ادب وفن

نظرية كولردج وممارسة الشذوذ مع المرئي / قيس مجيد المولى

قدمت الفلسفات المثالية عند هيجل وفخته وشيجل أساسا لنظرية الخيال عند كولردج ، وملخص نظريته تقوم على اعتبار الخيال أما أوليا أو ثانويا، ويربط كولردج الخيال الأولي بالعقل المتناهي ، أما الخيال الثانوي فهو شكل من أشكال الخيال الأولي ويتسم بجوهره الحيوي وبعملية تلاشيه للأشياء وخلقها بشيء جديد، من ذلك نستنتج: أن نظرية كولردج عن الخيال اتسمت بشيء من الغموض رغم وضوح البُعد الإنتاجي في الخيال الأولي ووضوح البعد التأملي في الخيال الثانوي، وأنه بشكل عام أي الخيال يعمل بشكل متكامل مع الوعي ، أي أن هناك قدرات زمكانية تتحرك في مجالات معلومة من الخيال ،
ولا يعني ذلك تحرر الخيال من قيود الزمان والمكان كون الذاكرة كما نعتقد حاضرة في البعض مما يَنتج الخيال وهذا التحرر كما يرى كولردج لا يعده من وظيفة التوهم الذي رآه أنه يقوم بوظيفة غير إنتاجية وتم تشبيههُ بجالب الصور ،غير أن النتاج الأكبر والأهم لنظريته أن الخيال يعطي لكل منتج ميزته الخاصة.
أن نظرية كولردج عن الخيال قدمت فتحا جديدا في مفاهيم الفكر الجمالي وفي التنظيرات النقدية التي أغنت التجربة الشعرية وقد تسيّدت حتى الآن الكثير من المفاهيم حول الخيال ووظيفته ،فعملية التخيل التي تستند إلى القاعدة العقلية إي تأثيراتها ليست بالضرورة أن تستند إلى العقل السليم الذي يمارس قدراته بإمكانية الواقع وقوانينه وصرامة الموروث عليه بل بشعور الحياة المنعزلة فيُشرذم ويُسَرب تداعياته بعضها للبعض بوجود ازدواجية مشتركة أو نقائض تشكل شعورا أساسيا في طبيعة العملية التخيلية وإطلاق مدياتها في الصور والأصوات والألوان ،وهنا لابد من التذكير بأن مفهوم بودلير عن الخيال قد ارتبط بمفهوم كولردج ، فقد رأى بودلير أن الخيال قوة ترتبط بالعقل وقد ذهب بودلير بعيدا بذلك حين رأى أن العقل هو الذي يحدد مسارات الخيال لكنه أيضا يرى ان هذا الخيال يطيح بالواقع بنفس القدرة التي يتغلب الخيال فيها في كل مره على موجوداته، وأن العقل الذي يعنيه بودلير هو العقل الحر المتحرر من موضوعاته كي تتمكن اللغة من إطلاق قدراتها السحرية ، أما مالارميه فأنه ينآى عن المفهومين الذين ذكرناهما عن الخيال، ويرى مالارميه في وصفه الخيال المتسلط أنه أي الخيال يحل محل صورة الواقع وهنا لابد وفق هذا الوصف من أن تثار أسئلة من نوع ما، ومنها درجة انسجام الخيال والعاطفة وكيفية التعامل مع موسيقى اللغة والارتكاز على الفهم أم الإيحاء وما مدى إحالة الحضور إلى الغياب؟
وهل هناك نسق ما أم مجموعة من الأنساق غير المرتبة؟
إزاء ما يعبر عنه مالارمية بالظلمات المطلقة وتحطيم كل شيء ضمن إلغائية ما لا ينسجم مع الخيال واللغة بكامل طاقتيهما.ولاشك أن أية سلطة غير قادرة على إخضاع الخيال تحت تأثيراتها لكونه يخلق أشياءه من أشياء غير موجودة أصلا، ويؤكد ضرورتها ضمن البعد اللا مرئي في الصورة الشعرية ،
وهو ما يؤشر جودة إنتاج المخيلة التي لاتقف عند حدود معلومة وهذا التصور أو الفهم ليس مطلقا في عملية التخيل بل هناك من الخيال ما يتعامل لا مع الموجودات ضمن تأثيرها عليه فتعمل المخيلة على تشويشه أو تحطيمه وإعادة بنائه مرة أخرى ولكن في كلا الحالتين هنالك عدم توافق مع الواقع، و هناك رغبه في نفيه تماما عن مديات الخيال بحيث تغدو عملية التخيل وكما ذكرنا حرة وطليقة لا تخضع لأي نظام في البناء الشعري حيث يتلاشى البعد الزمني ويمكن استحضار أبعاد زمنية مختلفة في لحظة واحدة ويمكن تحويل الأمكنة والوقائع إلى أحداث هلامية يغلب عليها التشرذم والغموض وعدم الاستدلال ، وهذا يعني أن لا شيء مقصود في دلالته وليس هناك من تدرج للوصول إلى الغاية لأن عملية التخيل لا ترتبط بالوسائل المعلنة فالأساس يعتمد على قلب المعايير وممارسة الشذوذ مع المرئي.