مدارات

العلاقات التاريخية بين الحزب الشيوعي العراقي وجبهة التحرير الوطني البحرانية / رضي السماك

رضي السماك، باحث سياسي وتراثي بحراني، خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة عام 1976، انضم الى جبهة التحرير الوطني البحرانية عام 1973 من خلال اتحاد الشباب الديمقراطي، وفي عام 1985 عين في اللجنة الثلاثية الفكرية والاعلامية التابعة للجنة المركزية في الداخل.
اعتقل في نفس العام وتعرض للتعذيب الشديد في سجن القلعة بالمنامة، وفي عام 1988 صدر عليه حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة الانتماء الى تنظيم سياسي سري غير مشروع يهدف الى قلب نظام الحكم القائم وقضى تنفيذ الحكم في السجن نفسه، وتم فصله من منصبه في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كرئيس لقسم العلاقات الدولية. له بحوث سياسية وتراثية عديدة نشرت في صحف بحرانية وخليجية ابرزها: الايام، واخبار الخليج البحرانيتين. والخليج الاماراتية والسفير والنهار البيروتيتين، والطليعة والقبس الكويتيتين. عضو في الهيئة العلمية لمجلة "الثقافة الشعبية" التراثية الفصلية، ينشر على الموقع الالكتروني للمنبر الديمقراطي التقدمي، الذي حل محل جبهة التحرير الوطني البحرانية في المرحلة العلنية، بعض المقالات والابحاث السياسية بصورة متقطعة غير منتظمة.
****
لعل مرور ثمانية عقود على تأسيس اول تنظيم اشتراكي يساري في ارض الرافدين، العراق العظيم، ممثلاً بالحرب الشيوعي العراقي 1934، فرصة لاغتنام هذه المناسبة لتسليط شي من الاضواء على العلاقات التي تربطه مع اول تنظيم اشتراكي يساري في الخليج العربي وفي ارض اوال "البحرين" الا وهو حزب جبهة التحرير الوطني البحرانية الذي تأسس في فبراير (شباط) من عام 1955، ابان الانتفاضة الشعبية المجيدة المعروفة بقيادة هيئة الاتحاد الوطني في الفترة 1954- 1956.
وعلى الرغم من التفاوت الزمني بين عمري الحزبين الشقيقين، حيث يكبر الحزب الشيوعي العراقي 20 عاماً حزب جبهة التحرير الوطني البحرانية، فانه ومنذ السنوات الاولى من تأسيس هذا الاخير ارتبط بعلاقات حميمة مع الحزب الشيوعي العراقي الشقيق سرعان ما توطدت على مختلف الاصعدة الفكرية والسياسية والتنظيمية، بدءاً من اوخر الخمسينيات على وجه الخصوص، وهي فترة خصبة من تاريخ العراق السياسي الحديث وتاريخ الحزب الشيوعي العراقي والتي وصل خلالها الى ذروة صعوده السياسي والجماهيري، وبخاصة بعد ثورة 14 تموز بقيادة الشهيد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، ففي خلال هذه الفترة المجيدة من حياة الحزبين الشقيقين (اواخر خمسينيات واوائل ستينيات القرن الماضي) جرى تدشين جسور العلاقة بين جبهة التحرير الوطني البحرانية والحزب الشيوعي العراقي، ولعل من ابرز شواهد هذه العلاقة، الفترة التي قضاها احد قادة جبهة التحرير الوطني البحرانية الا وهو المناضل الراحل الرفيق علي دويغر خلال اواخر الخمسينيات في العراق، حيث عاصر في السنوات الاخيرة من العهد الملكي والسنوات الاولى من العصر الجمهوري بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 العراقية، واكتسب خبرة سياسية وتنظيمية اثناء اقامته في بغداد من خلال عضويته ونشاطه في الاتحاد العام لطلبة العراق الذي كان تحت نفوذ الحزب الشيوعي العراقي، وهو المنظمة الطلابية التي تعمل ايضاً تحت الارض حتى قيام ثورة 14 تموز. كما انخرط في صفوف لجان المقاومة الشعبية للدفاع عن الثورة ومكتسباتها، الا انه واجه اثناء اقامته في العراق بعض المضايقات من قبل السلطات العراقية واجبر على مغادرة العراق على ظهر سفينة متجهة الى قطر.
