فضاءات

حكايات مرعبة من داخل المستشفيات الأهلية ! / ايهاب القاضي

اذا لم نهمل حالات الوفاة التي تحصل بسبب خطأ أو اهمال يرتكبه طبيب أثناء اجرائه عملية جراحية، فان هذه النسبة تكاد لا تذكر مقابل أسباب الوفاة العديدة الخارجة عن ارادة الطبيب في كل الأحوال، بل أن الكثير من حالات الوفاة سببها انكار المريض قبل اجرائه العملية وعدم اجابته بصدق على بعض الأسئلة المهمة التي يعرضها عليه الطبيب الجراح أو الطبيب، اختصاص التخدير الذي يجري له عملية التخدير، أو بسبب اهمال المريض نفسه وعدم التزامه بتعليمات ووصايا الطبيب بعد اجراء العملية.
على الرغم من كل هذا يقوم الكثير من ذوي المرضى الذين تجرى عمليات جراحية لمرضاهم، في مستشفى أهلي ويتوفى المريض بعد اجراء العملية , يقومون باطلاق التهديد والوعيد واقتحام المستشفى والبحث عن الطبيب الجراح وطبيب التخدير لقتلهما، والإعتداء الصارخ على العاملين في المستشفى، من اداريين وممرضين وموظفي استعلامات وعمال خدمة أحياناً، وكذلك تحطيم زجاج واجهة المستشفى والأثاث. ليصل الأمر أحياناً إلى رمي الإطلاقات النارية في الهواء، إخافة للطرف الآخر، ولا ينتهي الأمر إلاّ بالفصل العشائري الذي يفرض على الطبيب؛ بالرغم من عدم تقصيره في إجرائه العملية لمريضهم، فيضطر الطبيب الى دفع المبلغ الذي يتم التوصل الى الاتفاق عليه مع وسطاء من أهل الخير والإصلاح، لذوي المريض تعويضا لهم ,فضلاً عن إعادة كل دينار لهم قاموا بدفعه عن العملية قبل إجرائها للمريض. فيأخذون هذا المبلغ عنوة، بالرغم من علمهم قبل غيرهم أن ما يأخذونه، ماعدا ما دفعوه أجورا عن العملية باطل ومخالف للشرع والعرف والقانون. وما دفعه لهم الطبيب، إنما هو لاتقاء شرِّهم ودرء الخطر الذي قد يصيبه أو أحد أفراد عائلته جرّاء تهديدهم له.
انها أعراف وتقاليد بالية، بدأت تستفحل يوماً بعد آخر، نتيجة للإنفلات والفوضى التي عمت كل شيء، وغياب النظم والقوانين التي تحول دون وقوع مثل هذه التصرفات السلبية.
بين المستشفيات الحكومية والأهلية
إلتقينا بعد ذلك الدكتور أحمد راجح الذي تحدث قائلاً: أحيان نجد وفاة المريض في المستشفى الحكومي، في نظر الكثيرين، أمرا عاديا جداً، بينما في المستشفى الأهلي مصيبة تستوجب الفصل العشائري والإبتزاز اللامشروع.
ثم أردف قائلاً: أعمل في مستشفى حكومي، خمسة أيام من كل أسبوع، فيما أعمل يوما واحدا من الأسبوع في هذا المستشفى الأهلي، مساعدا للأستاذ الدكتور الجراح الاختصاص، وطبيعي أن تحدث حالات وفيات لبعض المرضى، إلاّ أن أغرب ما لاحظته من خلال عملي، أن ذوي المريض الذي يتوفى في مستشفى حكومي، يتقبلون الأمر بكل رحابة صدر أحيانا، ولا تتعدى المسألة بكاء بعضهم وصراخ وعويل بعض النسوة وتسلمهم جثة المتوفى وشهادة وفاته بكل هدوء ورحابة صدر، على الرغم من وجود حالات استثنائية أحيانا، فيما يشكل موت المريض في مستشفى أهلي كارثة وطامة كبرى، لا تحل إلاّ بالفصل العشائري.
قلبوا عاليها سافلها والسبب "صونده" !
