فضاءات

الزعيم .... الحاضر الغائب / عبد الكريم جعفر الكشفي*

إن الكتابة عن شخصية عريقة مثل عبد الكريم قاسم أمر صعب جداً لأنه لا يمكن لشخص إن يفي بحق هذا الوطني الغيور الذي أحبه حتى أعداؤه وحساده ... كيف لا يكون ذلك وكان هذا الرجل أمير القلوب سكن الخافقين وعاش في حدقات العيون لقد أحب الشعب وأحبه الشعب حد الازعاج لقد كان همه الشعب والوطن والفقراء فعندما أرسل إلى بريطانيا 1950 لدراسة الاركان ستأثرت بهتمامه نواحي الحياة وخاصة السكن فوزع أراضي مدينة الثورة على الفقراء وعندما كان معلماً في الشامية عام 1932شاهدة سيطرة الاقطاع على الارض واضطهادهم الفلاحين فأصدر قانون رقم ( 30) الزراعي .... لقد عاش الفقر فأحب الفقراء يقول عند طالب مشتاق في مذكراته أوراق أيامي حيث كان طالباً معه (( كان مظهره يعلن عن فقر حال وفقدان )) .... وعلى الرغم من فقره فقد كان ذكياً متفوقاً على أقرانه حتى إن أستاذه محمود الملاح توقع له مستقبل زاهر حيث قال (( أتبنا له بمستقبل عظيم )) ... لقد أحب أصدقاءه وأعداءه لوداعته ودماثة أخلاقه حتى إن مدير مدرسته في الشامية يقول عنه (( كان ملفتاً للنظر بوداعته وقله كلامه وكان أكثر المعلمين حلماً )) ..... أما جاسم العزاوي مرافقه الخاص فيقول في مذكراته عنه (( أنه كان عفيفاً لا يحب الطمع قنوعاً لا يحب العيش في القصور .... كان مجاملا يحترم الكبير وفياً لا ينسى من سبق له الفضل )) أما صديقه ورفيق دربه مصطفى علي وزير العدل فيقول عنه (( إن عقيد عبد الكريم قاسم وطنية صرفة وعراقية صرفة كان يعبد الشعب العراقي بعد الله جاء بثورة عظيمة لكنه جاء بفنائها معها جاء لعبد السلام عارف )) .... إن الحديث عن هذه الشخصية الوطنية يطول ويطول ولا يتسع لآلاف الصفحات ... لكننا نورد في هذه العجالة بعض من موافقه المشرفة .
1. كان جده السادس عبد الله شخصية معروفة أصله من اليمن وهو الذي أوصل الماء إلى كربلاء حيث حفر نهر الحسينية فكافأته الدولة العثمانية حيث أعطته عشرات الدونمات من الاراضي الزراعية في الصويرة حيث صارت الصويرة مقر العائلة وبعد فترة أخذت الدولة العثمانية هذه الاراضي .... لكن والد عبد الكريم سافر إلى اسطنبول وأقام دعوى حصل فيها على استرجاع الاراضي وقد صدر حكم الاسترجاع قبل ثورة تموز 1958 .... وعندما تولى الزعيم رئاسة الوزراء طلب المعاملة وكتب عليها (( أنها أرض أعطيت إلى أجدادي بغير حق ويجب إن تعود إلى الفلاحين أصحابها الحقيقيين )) وحفظ المعاملة .
2. الهويدر قرية معروفة بنضالها العتيد عرفت الافكار الشيوعية بداية الاربعينيات على يد المناضل المعروف محمد حسين الدفاعي .... كان لعيد الكريم قاسم فيها أرحام من جهة الام .... المعروف عن أهل الهويدر وحتى هذا اليوم يحبون الجلوس في المقاهي إلى ساعات متأخرة من الليل (( تعلولة )) في أحد الايام جاءت سيارة بعد منتصف الليل ونزل منها رجل طرق باب الحاج خضير عباس العنبكي القريب من المقهى وفتحت له الباب ودخل وبعد فترة قصيرة خرج فقال قسم من الجالسين هذا عبد الكريم قاسم وقسم قال لا وفي الصباح سألوا ستار أبن الحاج خضير عبد هذه الشخصية فقال لهم هذا الزعيم جاء من بغداد للاستدانه من الوالد ( 100 دينار ) بحاجه لها .
3. وفي يوم من الايام زار عبد الكريم مدينة الصدر التي وزع أراضيها على الفقراء لكون المدينة حديثة فأن الماء فيها جداً قليل وسعر تنكة الماء بـ ( 125) فلساً وتنكة النفط بـ ( 100 ) فلس فجاءت أمراه إليه وقالت له ( أكريم ) بلهجة الجنوب إذا بقى الوضع هكذا أي سعر تنكة الماء بـ ( 125) والنفط بـ ( 100 ) سوف نضطر إلى شرب النفط !! ذهب فوراً إلى أمين العاصمة وجلبه إلى المكان وقال له أريد حنفية في هذا المكان فماذا نحتاج وما هي المدة لا يصال الماء فقال المهندس كذا وكذا وسوف يصل الماء بـ ( 15 ) يوماً وفعلاً وصل الماء بالمدة المقررة .... إن مواقف هذا الشخصية الفذة كثيرة وكثيرة جداً لا تسع الاف الصفحات لذكرها .
4. وفي أحد زيارته الى مدينة الثورة ( الصدر ) والذي كان يزورها بأستمرار صادف أن راى رجلا واقفاً أمام هيكل دار فتوقف ونزل من سيارته وسلم عليه وقال له ( أراك لم تدك عملة منذ شهرين ) فقال له الرجل والله سيدي ماعندي فلوس فقال له الزعيم أحب أن أعطيك هدية قبل أنتقالك إلى البيت فهل ترضى فقال الرجل نعم وفي اليوم الثاني جلب له دبل طابوق وقال له هذه الهدية وأكمل البيت بها .
ختاماً إن بلدنا العتيد وهو يعيش الان محنة كبيرة وفي نفق مظلم ربما لا نرى النور فيه ما أحوجنا إلى شخص مثل عبد الكريم قاسم حيث استشهد ولا احد يعرف هل هو سني أم شيعي عربي أم كردي أم تركماني ولاحد يعرف عشيرته .... إن عراقنا العظيم الذي علم الانسانية والبشرية القراءة والكتابة وسن القوانين وعاش سنون عجاف في ظل حكم شمولي دكتاتوري وضع الثقافة وكل ما هو نير تحت حذاء السلطة الثقيل يؤسفنا ما ألت الامور فيه بشكل الذي نراه من قتل وأرهاب وطائفية وساسة اتعبنا جهلهم وأمية تصرفاتهم ولاهم لهم سوى أعمار الجيوب أم أعمار الوطن فهي على القارب لحنهم الاول وتر الطائفية البالي الذي لا يعزف عليه إلا العاجزون والطائفية سلمهم الاول للوصول إلى البرلمان وكرسي السلطة .... لقد كان عبد الكريم قاسم عبرة لساسة الامس ويا ليته عبرة لساسة اليوم حيث رحل إلى دار الخلود ولم يمتلك داراً ولا عقاراً ولا رصيداً في بنك ولا دونماً أرضاً لكنه ملك الاف الهكتارات في قلوب محبيه من ابناء شعبنا الابي ولكن إلا من معتبر .
* مدير عام تربية ديالى السابق