ادب وفن

المسرحية الكردية والمسرح التركي والمُخرج العربي والحُكم العثماني والمعَرض في أمريكا والتاريخ 1893

اعداد وترجمة محمد توفيق علي
تم عَرض المسرحية الكردية ضمن مساهمات الدولة العثمانية في معرض شيكاغو العالمي في العام 1893، أي بعد 7 أعوام من أحداث عام 1886 في ذات المدينة والذي يُحتفى بها سنويا كعيد العمال العالمي. وتزامنت افتتاحية المعرض مع اليوم الأول من آيار(مايس) واستمرت لغاية تشرين الأول (اكتوبر). سُمّي المعرض بمعرض كولومبوس بمناسبة الذكرى السنوية الأربع مئوية (400)لاكتشافه للقارة الأمريكية. كان مُخرج المسرح التركي هو السيد بيير بطرس انطونيوس الذي كان عربيا مسيحيا من جبل لبنان وكانت شركة المسرح التركي سورية الأصل. تضمن المسرح 65 ممثل و ممثلة و20 من المعنيين بالإنتاج والتمويل تم اختيارهم من قِبل وكلاء أرسلوا الى ولايات مختلفة من الامبراطورية لدراسة العادات والتقاليد والأزياء في مدن مختلفة فيها وتم تفاعل العاملين معها. ألقى المسرحيون نصوصهم بالعربية مرفقة بترجمة فورية الى الانجليزية للمشاهدين الأمريكيين وذلك بخلاف العروض من الصين واليابان التي افتقرت الى الترجمة. وتضمن البرنامج المسرحيات التالية: المسرحية الكردية والقصة القلمونية والرجولة الحقيقية وحفلة زفاف في دمشق وقصة عنتر بن شداد وحكاية هارون الرشيد والعروسة التركية والابن المدلل أو المفقود.
تضمن جناح “القرية التركية" في المعرض سوقا شرقيا “بازار" ضخما يتكون من اربعين الى خمسين دكان وجامعا بإدارة الامام جميل أفندي ومسرحا يسع 2500 مشاهد. وبما أن الجامع والمسرح كانا متجاورين، أملت السلطات العثمانية شروطا صارمة على فعاليات الأخير. اذ حدّد العقد "لا يجوز عرض أية مسرحية مخلّة بشرف وأدب النساء المسلمات أو مخلّة بالكرامة الوطنية وسمعتها بالقرب من الجامع". في الوقت الذي كانت التمثيليات تُعرض في داخل المسرح التركي المسمى (اوديون) الواقع في شارع “إسطنبول"، كان هناك عَرض شرقي من فرسان عرب . وفي نفس الوقت كانت عروض يومية في "القرية المصرية" الواقعة في شارع القاهرة وبرعاية بريطانيا. وحيث تم عرض "العَودة من مكّة" و"مسيرة حفلة زفاف" و"مُخيم البدو". ومن المساهمين في معرض شيكاغو العالمي كان أحد رواد المسرح العربي، السيد أحمد أبو خليل القبّاني(1835-1902) السوري الأصل وفرقته الموسيقية التي عزفت للمشاهدين من الجالية العربية في أمريكا ولعدة شهور. وصفت صحيفة" شيكاغو تايمس" عرض القصة القلمونية كما يلي: " رافقت بنتان بالعزف على آلة الدف العزف المهيمن لآلة القانون الضخمة واخرى أشبه بالعود قبل سدل الستار وغناء فرقة لنشيد(أمريكا...)". وتشبه هذه الآلات الموسيقية تلك التي كانت تُعزف في عهد النبي داود.
أدناه موجز ترجمة من الانجليزية لبحث بعنوان المسرحية العثمانية التي القيت في معرض شيكاغو العالمي في العام 1893 وبعنوان المسرحية الكردية التي القيت كندوة في مؤتمر الأقليات والثقافة الشعبية في الشرق الأوسط المعاصر: التمثيل والمشاركة والذي عقده مركز الدراسات الثقافية والأدبية وما بعد الكولونيا لية التابع لكلية الدراسات الشرقية والأفريقية (سواس) بجامعة لندن وذلك بتاريخ 12 و13 حزيران 2015. والباحث طالب شهادة الدكتوراه في التاريخ بجامعة بوغازيجي في اسطنبول. يستند البحث على وثيقة من 16 صفحة بعنوان المسرح التركي: برنامج تذكاري في"ميدوى بليزنس" المعرض العالمي في شيكاغو ونُشرت في صحيفة " ميدوى تايبس".
ان ما يسمى بالمسرح التركي كان بالأحرى المسرح العثماني لأن الممثلين والموسيقيين والراقصين ومواضيع المسرحيات كانت تمثل ثقافات وعادات وتقاليد شعوب الامبراطورية العثمانية المختلفة. اذ تطرقت الى شعوبها الاخرى كالدروز ذوي العمائم البيضاء وحتى غير المسلمة منها كالإغريق.
المسرحية الكردية
هنالك ثمانية ملخصات للحوار في مسرحيات المسرح التركي: البرنامج التذكاري. ان المثير للانتباه جدا هو كون المسرحية الاولى في المسرح التركي هي المسرحية الكردية.