فيما عقبت آلاء صادق، مسؤولة استعلامات احد المستشفيات الأهلية في بغداد قائلة:
مضى على اشتغالي في هذه المستشفى أكثر من ثلاث سنوات ولم تحدث عندنا سوى حالة وفاة واحدة، حصلت لمريض بعد أن أجريت له العملية بنجاح تام وغادر المستشفى على أن يحضر بعد أربعة أيام إلى عيادة الطبيب الذي أجرى له العملية لرفع "الصوندة" والكيس الخاص باستقبال الإدرار، الذي يبقى مع المريض مدة خمسة أيام، يحضر بعدها إلى عيادة الطبيب الذي أجرى له العملية، ليتم رفع "الصوندة" منه. إلاّ إننا فوجئنا بعد أيام بدخول جماعة غاضبة، وأحد أفرادها كان شاهراً مسدساً، وراحوا يسألون عن الطبيب الذي أجرى العملية لمريضهم، ولحسن الحظ أن الجراح الذي أجرى العملية لم يكن موجوداً في المستشفى في ذلك اليوم، حيث كان مسافراً ليحضر مؤتمرا طبيا دعي الى المشاركة فيه في المملكة السويدية. وبعد أن تأكد لهم صدقنا في عدم وجود الطبيب، قاموا بتكسير كل ما كان أمامهم من زجاج وغيره وهم يهددون ويتوعدون، ما أثار رعباً حقيقياً في نفسي، مازلت أتذكره بكل تفاصيله المرعبة، ولم يكفهم هذا، بل كتبوا على عيادة الدكتور عبارة، "مطلوب دم"، وكان ذلك كافيا لأن نعيش أياماً مليئة بالخوف والقلق والرعب، حتى عاد الطبيب، وبعد مساومتهم له عن طريق وسطاء، ومحاولتهم ابتزازه بدفع عشرات الملايين لهم تعويضا عن مريضهم المتوفى، إلاّ إن الطبيب، رفض طريقة تعاملهم معه بهذا الأسلوب الهمجي المتخلف، وعرض على الوسطاء حلاً مهنياً سليماً، يتمثل في عرض مسألة وفاة المريض على لجنة من الأطباء الاختصاص، يقومون بدراسة حالة المريض من خلال "الطبلة" التي تحتفظ بها إدارة المستشفى، وبترشيح وإشراف نقابة الأطباء والصيادلة، على أن يلتزم الطرفان بما تقرره اللجنة، إلاّ أن ذوو المريض، رفضوا هذا العرض، وأصروا على دفع الطبيب لهم، عشر "شدات"، وإلاً سيقتل هو أو أحد أفراد أسرته، في مقابل مريضهم المتوفى. وعلى الرغم من ثقة الطبيب بنجاح العملية وبطلان ما يطالبونه به، وكي يتخلص من حالة الشد والتوتر التي عاشها طوال تلك الأيام، فضلاً عن تعطيل عمله في عيادته وفي المستشفى، اضطر إلى الاتفاق مع الوسطاء على دفع مبلغ "شدة" واحدة لهم، على أساس واجب الفاتحة وليس التعويض، فوافقوا على ذلك، ولحسن الحظ، وقبل أن يتم تسليمهم المبلغ، حضر أحد أقربائهم وأبلغنا عن السبب الحقيقي في وفاة المريض، وهو قيام المريض بسحب الصوندة المشكلة له بكيس الإدرار من تلقاء نفسه؛ ما تسبب له في حدوث نزف شديد أدى إلى وفاته. وبعد أن انكشفت الحقيقة عن طريق هذا الشخص الذي لم يكن قاصداً فعل الخير بل من قبيل الغيرة والحقد على ذوي المريض الذين عرف بأنهم سيحصلون على مبلغ عشرة آلاف دولار. عندها انعكس الأمر وصار ذوو المتوفى يتوسلون من أجل مسامحتهم وإعفائهم من تعويض المستشفى عن الأضرار التي ألحقوها بها، ومسألة التهديد بإشهار السلاح، فتم الاتفاق على طردهم واعتبار ما قاموا به من قبيل الجهل والرعونية والطمع.