كما ساهم الرفيق الراحل دويغر بعدد من الدراسات والبحوث المتعلقة بالعراق من ابرزها: دراسة عن "العراق: العمل في الزراعة سياسات الاصلاح الزراعي 1958"، دراسة عن "العراق: البيروقراطية في المرحلة الانتقالية حالة الادارة الزراعية في العراق 1958- 1970".
وبالرغم من ظروف العمل السري القاسية الصعبة التي صبغت النشاط السياسي لكلا الحزبين معظم سني حياتهما فان اشكال هذه العلاقات بين الحزبين مضت نحو التطور في مختلف المجالات طوال ستينيات القرن الماضي سواء على الصعيد الثنائي المباشر ام من خلال النشاط السياسي الدولي في المهجر، سواء في بعض العواصم العربية كبيروت ودمشق والقاهرة او عواصم بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة وعلى الاخص موسكو. ازداد توطد هذه العلاقات بين حزبي الشيوعيين البحرانيين والعراقيين خلال عقد السبعينيات وعلى الاخص في النصف الاول منه حيث شهدت الحياة السياسية في كلا البلدين ظروفاً مؤاتية الى حد ما من العمل العلني.
ففي العراق تمتع الحزب الشيوعي العراقي خلال هذه الفترة القصيرة من العمل العلني ابان الجبهة الوطنية التقدمية التي وأدها دكتاتور العراق السابق المقبور صدام حسين عشية صعوده رسمياً الى قمة السلطة عام 1979 وبخاصة بعد شنه حملة القمع الواسعة النطاق على عناصر الحزب الشيوعي العراقي والذي يعد العمود الفقري لاحزاب الجبهة الوطنية خارج السلطة، وفي المقابل تنسم حزب الشيوعيين البحرانيين شيئاً من العلنية غير الرسمية، او على الادق تخفيف درجات الملاحقة البوليسية نسبياً وذلك على اثر استقلال البحرين عام 1971 ثم اقامة مجلس نيابي منتخب عام 1973 والذي فاز فيه ائتلاف من اليسار "تكتل الشعب" بثمانية مقاعد من مجموع 30 مقعداً الا ان هذه التجربة لم تدم بدورها سوى عامين بعد ان اقدمت السلطة القبلية الحاكمة بحل المجلس صيف عام 1975.
وخلال تلك الفترة من شبه العلنية في حياة كلا الحزبين الشقيقين ساهم الحزب الشيوعي العراقي بناء على طلب جبهة التحرير الوطني البحرانية في تثقيف وتدريب عدد من كوادر جبهة التحرير الحزبية والشبابية والطلابية، كما كانت بغداد قبلة لوفود ممثلي الاحزاب اليسارية والتنقدمية في المنطقة العربية للمشاركة في الندوات السياسية والاقتصادية الاقليمية والدولية التي تستضيفها العاصمة العراقية. وكان امين عام حزب الجبهة الراحل سيف بن علي (احمد الذوادي) أحد مؤسسي الحزب من ابرز المشاركين في تلك الندوات العلمية، كما تتجلى اشكال المحبة والتقدير التي يكنها الشيوعيون البحرانيون لاشقائهم الشيوعيين العراقيين واتخاذهم من حزبهم مثلا أعلى ونبراسا في حياتهم النضالية في عدد من المظاهر التي عرفتها الحياة السياسية العامة والشخصية لحزب جبهة التحرير الوطني البحرانية، ومن ذلك انبهارهم واستلهامهم للملاحم البطولية في الصمود بوجه الجلادين في غياهب السجون والتي سطرها ثلة من خيرة رفاقكم الشهداء وعلى رأسهم الرفيقان القائدان مؤسس الحزب الخالد فهد وسلام عادل.
ولا غرو اذا ما علمنا بأن العشرات من رفاقنا وأنصارنا قد اطلقوا اسمي هذين القائدين الفذين على مواليدهم، ولربما هذه الظاهرة او التقليد اللافت قلما نجدها لدى أي حزب آخر من الأحزاب الشيوعية الشقيقة في البلدان العربية.