برنامج المسرحية الكردية (ثلاثة مَشاهد)
مقدمة واغنيات وموسيقى
المشهد 1
مجموعة من الكرد يمثلون الحياة اليومية في البيت-الأكل والشرب والغَزل ونسيج الجوارب. يدخل حسن بحثا عن عمّه فيّاد الذي سبق وأن هرب مع زوجته وابنته التي يرفض زواجها من حسن.
المشهد 2
فيّاد مع زوجته وابنته في داخل خيمتهم وهو يشكو من المشكلة التي سببتها له ابنته. واذا بأحد رعاته يبدو وهو يلوذ بالفرار من العرب الذين هاجموا عليه وسلبوا منه أغنامه. وثم يداهم العرب خيمة فيّاد ويختطفون زوجته وابنته وينهبون كل ممتلكاته. حسن يسمع فيّاد وهو يشكو من سوء حظه. وعليه يوافق فيّاد على مضض على الزواج اذا أقدم حسن على ملاحقة العرب وأنقذ الامرأتين واسترجع الممتلكات المنهوبة. يستجيب حسن بتحشيد فرسانه ويلاحق العرب. والجيران يبدون وهم يأخذون من خاطر فيّاد في حزنه. يعود حسن منتصرا برفقة زهرة وكريمة والعديد من الأسرى. يجري الاحتفال بعودتهم بالرقص والغناء والمبارزة بالسيف والخ...
المشهد 3
يجري الاحتفال بالزواج كالعيد . رقصات حضرية كالرقصة الكوادرلية و الرقصة الاسطنبولية ورقصات اقليمية كالرقصة الدمشقية والرقصة الزيبكلية والرقصة اليونانية (الاغريقية). تم اداء هذه الرقصات في مسرحيات القصة القلمونية والرجولة الحقيقية أيضا.
ان الأدوار الرئيسية في المسرحية الكردية هي حسن وعمّه أو خاله فيّاد وزهرة وكريمة احداهما زوجة عمه والاخرى ابنته. ولرعاة فيّاد و فرسان حسن والجيران والأسرى أدوار مهمة فيها. هنالك نزاع بين الشخصيات الكردية والعربية. تشكل البطولة والحب والزواج والمال المواضيع الأساسية في هذه المسرحية. وفي المسرحية الاولى للمسرح التركي، المسرحية الكردية، توجد بعض الخصوصيات الثقافية والتقاليدية لدى الكرد والعرب، مثلا نمط حياتهم وقيمهم. وللمسرحية الكردية بعض سمات المسرحية الغربية. يريد حسن أن يتزوج من ابنة عمّه فيّاد. عقب مرور عدد من الأحداث، تختتم المسرحية بنهاية مفرحة. تعكس أحداث القصة بأنها كُتبت بصيغة هزلية “كوميدية". وعلى أي حال، ينبغي علينا أن لا ننسى بأنه لا يوجد لدينا غير نص واحد من مسرحيات المسرح و ملخصات بقية المسرحيات المدونة في البرنامج التذكاري. فلو كان لدينا نصوص المسرحيات لكان بإمكاننا التعمق أكثر في تفاصيلها بما فيها القصة الكردية. وبالمقابل، سبق وأن تم وصف الكرد وكردستان أيضا في صحيفة " ميدوى تايبس" وفي وثيقة المسرح التركي: البرنامج التذكاري كما يلي: “ينحدر هؤلاء الناس من جبل لبنان وهم وافدون لتمثيل منتجي تلك المنطقة وكان هدفهم البحث عن الحرير المعروض في الفعاليات. كانوا اناسا من عُرق هادئ يراعي شعور غيره وأمعنوا في تدقيق المَعارض. يرتدون أزياء خلابة، حمراء مخططة بالبيضاء كما كانت عمائمهم. وكما يظهر في الصورة المركزية ان الجيبين أشبه بكيسين يحتويان على جميع أنواع المواد المودوعة في جيوب ملابس الرجل الغربي. وتشتهر كردستان في الشرق بجودة وكُبر حجم أغنامها التي تختلف عن الغنم الأمريكي بكُبر ذيلها الذي يتراوح وزنه بين15 باوند(7كيلوات)الى 30 باوند(14كيلو). يستجيب الغنم للراعي سرعان ما يرتدي معطفه اللبادى ويصيح لهم. لديه العود والعصا احدهما للحماية والدفاع عن الغنم والآخر لقيادته بلطف. تحدث النبي داود في السورة الثالثة والعشرين من المزامير بلغة الراعي بالقول: "ان عودك وعصاك تريحني". و للراعي حبال يستطيع بواسطته رمي الأحجار لمسافة بعيدة وهو على غرار الحبال الذي استخدمه النبي داود عندما قتل الغول جالوت.
في الوقت الذي تعبّر عناوين عروض المسرح التركي عن المجتمع العثماني المعاصر، فان كون المسرحية الاولى في المسرح التركي هي المسرحية الكردية تشير الى أن الدولة العثمانية كانت أكثر تسامحا للتمثيل الكردي في الخارج مما كانت في داخل البلاد. وشأنها في ذلك شأن الجمهورية التركية اليوم. وكما تعلمون بأن أفلام المخرج يلماز غونى كانت ممنوعة وتم تحطيمها عندما كان حيّا يرزق ولكنها الآن تُخرج كأقراص “دي في دي" من قِبل وزارة الثقافة بموافقة الرئاسة ورئيس الوزراء والمجلس الوطني التركي وذلك لغرض واحد ألا وهو اعطائها للضيوف الأجانب كهدايا تذكارية.