سعدون جابر وياس خضر في المستشفى
عند ولوجنا أحد المستشفيات الاهلية وعن طريق الصدفة، وجدنا الفنانين الكبيرين سعدون جابر، وياس خضر، فتحدث الفنان سعدون قائلاً: بعد مراجعة الطبيب الإختصاص، وإجرائه الكشف اللازم على الفنان ياس، نصحنا بإجراء العملية في المستشفى الأهلي التي يُجري فيه عملياته لمرضاه. ثم استدرك جابر قائلاً: بالمناسبة، عندما نصحنا الطبيب بهذا، لم يكن قصده الإستفادة المادية أو إرغامنا على ذلك. فقد تبرع بإجراء العملية للفنان ياس على حسابه الشخصي، لكونه من المعجبين بالفن والفنانين.
من جانبه، عقب الفنان ياس خضر قائلاً: للأسف، قسم من الأطباء يسيئون لسمعة مهنتهم الإنسانية، من خلال استغلالهم حالة المرض المفروضة على البعض من الناس، وبالخصوص الفقراء منهم، في الوقت الذي نجد فيه آخرين منهم لا يزالون محافظين على هذه الصفة من خلال تعاملهم الإنساني الرائع مع المرضى، وبالخصوص الفقراء منهم، مجسدين مبدأ "الطب مهنة إنسانية"، وفي هذه المناسبة، إسمحوا لي بتقديم شكري الجزيل لجريدتكم الغراء، طريق الشعب، وأقدم من خلالها شكري لجميع من تعامل معي بهذا التعامل الإنساني النبيل، ورفضهم أخذ أي مبلغ مني، تقديرا منهم للفن والفنانين.
وشجابك على المر غير الأمر منه
وقالت السيدة أم سمير:"ان حالات الإهمال وضعف الخدمات في المستشفيات الحكومية، ألجأتنا الى المستشفيات الأهلية"، ثم أردفت قائلة:"بالرغم من كوننا من ذوي الدخل المحدود، وبسبب الإهمال وعدم الإعتناء بالمرضى في المستشفيات الحكومية؛ اضطررنا الى إجراء العملية في المستشفى الأهلي، وإن كلفنا ذلك فوق طاقتنا وقدرتنا المادية؛ لأننا لا نستطيع المجازفة بحياتنا أو صحتنا".
وأضافت:"نتمنى على المسؤولين في وزارة الصحة، أن يعملوا على تحسين الواقع الصحي في بلدنا العزيز، والإرتقاء بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين وتخفيف العبء عن كاهلهم من الناحية الصحية, حتى لا يضطر المواطن إلى مراجعة المستشفيات الأهلية واستغلال بعضها له.
ماكو بلوه الا ووراءها "صدام"
في المستشفى الثاني ,التقينا المريض ناجي الحسيني الذي بدأ كلامه بالقول:"وجع ساعه ولا كل ساعه"، ثم أردف قائلاً: عمليتي التي أنتظر إجراءها، رفع كُلية، حيث تم إجراء جميع الفحوصات اللازمة لي للتهيئة لإجراء العملية، من تحليلات مختبرية وتحضير دم وتخطيط للقلب وما إلى ذلك، وكما بينت لكم أنا الآن أنتظر دوري لتجرى لي العملية. وقد وافقت على إجرائها  عملية رفع كُلية، لأتخلص من الآلام التي تنتابني كل يوم.
وأضاف قائلاً: السبب في تلف كُليتي التي أعاني منها سنيناً طويلة، هو ضربة شديدة تعرضت لها من أحد عناصر الأمن المجرمين أثناء تعذيبي في دائرة أمن النظام المقبور، ورغم معالجتي المستمرة ومتابعة طبيبي الخاص لحالتها التي وصلت حداً يستوجب إجراء العملية التي سيجريها لي طبيبي إن شاء الله.
قلق والده
طفل جميل وبعمر الزهور، جاءت به أمه لتجري له عملية جراحية كبيرة بالنسبة لعمره الغض، "تشوه ولادي في الخصية"، ولهذا بدت الأم قلقة مضطربة، لا يستقر بها مقام، ولا تتوقف عن الدعاء لوحيدها الذي أيتمه القتلة المجرمون، والتي اكتفت وهي تحبس دموعها الرقراقة في عينيها، بالقول: ادعوا معي لولدي اليتيم هذا.
