فضاءات

نهارات صبيحة هادي الجميلة : أنقذت أرشيف الجريدة من التلف بسبب الأمطار

أكرم الخاطر
"أم وسام".. المؤرشفة العتيدة، مسؤولة الأرشيف في "طريق الشعب"، وصديقته الوفية منذ عقود، عقدت صحبتها الصامتة معه، منذ صدور الجريدة العلني في عام 1973، وتجددت صحبتها معه بعد التاسع من نيسان عام 2003.
أوفدها "الحزب" في السبعينات الى الاتحاد السوفيتي، مع مجموعة من الشباب لتعلم الطباعة في احدى المعاهد المهنية، ثم عادت لتواصل رحلتها الدافئة مع المجلدات والأضابير العديدة. فظلت الصفحات، رغم اصفرارها، تحتفظ بذات الرائحة العبقة، دون أن ينالها الضرر من تقلبات الحرارة والرطوبة والأمطار، طيلة الأعوام الماضية.
كان الأرشيف في المقر السابق للجريدة المطل على شارع أبو نؤاس محصن وجيد، ولكن بعد الانتقال الى المقر الجديد لم يتوفر له مكان مناسب. وحال هطول الأمطار الغزيرة مؤخرا، وحصول الفيضانات التي حولت بغداد الى مدينة طافية على بحيرات كبيرة، تعرض الارشيف الى أضرار مختلفة، وامتدت الرطوبة الى المجلدات وأصابتها بالأذى.
حزنت "أم وسام" على صديقاتها الصفحات الجميلة، التي تحمل ارثا خالدا، يمتد الى عشرات السنين. لكنَّ المؤرشفة العنيدة والمخلصة، قررت أن تباري الرطوبة والبلل، وتنتصر على الأضرار. فارتدت قفازين طبيين، وجلبت كفوف "الاكلنكس"، ومسكت بيدها مجفف الشعر الكهربائي، "السشوار"، وراحت تمضي ساعات النهارات، منذ هطول الأمطار وحتى هذه اللحظة، تمسك بصفحات المجلد، صفحة صفحة، بتؤدة وحرص، كأنَّ الصفحات بناتها المدللات. تغطي الصفحة بكفوف "الاكلنكس"، ثم تعرضها لهواء المجفف الحار، وحالما تنتهي من صفحة "حبيبة"، تمضي بخفة الى معالجة الصفحة التالية، ثم تعرِّض المجلد لأشعة الشمس، كي لا يطاله العفن، وينجو من ذلك الضرر المفاجئ.
فازت الرفيقة "أم وسام" في مباراتها مع الرطوبة والبلل، وانتصرت عليهما بنجاة بناتها "المجلدات الأربعة" من الضرر، راسمة صورة مميزة وصعبة، من صور الاخلاص والوفاء لارث الحزب، في تلك المباراة الصامتة والصاخبة في آن.