فضاءات

البهرزيون.. في وثبة كانون

محمد فخري حسن - حاتم الملا عبد اللطيف علي
شكلت وثبة كانون الثاني 1948حدثا مفصليا في تاريخ الحركة الوطنية العراقية عموما وفي مسيرة التنظيم الشيوعي في بهرز خصوصا حيث إنها كانت الانطلاقة الحقيقية للتنظيم الشيوعي فيها بعد أن اثبت الواقع الميداني-النضالي قدرة العمال والفلاحين الشيوعيين في قيادة الجماهير البهرزية تنظيميا وسياسيا نحو تحقيق الأهداف التي تصبو في الوصول إلى تحقيقها ومنها الاستقلال السياسي والاقتصادي للعراق والتخلص من الاحتلال البريطاني لبلاد الرافدين .
وكانت التظاهرات قد ابتدأت في العاصمة بغداد يوم 5 كانون الثاني / 1948 بطلاب ثانوية الكرخ بعد ان وقعت معاهدة 1930 والتي رفضتها الأحزاب الوطنية ومنها الحزب الشيوعي ..والذي كانت صحيفته السرية القاعدة - وكانت تصل إلى بهرز سرا - قد بدأت في توجيه الدعوات إلى جماهير الشعب العراقي لإسقاط حكومة صالح جبر منذ وقت مبكر سبق الوثبة وبالتحديد عام 1947.
خرجت التظاهرة الأولى في بهرز والتي كانت الامتحان العملي الأول للشيوعيين ولتنظيمهم فيها من منطقة الشاني الفضوة- حيث تجمع أهالي بهرز بمختلف اتجاهاتهم وميولهم وأعمارهم يقودهم الشيوعيون حاملين الشعارات المعروفة يومها والتي كانت تنال من صالح جبر ونوري السعيد وتدعو لاستقلال العراق وإنهاء الاحتلال ......قاطعة شارع بهرز الرئيس الآن باتجاه منطقة السوق والتي هي قلب القرية يومها ومازالت حيث كان الجمع هادرا وقويا في مسيره وصيحاته الغاضبة على عملاء الاحتلال وسارقي قوته وواضعي رموزه الوطنية في السجون (كان فهد ورفاقه في المعتقل) وقد وصلت التظاهرة إلى نهايتها قرب جامع أبي الغيث مخترقة سوق بهرز بعد أن التقت مع تظاهرة أخرى انطلقت من السوق يقودها إبراهيم شكر النعيم وهاتف عبيد المكي والتقت التظاهرتان وسارتا إلى إن وصلتا إلى ديوخانة آل ثابت وعادت التظاهرة الموحدة الى بداية الأنطلاق حيث صاح المرحوم إبراهيم شكر النعيم بالمتظاهرين بكل ثقة بعد أن أدت التظاهرة هدفها..... قائلا: تفرقوا باسم الحزب (يقصد الحزب الشيوعي ) فتفرق الناس كلا إلى شأنه؟!!
بدأت الاستعدادات في بهرز للانتقال إلى المرحلة القادمة بعد وصول التوجيهات من بغداد بضرورة التعبئة والاستعداد لأي أمر يرد من الحزب فكان أن حشدت الجماهير البهرزية بأعداد كبيرة جدا حيث كان الحس الوطني الكبيرالى جانب نشاط الشيوعيين وازدياد شعبيتهم بعد التظاهرة الأولى حيث توجه البهرزيون إلى بغداد بواسطة سيارات الحمل الكبيرة والصغيرة ووصلت للباب الشرقي حيث كانت الوفود من المحافظات والاقضية والنواحي تتوافد كأنها بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا.
....حيث فوجئ المشاركون بالعدد القادم الذي يمثل تلك القرية النائية بهرز والذي كان كبيرا جدا بمقاييس ذاك الزمان، وكان عددهم (1055) مشاركاً كانت التظاهرة كبيرة جداً اولها في الباب الشرقي عند حديقة الأمة ونهايتها عند مقبرة الشيخ معروف الكرخي في الباب المعظم .
وعند انطلاق الفعاليات الجماهيرية والشعبية حمل الجواهري الكبير على الأكتاف وألقى رائعته المشهورة ...أخي جعفرا .... الذي استشهد في الوثبة فألهمت الحماس والتكاتف بين المشاركين .....
وجاء بعدها دور البهرزيين في تقديم مافي جعبتهم فحمل الشاعر الشعبي الكبير عبد القادر الرحبي الملقب بـ ( أبو فقط ) على الأكتاف وألقى قصيدة هجاء لاذعة جدا بلغت (28) بيتا نالت من صالح جبر ونوري السعيد في أكثر من موضع والتي مطلعها ( يادكة اللي بالجسر للموت ماننساها ....شعب وأجانب تعترف صالح جبر سواها).
ولقد سجل البهرزيون أروع ملاحم التماسك الاجتماعي والوطني في المشاركة بالوثبة العظيمة
وسيبقون أبدا رافعين شعارات الاستقلال للعراق والحرية والسعادة لشعبه .
*اعتمدت هذه الورقة بالدرجة الأساس على شهادة الحاج مصطاف التويل أبو صفاء احد المشاركين في الوثبة، أطال الله عمره، وكذلك شهادة الأستاذين احمد غايب وأكرم قدوري الحاج .