والله بلوه
أما البايولوجي إيثار حسن، صاحب مصرف الدم في مستشفى أهلي، فقد تحدث قائلاً:
قبل دخول المريض صالة العمليات، نقوم بإجراء مطابقة لدمه "كروسماچ"، وبعد إجراء المطابقة له، نطلب من مرافقيه بعد تزويدهم بكتاب منا، الذهاب إلى المركز الوطني لنقل الدم في باب المعظم، والتبرع بالدم وتزويدنا بوصل التبرع، وبحسب عدد القناني التي يحدد الطبيب وجوب تهيئتها وتحضيرها، وعند إجراء العملية، نكون قد هيأنا قنينة نعيد مطابقتها على الرغم من كونها مفحوصة من قبل المركز الوطني لنقل الدم فحوصات كاملة، للتأكد من مطابقته لدم المريض تحرزاً من احتمال وقوع خطأ في الفحوصات وصوناً لحياة وصحة المريض الذي تجرى له العملية، ويتم إعطاؤه هذا الدم فيما لو حصل عنده نزف أو احتاج اليه.
وأضاف: جدير بالذكر، أن عملنا في مصرف الدم، يعد مكملاً وعنصراً فاعلاً في نجاح العملية، فعلى سبيل المثال، إسمحوا لي بأن أذكر لكم ما حصل لأحد المرضى الذين أجريت لهم عملية "پروستات" قبل بضعة أشهر، وبما أن الطبيب الجراح وطبيب التخدير يعتمدان على نتائج التحليلات المختبرية وتخطيط القلب ومطابقة الدم التي نقدمها لهما، فإنني أسأل المريض عمّا إذا كان يتناول حبوب أسپرين الأطفال من عدمه، فإن نفى تناوله الأسپرين أو توقفه عن تناوله له فترة إسبوعين أو أكثر، فإنني أباشر بالفحوصات اللازمة للعملية، أمّا إذا قال إنه مستمر في تناوله، فأبلغه بوجوب تأجيل العملية فترة إسبوعين يتوقف خلالهما عن تناول الأسپرين، وبعدها بإمكانه الحضور وإجراء العملية، لكون حبوب الأسپرين هذه، تحول دون تخثر الدم الذي تتطلبه العملية. لكن ما حصل قبل بضعة أشهر، هو ما حصل بعد إنتهائنا من جميع العمليات، وكل مريض استقر في الغرفة المخصصة له، غادرت المستشفى كالمعتاد، ولكن ما أن دخلت البيت، وإذا بالطبيب المقيم يكلمني طالباً مني العودة إلى المستشفى فوراً، لأن المريض "س" حصل عنده نزف شديد لم يتمكنوا من إيقافه، ما يتطلب تحضير كميات من الدم وإعطاءها له إنقاذاً لحياته. وقد عدت فعلاً إلى المستشفى، وبعون من الله العلي القدير تمكنا من إيقاف النزف وإعادة النشاط والحيوية إلى المريض بعد أن وقفت قدماه على حافة قبره. وقد كلفنا ذلك السهر معه حتى الساعات الأخيرة من الليل وإعطاؤه خمس قنانيً دم. وأجمل ما في الأمر، أن المريض بعد تماثله للشفاء، اعتذر منا وشكرنا على ما بذلناه من جهود استثنائية لإنقاذ حياته، واعترف بأنه هو السبب في ما حصل له، لأنه كان مستمراً على تناول الأسپرين، والسبب في إنكاره، هو خوفه من تأجيل إجراء العملية له، ولمَّا لمته على تصرفه هذا، قال لأنه لم يكن يتوقع حصول نزف عنده. والسؤال الذي طرحته على أولاده:"بربكم، لو كان الوالد قد توفي لا سمح الله ماذا كنتم فاعلون؟، هل ستلقون اللوم على والدكم؟ أم ستطالبوننا بالفصل العشائري كما يفعل البعض؟
البيت بيت أبونه.. والغربه يزاحمونه!
