فضاءات

المهاجرون في مجتمع متعدد الثقافات يبحثون في وطنهم عن هذا الحلم / عبد جعفر

استضافت مؤسسة الحوار الإنساني في لندن يوم 6 تشرين الثاني الدكتور عبدالحسين الطائي في محاضرة مهمة عن المهاجرين في مجتمع متعدد الثقافات. في تقديمه للمحاضر أشار الأستاذ عدنان حسين أحمد الى أهمية الموضوع المطروح لأنه يمس الجميع ومن ضمنهم أبناء الجالية العراقية، وعرف بالمحاضر مشيراً الى أنه حاصل على البكالوريوس في اللغة الانكليزية عام 1976 من الجامعة المستنصرية. عمل في التدريس في العراق، الكويت، اليمن، الجزائر، ليبيا. وصل الى بريطانيا عام 1993 وعمل في المدارس العربية والبريطانية، واثناء اقامته ودراسته، حصل على دبلوم عال في الكومبيوتر عام 1996 في لندن، والماجستير في تخصص علم الاجتماع عام 2009 من الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في لندن والدكتوراه عام 2012 من الجامعة نفسها. لديه كتاب آخر جاهز للنشر بعنوان (علاقة المثقف بالسلطة ودوره في المجتمع العراقي 1920 – 2008).
في تناوله للموضوع اشار د. الطائي الى ان محاضرته تكونت من ثلاثة محاور هي الهجرة، والتعددية الثقافية، وبعض نتائج الدراسة الميدانية عن الجالية العراقية في بريطانيا. أن موضوع الهجرة من المواضيع المتداولة يومياً في حياتنا، لكنه محير لدول ولأنظمة سياسية ومنظمات دولية وللكثير من الفئات الشعبية الطامحة للهجرة. هذه الدول الغربية كانت في الماضي تسعى وبكل الطرق من أجل أن تجلب الناس إلى بلدانها، لكي تستخدمهم بمختلف المجالات،. لكن لديها الان اكتفاء واشباع مما جعلها تعمل بالعكس، فهي تضع كل العراقيل أمام تدفق المهاجرين، ولكنها لم تتمكن لأن لشبكات التهريب اسلوبها وطرقها الملتوية في تهريب المهاجرين.
بعد الحرب العالمية الثانية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، ظهرت بعض المنظمات التي تعمل تحت خيمة الأمم المتحدة، وعملها مكرس لحماية حقوق المهاجرين، لأن المهاجر في الماضي مهمش، مسلوب الإرادة، مستغل أبشع استغلال، ومعروف ان في كل دولة هناك شريحة اجتماعية لديها الرغبة في الهجرة بسبب عوامل الطرد الكثيرة في بلدان العالم الثالث وعوامل الجذب الكثيرة في العالم المتقدم. والهجرة بحد ذاتها كانت بمثابة عقوبة في الماضي ولكن في العقود الأخيرة، أصبح موضوع الهجرة حلم جميل وامتياز يحلم به الكثيرون.
الهجرة مهما كانت دوافعها وأسبابها فهي قرار خطير في حياة كل مهاجر، منعطف كبير يقتلعه من جذوره ومن بيئته وأرضه وفي نهاية المطاف سوف يجد نفسه في بلد آخر يختلف كلياً عن بلده الأصلي في العادات والتقاليد والأعراف، هذا طبعاً إذا وصل بسلام، لأن الهجرة الغير شرعية، خاصة عن طريق البحار، قد أكلت الكثير من البشر. وإذا وصل المهاجر إلى هذه البلدان المانحة للجوء سيجد نفسه أمام سلسلة من التحديات تبدأ في كيفية التكيف مع المجتمع الجديد وكيفية تجاوز اشكالية اللغة التي تعتبر مفصلا مهما في حياة المهاجر، لأنها المفتاح الذي يجعله ينفتح على المجتمع الجديد ويشق طريقه سواء في الحصول على العمل أو الدراسة أو غيرها. وهناك مشكلة الاندماج الاجتماعي وغيرها من الأمور، وإذا كان وحده فالامور أسهل، أما إذا كان مع زوجته وأولاده فالأمر أكثر تعقيداً، وفي نهاية المطاف سيجد نفسه أمام جيل أو جيلين أو أكثر وبالتأكيد سيواجه مشاكل كثيرة أهمها الفجوة الكبيرة ما بين الأجيال.
وحول الهجرة إلى بريطانيا، أكد د. الطائي ان الهجرة لعبت دوراً مهماً وأساسياً في تشكيل التاريخ الإنساني. فبريطانيا تمتاز بأنها خليط من أقوام متعددة، وصلت إليها من مختلف مناطق أوروبا. إن الهيمنة الاستعمارية لبريطانيا الصناعية على الكثير من دول العالم، التي يطلق عليها دول الكومنولث، قد شجعت الهجرة لأنها كانت في حاجة ماسة إلى اليد العاملة المتوفرة. لقد بدأ مشروع الهجرة المؤقتة للعمل يتحول تدريجياً إلى إقامة مستديمة معترف بها من قبل الدولة. وأخذت بريطانيا تقتنع بشكل تدريجي بهذا الواقع الجديد المتنوع، بريطانيا كانت دولة مسيحية خالصة والملكة راعية الكنيسة، أما اليوم وضمن تعدد الأديان أصبحت الملكة راعية الأديان.
