فضاءات

مذكرات صحفي / حمدي العاني

الرسالة الاولى
وصلتني رسالة بريدية من الرفيق الراحل صفاء مهدي العاني وكان آنذاك طالبا في اعدادية الكرخ في بغداد أواخر عام 1952، يصف لي تظاهرات انتفاضة عام 1952 والشعارات التي كانت تحملها جماهير بغداد.
تطورت كتابة هذه الرسائل البريدية الى ارسال رزم بيد السائقين القادمين من بغداد الى عنه ( وبدون تحفظ ) مغلفة ومحكمة بدقة ومحتوياتها اعداد من جريدة القاعدة ومنشورات اتحاد الشبيبة والمرأة والعمال والصحف العلنية التي كانت تصدر آنذاك ومنها جريدة الاهالي والاستقلال والرأي العام وغيرها , وكنت اوصل الصحف العلنية الى استاذي مدرس الكيمياء في ثانوية عنه ( الراحل كمال النعيمي )، من اهالي بغداد.
تم تشكيل لجنة لادارة النشاط السياسي من الطلبة والشبيبة ممثلة بالراحل الرفيق حامد ايوب والرفيق الراحل ابراهيم الشيخ والرفيق الراحل كريم شريف وكاتب هذه السطور.
استمر وصول الرزم الشهرية ( البريد الحزبي ) الينا تباعا من بغداد الى اليوم الذي تم فيه القاء القبض علينا جميعا بأمر من مديرية التحقيقات الجنائية انذاك , فوصلنا بغداد مخفورين ومقيدين بسلاسل حديد ( كلبجات ) ولانعلم ماذا جرى. وبعد التعذيب النفسي والجسدي اللذين مررنا بهما، تجاوزنا هذه المحنة بامتياز ومن خلال الاسئلة التي كانت تطرح علينا من المحققين، تبين لنا ان الرفيق الراحل صفاء العاني قد اعد رسالة بريدية ووقعت في قبضة التحقيقات الجنائية، وتشير هذه الرسالة الى كافة التفاصيل (من البريد السري الى اسم السائق الناقل) كما تشير الرسالة الى مبادرتنا بتشكيل لجنة الطلبة التي عبر عنها في رسالته بأنها اي اللجنة كانت مسماراً في نعش الاستعمار والرجعية , كما حدثني الموقوف معنا الراحل الرفيق كريم شريف.
توكل دفاعا عنا الرفيق الشهيد الراحل توفيق منير ممثلاً عن لجنة العدالة في نقابة المحامين. ثم أطلق سراحنا بعد مرور عشرة أيام قضيناها في المعتقل.
الرسالة الثانية
رفضت ادارة ثانوية (عنه) دوامنا بعد اطلاق سراحنا بانتظار ما يقرره مجلس ادارتها, فطلب منا استاذنا كمال النعيمي تنظيم شهادات نقل الى الثانويات التي نرغب في الانتقال اليها. فذهب الرفيق الراحل حامد ايوب الى ثانوية الديوانية وانا ذهبت الى ثانوية الفلوجة والرفيق الراحل كريم شريف ذهب الى بغداد ليعمل في ورشة للنجارة والرفيق الراحل ابراهيم الشيخ بقي في عنه ثم انتقلت انا من الفلوجة الى بغداد وتعرفت على الرفيق الراحل خضير عباس ( ابو ماجد ) وبدوره سلمني الى الرفيق الراحل عبد علوان الطائي نهاية عام 1954 وكنت انقل البريد?الحزبي من وكر طاطران بواسطة عبد علوان الطائي الى السائق تركي العاني لايصاله الى منظمة الحزب في عنه ويساعدني على ذلك معطفي الذي اشتريته من سوق الملابس المستعملة ( اللنكه ) بسعر دينار وربع وكان روسي الصنع حيث كانت فيه مخابئ لوضع الرزم البريدية ( في الكتافيات ونهايات المعطف من الاسفل ).