الدكتورة "مسرَّة"، طبيبة تخدير، تحدثت قائلة:
معلوم لدى الجميع، أن طبيب التخدير لا مجال له للعمل سوى في المستشفيات الحكومية والأهلية، لكونه لا يستطيع فتح عيادة أسوة بالتخصصات الطبية الأخرى، وبالرغم من أن طبيب التخدير يعد البوابة الرئيسة للموافقة وتقدير إمكانية إجراء العملية للمريض من عدمه، ونتيجة للنقص الذي تشهده مستشفياتنا في هذا الإختصاص، فإن وزارة الصحة تعمد الى التعاقد مع أطباء تخدير من دول أخرى، كالهند وغيرها لسد النقص في هذا الاختصاص المهم، بأجور شهرية باهظة لا تقل عن ألف دولار لكل طبيب تخدير، في الوقت الذي ترفض فيه منح مخصصات معقولة لأطباء التخدير العراقيين مقابل عملهم الإضافي لسد النقص وتعويضه.
يضربون الزغير حتى يخوفون الكبير!
هذا ما قاله المعين "كرار"، الذي شاركنا الحديث، وهو شاب اضطرته ظروفه الى هذا العمل، قالها وهو لا يدري ماذا يفعل، أيبكي ويطلق دموعه التي كان يحبسها وهو يتحدث الينا، فيعبر عن الظلم والتعدي الذي وقع عليه من قبل ذوي المتوفى، أم يبتسم ساخراً من جهلهم ورعونيتهم التي عبروا عنها من خلال اعتدائهم عليه وضربهم له، بالرغم من أنه ليس طرفاً في شفاء المريض أو موته.
"كرار" قال ساخراً، مطلقا ضحكة امتزجت بدموعه ,قائلاً:"ما أدري يمكن اشتبهوا بيَّ عبالهم آني السوّيت العمليه لأبوهم"، مبينا أن ما تعرض له يشبه المثل الشعبي القائل:" يضربون الزغيِّر حتى يخوفون الچبير"!
الدنيا بعدهه بخير
الدكتور فيصل حارث تحدث قائلاً:"كانت تصرفات ذوي المرضى قبل9/4/ 2003 في حال وفاة مريضهم، سواء حدث هذا في مستشفى حكومي أم أهلي على حد سواء، ليست بمستوى ما يحصل الآن، فذوو المريض الذي يتوفاه الله بعد أو خلال اجراء العملية الجراحية يتقبلون الأمر بكل هدوء ورحابة صدر، حيث يتسلمون جثة مريضهم المتوفى مسلمين أمره وأمرهم إلى الله ، ولا أتذكر ولو مرة واحدة قبل التاسع من نيسان عام 2003، قد حصلت حالة اعتداء واحدة على أي طبيب أو ادارة مستشفىً، حكوميا كان أو أهليا، إلاً أن ما رأيناه أو نسمع بحصوله لزملاء آخرين يعملون في مستشفيات أهلية أخرى، من حالات اعتداء همجية، وتهديدات رعناء ومطالبات لا مشروعة ولا قانونية بإعطائهم مبالغ تبدأ بأرقام فلكية وتنتهي في معظم الحالات بدفع "شدة أو شدتين"، يدفعهما الطبيب ليريح باله ويكفي نفسه من شرورهم، ويتوجه الى ممارسة عمله وهو مطمئن وهادئ البال، ولو تفكرنا قليلاً في هذا التغيُّر وأسبابه ودواعيه بالنسبة للكثيرين وليس الكل، إذ كما يقال:" الخيرين بعدهم موجودين والدنيا بعدهه بخير"، أنما ترجع إلى الخوف من العقاب الذي كان يفرضه القانون والنظام آنذاك، وليس رادعهم الأخلاق والقيم والمبادئ.