ولعل حزبنا هو الحزب الوحيد من بين تلك الأحزاب الذي جذبه بقوة شعار حزبكم الخالد "وطن حر وشعب سعيد" وتبناه كشعار دائم له يعرف ويتميز به بين فصائل الحركة الوطنية بخاصة والحياة والسياسة بوجه عام. وابان انطلاقه انتفاضة فبراير / شباط من عام 2011، وتحديدا خلال الاعتصام الجماهيري الحاشد الذي قدر بما لا يقل عن ربع مليوم معتصم، بما يوازي ثلث سكان البلاد من المواطنين تقريبا، والذي كان المنبر التنقدمي الديمقراطي (وريث حزب جبهة التحرير الوطني البحرانية) في مرحلة العلنية الجديدة الراهنة بعد اصلاحات 2001 الشكلية النسبية التي اعلنها ملك البلاد والتي سرعان ما جرى الاجهاز عليها، كانت خيمة المنبر في اعتصام دوار اللؤلؤ الجماهيري يتوجها ويزينها على يافطة عريضة بخط كبير بارز خط على يافطة حمراء شعارنا المشترك "وطن حر وشعب سعيد".
ولعل من مظاهر هذا التأثر والاعتزاو البالغين ايضا، ما تحظى به اغاني فرقة الطريق العراقية التابعة لحزبكم من شعبية جارفة منقطعة النظير في صفوف عامة رفاقنا والأنصار والفئات الشعبية القريبة من نبض الحزب، وهذه الأغاني ما زالت تتردد على شفاه الشيوعيين البحرانيين وانصارهم في مختلف المناسبات الحزبية والسياسية العامة. وبالمثل فإن عددا من فناني الحزب الشيوعي العراقي يحظون بشعبية منقطعة النظير لدى رفاق الحزب وانصاره وجماهيره، ولعل من ابرزهم الفنانان جعفر حسن والمرحوم الراحل فؤاد سالم والذي يحظى بشعبية طاغية على الصعيد السياسي وعلى الصعيد الشعبي العام لدى مختلف فئات الشعب ممن يستهويهم الفن الغنائي والموسيقى العراقية وكان الفنان جعفر حسن قد احيا حفلة غنائية قبل سنوات قليلة في قاعة جمعية المهندسين التي غصت بالجمهور الذي تفاعل بحماس كبير مع اغانيه الوطنية.
ومن نافلة القول ان العلاقات التاريخية بين الشعبين العراقي والبحراني وما يربطهما من روابط وعلاقات تاريخية مختلفة حضارية ودينية واجتماعية وثقافية تضرب بجذورها في اعماق التاريخ انعكست بطبيعة الحال على العلاقات بين الحزبين الشقيقين ناهيك عن العادات والتقاليد والسمات المشتركة بما في ذلك التشابه اللهجوي وعلاقات المصاهرة والامتدادات العائلية والعشائرية والقبلية المشتركة، ناهيك عن الهجرات المتبادلة، ليس خافيا على احد من كلا الحزبيين ان عددا من رفاقكم انما تعود اصولهم الى البحرين.
واذ نزف أحر التهاني والتبريكات القلبية للحزب الشيوعي العراقي الشقيق في ذكرى ميلاده الثمانين، وفيما يستعد حزب الشيوعيين البحرانيين بدوره للاحتفال في العام القادم بمرور ستة عقود على ميلاده فان الآمال تحدونا بقوة بأن تشهد هذه العلاقة بين الحزبين المجيدين دفعة قوية من التوطد في سياق تطور مسيرتهما النضالية وصمودهما وإصرارهما وإرادتهما الفولاذية لتخطي العقبات والأوضاع السياسية الراهنة البالغة التعقيد التي يمر بها حزبيهما وشعبيهما وعلى الاخص في ظل الانشطارات والتجذابات الطائفية المتشابهة في كلا البلدين. كما تحدونا الآمال بأنهما وبإرادتهما الفولاذية لتخطي تلك العقبات والأزمات الكبرى البالغة التعقيد ستكون هذه العلاقة بين الحزبين الشقيقين اكثر ازدهارا جنبا الى جنب مع استعادة نفوذهما وقوتهما الجماهيرية التي عرفا بها في سنين الصمود والعز والكرامة وليكونا اكثر قربا من تحقيق شعارهما الخالد "وطن حر وشعب سعيد".