في 15 شباط 1955 القي القبض عليّ من قبل شرطة التحقيقات الجنائية في مكتب المحامي موسى الشيخ راضي وكان في حوزتي نسختان من جريدة القاعدة بعد ان كنت قد وزعت ثلاثاً منها وتبين فيما بعد دهم التحقيقات الجنائية وكر طاطران والقاء القبض على الرفيق احمد الداود والرفيق الراحل عبد علوان الطائي والرفيق الراحل مهدي عبد الكريم والرفيق الراحل عبد الله علك وزوجته واطفاله والرفيق سامي سيدهم بغدادي ( مصري الجنسية وعضو لجنة بغداد للحزب ) والرفيق المحامي عدنان الديو , وخارج الوكر القي القبض على اكثر من عشرة رفاق ورفيقات حيث بلغ ?لمجموع اكثر من عشرين مناضلة ومناضلاً .
اجتزنا جميعا بعد التعذيب الشديد هذه المحنة بامتياز ايضا وكان نصيبنا من الأحكام هو من كان في الوكر سنتين سجناً وسنتين مراقبة ومن كان خارج الوكر سنة سجن وسنة مراقبة.
الرسالة الثالثة
دخلنا السجن الانفرادي في بعقوبة يوم 4/6/1955 وكان الجو العام متوترا بين السجناء وأدارة السجن ,وكانت هناك مكتبة صغيرة تحتوي على الكتب الماركسية والتقدمية وجريدة الحزب المركزية والبيانات التي أصدرها الحزب آنذاك , كما كانت هناك فرقة غنائية خاصة للأحتفال بالمناسبات الوطنية والأممية ويرأس هذه الفرقة الرفيق غازي محسن شريف .
وبعد الأحتفال بثورة العشرين 30/6/1955 هاجمت قوه عسكرية السجن في 2/7/1955 وتم تجريدنا من هذه المكتبة الصغيرة ,وتلت الأحداث المأساوية علينا وهي أسوء فترة في تاريخ العراق السياسي على السجناء السياسيين حتى ثورة 14/تموز/1958 ,لا صحف ولا كتب بل سمّاعة معلقة على جدار السجن لسماع أذاعة بغداد فقط في سجن بعقوبة المركزي وبالسجن الانفرادي معدومة, والمحاضرات السياسية تلقى علينا ليلا أي بعد التاسعة مساء في القواويش والمحاضر كان الرفيق كريم احمد الداود ,و السجان يلف من قاووش الى قاووش للرقابة.
وأذكر حادثة في داخل السجن الأنفرادي عن أيصال المعلومة الى رفاق الحزب في هذا الجو التعيس, فقد كلف مدير السجن الرفيق الراحل عبدالأمير عباس (أبو شلال) بتوزيع الصابون على السجناء وكان قد وصل توا من بغداد ووضع في آخر غرفة من الجناح الثاني للسجن الأنفرادي وكان لكل سجين صابونتان ونصف من الصابون الرقي ومن صابون غسل الملابس .
فأستغل الرفيق الراحل (أبو شلال) الصابونة التي قطعها عاموديا لتكون المساحة واسعة فيكتب عليها ما نشرته جريدة القاعدة عن حلف بغداد بعنوان (حلف بغداد فقاعة صابون) لاحظ السجان الذي كان يحمل الصوابين هذه الشخابيط على الصابون فسلمها ألى أداره السجن فما كان من مديرها إلا ان يستنفر (23 سجانا ) فدخلوا الى ممرات جناح السجن بنسق عسكري مدوي يهز جدران السجن وتسمع قعقعات السلاح ووقعات أحذية البساطيل على غرفة (أبو شلال) ليقول له لقد خنت الأمانة!! ليجيبه (أبو شلال) الأمانة وصلت الى السجناء ولكن عندي أمانة أخرى هي إيصال هذه?المعلومة الى كافة السجناء عن طريق هذه الصابونة.
فما كان من مدير السجن الا ان يأمر بجلد (ابو شلال ) 15 جلدة على مقعده مع وضع خطين حديدين مستقيمين بين رجليه اليمنى واليسرى مع زنجيل نمره (2) وزنجيل نمره (4) من السلاسل الحديدية التي تثبت من أسفل رجليه الى خصره وتشد بحزام ويبقى تحت الرقابة, كتبت هذه الحادثة في جريدة الفكر الجديد (بيرنوي) عام 1973 بعنوان: صابونة (أبو شلال) وبقلم أبو ماضي.