ادب وفن

غياب عدنان المبارك خريفٌ قاسٍ على الثقافة العراقية / عرفان رشيد

قاس هذا الخريف على الثقافة العراقية وعلى عقولها المبدعة وبصائرها الثرّة، حيث نالت المنيّة في الخامس من تشرين الأول، الكاتب والمترجم الكبير عدنان المبارك بعد أقل من اسبوعين من رحيل المخرج والممثل المسرحي حميد الحساني وقبل ايام من رحيل المخرج التلفزيوني الكبير عمّانوئيل رسّام والرسام والخطاط عزيز النائب. ولا تكمن الفجيعة الكبرى في هذه الغيابات في الموت نفسه، إذْ هو مصير كل كائن، لكن في كون هؤلاء الذين رحلوا، ومَن قبلَهم، مؤسِّسينَ في الثقافة العراقية، ولم تتمكن أعوام الغربة والمنافي من اقتلاع حب الوطن من دواخلهم ولا أن تبعدهم قيد أنملة عن الحلم في تقديم ما هو جميل ومفيد وجديد وإنساني لهذه الثقافة ولهذا الوطن الذي ابتُلي لأكثر من ربع قرن بحكم "صدام حسين والبعث" والفساد المستشري منذ ما يربو على أربعة عشر عاماً. ورثا الكاتب الكبير محمد خضير صديقه وابن بصرته الكاتب والمترجم العراقي الكبير عدنان المبارك بقوله :"رحيل آخر وراء الافق المكسور بالآلام. له الرحمة والغفران"، وبدا الاختزال في ذلك الرثاء كما لو أن ألم الفراق أوقف قلم محمّد خضيّر، كما توقف الغيابات المؤلمة العبرات في الحلق المحروق والعين المشرقة بالدمع. والناظر إلى المنجز الذي تركه الراحل عدنان المبارك خلال العقود الأربعة الماضية يجد نفسه ماثلاً أمام مكتبة متكاملة من التأليف والدراسة والبحث والترجمة، ويضعه ذلك المُنجز في مصاف كبار مزوّدي العقل العربي بنسغ الثقافة مثل سامي الدروبي وجورج طرابيشي وغيرهما من كبار خمسينات وستينات القرن الماضي. ولد الراحل عدنان المبارك في البصرة عام 1935، وأنهى دراساته العليا في تاريخ الفن في جامعة وارشو، حيث أقام في بولندا حتى عام 1990 ثم انتقل إلى الدانمارك ، حتى توفاه الأجل يوم 5-10-2016. عمل المبارك في صحافة بغداد ووكالة الأنباء العراقية ومراسلاً للصحافة الثقافية في السبعينات والثمانينات وغيرها. من بين مؤلفاته:"الاتجاهات الرئيسية في الفن الحديث على ضوء نظرية هربرت ريد، فلسفة التكنيك، فن الشمولية، الطليعة الروسية نموذجا، إشكاليات أساسية في الفن : المحاكاة، المخيلة، التعبير، التشخيص والتجريد، القرن العشرون ــ التحولات الكبرى في تاريخ البشرية، برج بابل الإلكتروني - في إشكالية المواجهة بين الإنسان و الماكنة، يوتوبيات القرن - الأنظمة الشمولية، في التشكيل ، في علم الجمال، في مدارات الثقافة، الفن السابع . اضاءات، أطياف الكتابة، مقاربات في الفن".