمن اين نأتي بهؤلاء وتعليمنا المهني مهمل، ولا يجد ما يستحق من الرعاية والاهتمام!
ان التعليم المهني والفني بجميع مستوياته، هو المصدر الرئيس لمثل هذه القوى الماهرة، والتي تعتبر اساساً وقاعدة ومنطلقاً وحيداً لنجاح التنمية الصناعية والاقتصادية عموماً لأن التنمية لا يمكن ان تنجح بايد ماهرة من خارج الوطن. وهذه حقيقة لا ينكرها إلا المغرضون الذين لايهمهم شعبهم ووطنهم.
تخلف التعليم المهني ومردوده السيء على نجاح التنمية:
ان التعليم عندنا متخلف، ويعاني الكثير بشكل عام، واما التعليم المهني فهو اكثر تخلفا للاسباب الآتية:
اولا: ان الطلبة ينتسبون اليه مجبرون وبدون رغبة بسبب ضعف مستوياتهم العلمية وهذا بالطبع احد الاسباب الرئيسة لتدني مستوياتهم بعد تخرجهم.
ثانيا: النقص الفاضح في المعدات والمكائن والعدد اليدوية في معامل التدريب والدروس العملية. وهذا يؤدي الى شلل عمليات تدريب الطلبة ويؤثر سلباً على اعدادهم.
ثالثا: قلة خبرة الادارات، وضعف تأهيل المدرسين في مجال اختصاصاتهم.
رابعا: قلة التخصيصات المالية للتعليم المهني والفني، علماً ان كلفة التعليم المهني في الوقت الحاضر، وحسب تقديرات المختصين في هذا المجال تعادل ضعف كلفة التعليم العام، إذا اردناه ان يتصف بالجودة.
خامسا: ان نسبة التعلم المهني الى التعليم العام عندنا بسيطة جدا، بينما في الدول الأخرى ومنها سوريا قد تصل الى 70%، بعد ان ادركت حاجتها اليه، فجعلت التعليم العام 30% فقط. وحسنا فعلت.
ان التعليم والتدريب يعطيان فرصة كبيرة للانسان لتحرير طاقاته وتنمية ابداعاته وقد قال ماركس: "ان زيادة الانتاجية المتأتية عن التدريب والتعليم، هي الوسيلة الفعالة لرفع مستوى المعيشة في المجتمع",
من الأمور المعروفة ان الثروة البشرية، أكثر اهمية واعظم اثرا من الثروة الطبيعية مهما كانت، لكن بناء الانسان اكثر صعوبة من بناء مشروع او مؤسسة، لهذا يجب اعطاء الاولوية للتنمية البشرية، بحيث:
أ- تكثف لها برامج التدريب والتأهيل العلمي والمهني والفني لتتمكن هذه القوى البشرية من استغلال الموارد الطبيعية بقدرة عالية وبيسر وسهولة.
ب- ومن أجل ان يتم هذا لابد من اصلاح التعليم المهني وتطويره ورفع مستواه وتحسين ادائه وتحديث مناهجه.
ج - زيادة عدد مدارس التعليم المهني ورفع نسبته بالنسبة للتعليم العام، وتأهيل كوادره وتجهيز مدارسه ومعاهده بالمعدات المتطورة.
د - تزويده بالابنية المتطورة الملائمة للتخصصات الدراسية والمجهزة باحدث الأجهزة والمعدات.
هـ - الاكثار من الدورات التدريبية لخريجي التعليم المهني، وزيادة صلة الخريجين بالدول المتقدمة، وفسح المجال واسعاً امامهم للاستفادة من خبرات الدول المتطورة.