فضاءات

إلى أستاذي مع أعطر الذكريات: الفقيد د.مهدي مرتضى (1923-2011) .. / حسان عاكف

استشاري الامراض القلبية والباطنية/ استاذ الطب الباطني في كلية طب بغداد.
أشعر باعتزاز أن الفقيد كان استاذنا في طب بغداد في بداية السبعينيات، ولابد ان جميع طلابه يتذكرون ان محاضراته كانت لا تتوقف قبل إتمام الساعة مهما حاول الطلبة اللجوء الى كل المشاغبات المعهودة لإنهاء المحاضرة قبل عشرة دقائق على اقل تقدير( المشاغبات التي كنا نسميها حق الفيتو).
في العام 1979 شملته النكبة التي حلت بكلية الطب، وبالواقع الطبي العراقي عموماً، حينما أحال صدام حسين على التقاعد، بجرة قلم رصاص، أكثر من 20 أستاذا وبروفيسورا، من نخبة أساتذة الكلية وهم في قمة عطائهم، لانهم رفضوا الانتماء للحزب الحاكم.
ذكرالفقيد مرتضى في كتاب عبداللطيف الشوّاف”شخصيات نافذة” باعتباره “شخصيّة واسعة الأفق والاطلاع، عالية الأخلاق، سامية المبادئ، نزيهةً صابرة”.
بعد رحيله عام 2011 نعاه حزبه الشيوعي العراقي، وكتب عنه زملاؤه: د. عمر الكبيسي؛ “عرفت الاستاذ مهدي رحمه الله كباحث بالاضافة الى تميزه في الطب السريري من خلال بحث كان قد نشره في مجلة الكلية الطبية العراقية في الستينات من القرن الماضي”.
أما زميله د.عبد الهادي الخليلي فقال عنه “هذا المعلم المثابر والمخلص والملتزم بالوقت أيما اهتمام , مخلص لوطنه إخلاصه لرسالته في الطب، متفائل بالرغم مما لاقاه من مشاكل” .
اما الدكتور كمال حسين وهو من تلامذته السابقين فيقول عنه “بالرغم من معاناة الفقيد الشخصية بسبب افكاره وميوله السياسية وانتماءه الحزبي في بدايات حياته، والتي سجن وعذب وفصل من اجلها، بقي مهدي مرتضى مخلصا لمهنته ومتابعا لإختصاصه ووفيا لطلبته وزملاءه”
في اعوام نشاطي السري ١٩٩٠ - ١٩٩٢ أوصاني الفقيد د.رحيم عجينة ان اتصل بالفقيد، وسلمني رسالة كي يزكيني بها أمامه. حين زرته في بيته وجدته متابعا مواظباً لاذاعة “صوت الشعب العراقي”وعارفا بكثير من اخبار الحزب وسياسته العامة. كنت ازوره بانتظام وفي ليالي متباعدة نسبيا، واوصل له “طريق الشعب” و”الثقافة الجديدة” والاصدارات الاخرى. كانت زوجته السيدة الفاضلة باسمة الظاهر تحضر احيانا وتشاركنا الحديث. ولابد ان اشير انه كان كريما في دفع الاشتراكات والتبرعات… في خريف ١٩٩٢، انقطعت علاقتي به حتى عودتي الى بغداد عام ٢٠٠٠، حيث تجددت زياراتي لبيته. كانت احاديثنا ذات نكهة اخرى هذه المرة، نكهة فرح وتفاؤل بافق جديد بعد الخلاص من الكابوس الدكتاتوري، غير ان التفاؤل بدأ يخبو مع مرور الوقت، ومعه كان ابتسامته الهادئة تذبل هي الاخرى، وصار في العامين الاخيرين يفضل الصمت في جلساته ويقلل من المشاركة في الحديث مع الاخرين، واعتذر حين استفسرت منه عن امكانية مشاركته في فعاليات ثقافية او اعلامية تنظم خصيصا له او عن استعداده لكتابة شيء عن تجربته الثرة، كان يعتذر بادب جم ويفضل التزام الهدوء.
انتمى الفقيد الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي في عقد الخمسينيات، ونشط في تلك الفترة ضمن صفوف اتحاد الطلبة، وبعد ثورة تموز نشط في حركة انصار السلام ونقابة الاطباء، وترأس تحرير مجلة “المثقف” لسان حال جمعية الخريجين، وهي مجلة فكرية عامة ذات فكر علمي ثقافي تنويري.
وعن اعتقاله وفصله من الوظيفة إثر انقلاب شباط 1963 أنقل ما كتبه الصديق سلام كبة؛ (خلال اعتقاله تلقى الفقيد مرتضى شتى صنوف التعذيب في اقبية البعث الى جانب زملائه محمد الشواف،اسماعيل الجاسم،عبد الحميد البستاني، صادق الهلالي، قتيبة الشيخ نوري، رافد صبحي اديب بابان، احمد جعفر الجلبي، فاروق برتو، قسطنطين سمعان، عبد السلام محمد، خليل جميل جواد، حسين علي الوردي، فاضل تلو، عبد الصمد نعمان، عبد الحميد السعدي، حمدي شريف، الشهيد محمد الجلبي، نوري السعدي، رفعت الشيباني، عبد اللطيف حسين، ضياء خوندة، وطلاب الطب ليلى الرومي،موسيس آكوبيان، الشهيدان صاحب المرزة وفيصل الحجاج،،..الخ).
اجمع زملاؤه من الاطباء والاساتذه فيما كتبوه عنه بعد رحيله أن “ المجتمع الطبي في العراق والوطن العربي خسر بفقدان الاستاذ مهدي مرتضى قمة من قمم الطب، وبرحيله طويت صفحة ناصعة أخرى من تاريخ الطب العراقي وخسرنا مثلا أعلى في الخلق الطبي والتفاني في خدمة القيم الانسانية”.