لابد من حماية المستشفيات والأطباء
في جولتنا التحقيقية هذه، التقينا الأستاذ الدكتور "ح، ل"، اختصاص جراحة المسالك البولية والتناسلية، فتحدث قائلا: منذ أكثر من عشرين سنة وأنا أقوم بإجراء عمليات جراحية لمرضاي، سواء في المستشفيات الحكومية أو الأهلية، فضلاً عن تدريسي في الكلية الطبية. ولم تحصل عندي طوال المدة المذكورة سوى خمس حالات وفاة لمن أجريت لهم العمليات، إثنتان منها قبل 9/4/2003 وقد مرتا بسلام، إذ لم أسمع من ذوي المرضى كلمة لوم واحدة، بل كل ما سمعته منهم عبارة عن كلمات تعبر عن الشكر والامتنان، واعترافهم بأنني لم أقصر في أداء ما علي من واجب، وإن هذا "حد يومه وخبزته انتهت"، وهم يرددون قوله تعالى:"إنا لله وإنا إليه راجعون"، حتى أن إحدى الأسرتين رفضت تسلم المبلغ الذي دفعوه عن العملية، بقولهم:"هذا حقكم، لأنكم سوّيتوا العليكم، وهذا أمر ألله ولا اعتراضَ على أمرالله". بينما الحالات الثلاث التي حصلت بعد 9/4/2003، فقد انتهت جميعها بما يعرف بالفصل العشائري. ما يدفعني الى التفكير جدياً في اتخاذ قرار حازم بالهجرة أو ترك المهنة والخلاص من هذه المنغصات. ولولا حبي لوطني ووفائي لأبنائه الكرماء، لنفذت قراري. وأزيدكم علماً أنَّ خمس حالات وفاة من بين مئات العمليات التي أجريتها طوال العشرين عاماً الماضية، تعد رقماً قياسياً يحسب للطبيب ولا يحسب عليه.
احمونا قبل الاضطرار الى الهجرة
وختم الدكتور حديثه بالقول: لكي نحافظ على من تبقى من المتميزين من ذوي الخبرة والكفاءة والاختصاص؛ خصوصا ونحن نعيش هذا الظرف الاستثنائي الذي يتطلب وجودهم، والاستفادة من خبراتهم المتميزة، ومنعهم من التفكير بالهجرة أو ترك عملهم الطبي الذي بات بلدنا في هذا الظرف هو في حاجة ماسة اليه؛ أدعو وزارة الداخلية ونقابة الأطباء والصيادلة إلى العمل على توفير الحمايات اللازمة لمستشفياتنا الأهلية، أسوة بالمستشفيات الحكومية، وحماية الأطباء الاختصاص. وأعتقد أن الكل يعرفني والحمد لله، بالرغم من كوني دكتوراه اختصاص وأستاذا جامعيا ولست من الطامعين الجشعين، والدليل على ذلك؛ أجرة كشفي على المريض لاتزال عشرين ألف دينار فقط، ولو أردت رفعها إلى خمسين ألفاً لما نقص من مراجعيَّ مريض واحد.
كلشي بحسابه
من جانبها عقبت الأستاذة الدكتورة "ر، د"، طبيبة اختصاص نسائية وتوليد وأمراض العقم، وصاحبة احد المستشفيات الأهلية ,قائلة:"أتضامن مع زميلي الأستاذ الدكتور "ح، ل"، وأضم صوتي إلى صوته في مطالبة كل من وزارة الداخلية ونقابة الأطباء بالعمل الجاد والسريع، لتوفير حمايات للمستشفيات الأهلية أسوة بالحكومية، حفاظا على أرواح المواطنين، خصوصاً ونحن نعيش ظرفاً أمنياً غير مستقر، وإن جميع الدوائر والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، تعد هدفاً سهلاً للإرهابيين القتلة المجرمين، ولو فكرنا في تعيين حمايات من جانبنا، يتحمل المستشفى تكاليف تعيينهم، من رواتب وغيرها، فهذا يعني تحميل هذه الكلف أو معظمها، من الأجور التي نتسلمها من ذوي المرضى ثمنا لاجراء العمليات، بينما هم أساساً متعبون وبالكاد يدفعون الإجور التي هي أساساً مضغوطة ولا تتحمل دفع شيء منها لأي غرض كان، لأن مصاريف المستشفى كبيرة ومرهقة، لذا نطالب وزارة الداخلية بتحمل مسؤوليتها التي تقضي بحماية أرواح المواطنين من خلال توفير الحماية اللازمة لهم.