وتناول الطائي في المحور الثاني للمحاضرة، التعددية الثقافية باعتبارها مجاميع من الناس من مختلف الطوائف والثقافات يعيشون بشكل مستقل جنباً إلى جنب، ويتفاعلون ضمن القواسم المشتركة، ويتبادلون الخبرات الثقافية. وأشار الى إن أول نقد وجه إلى سياسة التعددية الثقافية من الكاتب والسياسي البريطاني إينوك باول، الذي يمثل الجناح اليميني في حزب المحافظين البريطاني. معتبرا أن واقعاً كهذا سوف يسفر حتماً عن نزاعات اجتماعية جامحة تتعذر إدارتها والسيطرة عليها. وسوف تكون هذه ظاهرة جديدة غير مسبوقة في تاريخ المجتمع البريطاني. ولم يكتف باول بتوقعه بأن تحدث صراعات وأعمال شغب، بل أكد بأنه سوف تسيل أنهار من الدماء.
يشير مناوئو التعددية الثقافية بأنها يمكن أن تؤدي إلى عدم استقرار اجتماعي وفوضى، وهي سبب من أسباب تفجيرات لندن. كما أنها تساعد في انغلاق الثقافة على نفسها وتكوين إطار خاص بها بعيدا عن الإطار المشترك (الدولة). فينتج عدة أقليات في دولة واحدة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تفكيك الإطار المشترك والمجتمع. كما يؤدي الى تمركز الأقليات في مناطق معينة تبعاً للروابط العرقية أو اللغوية أو الدينية التي تجمع بينهم، بحيث يؤلفون مجتمعات صغيرة متمايزة شبه منعزلة، تكلف الدولة مبالغ هائلة وتؤثر سلباً على اقتصاد البلد. فيما يدعون بأنه وتحت مظلة التعددية الثقافية تمكن الكثير من أصحاب السوابق في بلدانهم من مختلف الجاليات إلى الدخول إلى بريطانيا.
وعلى جانب الاخر يرى مناصرو التعددية أنها جزء لا يتجزء من النظرية السياسية الليبرالية، وأحد أشكال الممارسة الديمقراطية، التي تسهل المشاركة الكاملة لجميع الجاليات في الحياة العامة. كما تساهم في تطوير التفاهم بين الثقافات المختلفة والذي يسهم في تقليل حدة الصراع الاجتماعي والتوتر العنصري أو العرقي، ويسهم في تحقيق السلم الاجتماعي. ويضربون مثلاً في تجربة التعددية الثقافية في بريطانيا والتي تمثل شكلاً متداخلاً بين السياسي والاجتماعي والثقافي والديني، حيث يثري التنوع الثقافة الوطنية. ونموذج التعددية الثقافية يعطي أولوية للتنوع، ولا يعطي أولوية لثقافة الأغلبية. ومفهوم التنوع الثقافي اكثر جذرية في عدم ربطه الثقافة بأصل عرقي أو جنسي، فيما فرض تطور الفكر الفلسفي والانساني حق الوجود والمشاركة والتعبير عن المصالح.
وعرض المحاضر نتائج دراسته الميدانية حول الموضوع والتي توصلت الى :
• لا يوجد إحصاء دقيق حول العدد الحقيقي للجالية العراقية في بريطانيا.
• تعيش الجالية العراقية حالة من الشتات، فهي عبارة عن عدد من المجاميع، تفصلها حواجز وهمية بحيث لم يتمكن الكل من الوصول إلى الكل.
• تعتبر الجالية العراقية من الجاليات التي ترتفع فيها نسبة المتعلمين والمثقفين وأصحاب المؤهلات والمواهب و العاملين بمختلف التخصصات. وتشير معظم النسب في الدراسة إلى أن للجالية العراقية دور ايجابي في التعامل والانفتاح على الآخر. -
• تفكر النسبة الأكبر بالاستقرار في بريطانيا، وتعد فكرة العودة إلى الوطن الأصلي مؤجلة.
• يشكل الجيل الأول النسبة الأكبر وهناك الفجوة بين الأجيال. ويرتبط أكثر أفراد الجيل الأول من المهاجرين بعلاقات منسجمة مع الأهل في العراق، ويشعرون بارتباط قوي بالوطن الأم، ويراودهم الحنين بالزيارة أو بالعودة. ولكن الحال تغير مع الجيل الثاني والثالث إلى حد الحديث عن قطيعة في العلاقات التقليدية، ولاسيما مع انصهار البعض وتبنيهم للقيم الغربية.
وفي ختام المحاضرة قدم الطائي عدة توصيات منها:
1- السعي لإقامة الخيمة العراقية التي تضم تحتها أكثر المؤسسات والمراكز والجمعيات العراقية المتفرقة، والعمل على توحيد جهودها في المجالات المشتركة وإيجاد قنوات تقرب العراقيين من بعضهم، ومعالجة الخلافات القائمة بحيث ينفتح كل طرف على الأطراف الأخرى على ضوء القواسم المشتركة، وصولاً إلى تشكيل هيئة لا تتعارض مع تشكيلة كل مجموعة، لتمثلها أمام الجهات البريطانية أو غيرها.
2- تتحمل الجهات والمؤسسات العراقية في بريطانيا مهمة المحافظة على ثقافة التراث العراقي بكل أشكاله الفنية والأدبية، وتوصيله بالطرق المناسبة إلى الأجيال الجديدة.
3- تفعيل دور المؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية في التأكيد على مشروعية العيش المشترك، وأهمية الحوار، والتركيز على فهم القيم الدينية، والتوعية بأخطار التطرف والتصدي للأفكار المتطرفة.
وقد أثارت المحاضرة نقاشاً متميزاً تمثل بالعديد من الأسئلة والمداخلات.
*************************