مدارات

بغداد تغرق في أربع ساعات والبغداديون يستيقظون على بحيرات عظمى

"غِرَكْنَه ولليِ يحِبْنَه يِغركْ وْيانه.. ابْمطْرة صيف فضْنه والبحر جانه"
عبدالكريم العبيدي
العراق بلد العجائب، في أربع ساعات لا غير، يتحول الطقس فيه من صحو وشمس مشرقة، الى جو غائم وأمطار وسيول وفيضانات!، يذهب الموظفون والطلبة والكسبة الى أماكن عملهم صباحا، يرتدون قمصانهم الصيفية، فاذا بهم في مساء شتوي بارد وممطر، وشوارع مليئة بالسيول، وأحياء محاطة بالبحيرات والشطوط، وبيوت "غرگانه"!
مياه الأمطار التي تبلل شوارع المدن، وتسقي الحقول، وتضفي سحرا الى أجواء المدن، تتحول في العراق الى سيول "امْسودنه"، سرعتها تعادل سرعة "بغيگ النسوان"، تقتحم الشوارع والساحات والأزقة والبيوت والأحياء الغنية منها والفقيرة، وتهاجم صالات الاستقبال والمطابخ وغرف النوم، ثم تفصل البيوت عن بعضها والأحياء السكنية عن بعضها، وتقسم عاصمة بحجم مدينة بغداد الى مناطق محاصرة بالبحيرات العظمى، لا خدمات فيها ولا حياة، لا مستشفيات ولا مراكز شرطة ولا سيطرات، لا دوائر ولا مصانع ولا مدارس، كلٌ في خلوته معتزل ووحيد، لا ينفع معه النايلون ولا الچينكو ولا التناكي الفارغة، ولسان حاله يردد:"طرگاعه ولفت ديان"!

مطرت الدنيا.. غرگت بغداد
الفيضان: تراكم أو تزايد المياه التي تغمر الأرض. مياه متدفقة سريعة الجريان، غالبا ما يحصل بسبب هطول الأمطار الغزيرة، وأغلب أنواع الفيضانات تكون ضارة، لأنها تتلف المنازل، وتتسبب في جرف طبقة التربة العليا، وتشكل خطرا على الأراضي التي يقتنها الإنسان كقرية أو مدينة أو أية مناطق سكنية أخرى. وأشهر فيضان في التاريخ هو الطوفان الذي حدث في عصر نبي الله نوح.
هناك فيضانات نهرية بطيئة، تتكون من هطول الأمطار المستمر، أو ذوبان الثلوج بسرعة تتجاوز قدرة قناة النهر. وتتمثل أسبابها في الأمطار الغزيرة الموسمية، والأعاصير الاستوائية والبراكين، والرياح والأمطار الحارة التي تؤثر على تجمع الثلوج، والعقبات غير المتوقعة للصرف، وهناك أنواع سريعة، يشمل الفيضانات الناجمة عن هطول الأمطار وكثافة العواصف الرعدية.
الفيضانات عديدة، منها الساحلية التي تحدث بسبب العواصف البحرية الشديدة، وهناك فيضانات كارثية تنجم عن حدث كبير وغير متوقع مثل انهيار سد، أو نتيجة لحصول زلزال أو انفجار بركاني
وهناك السيول الموحلة وهي الفيضانات الناتجة في الأراضي الزراعية، ويمكن أن يحدث الفيضان إذا تراكمت مياه الأمطار عبر سطح غير قابل للنفاذ ولا يمكن أن تبدد بسرعة،
وتلحق الفيضانات أضرارا مادية بالمكان والجسور والسيارات والمباني والصرف الصحي والطرق، كما تتسبب في حصول الوفيات والاصابات بالناس والمواشي - تموت بسبب الغرق، كذلك يمكن أن تؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض التي تنقلها المياه، ناهيك عن الآثار الكبيرة التي تلحقها بالمحاصيل والإمدادات الغذائية، من نقص في المحاصيل الغذائية أو خسارة المحصول بأكمله.
ونتيجة لذلك تتفاقم الصعوبات الاقتصادية، بدء من تكاليف إعادة البناء، ونقص الغذاء وارتفاع الأسعار وما إلى ذلك.

هيّه خربانه!
الفَيَضان، بحسب قاموس أحد المتندرين جمع: "فيضانات امْعِرَّه".. غرق الشوارع بسبب الأَمطارُ في كل عام.. وفاضت بغداد: أي "مطْرت الدنيا ففارَقَتِ العاصمة الْحَيَاةَ"!
ويقال أن رؤية الفيضان في المنام تدل على هجوم العدو وغدره, فمن رأى سيل المطر فانه يصاب بالأذى، أو يصيبه المرض، فان كان السيل عاليا كما حصل لبغداد مثلا، فدلاله هذه الرؤيا أن الحكام المسؤولين سيجورون ويظلمون، "ولو الجماعة ميحتاجون مطره، يعني قايمين بالواجب وزايد"!, ولكن من رأى في المنام انه يبعد السيل أو الفيضان عن بيته فانه يقاوم عدوا يمنعه من ايذاء أهله أو حاشيته, ومن رأى أن السيل دخل داره أو المنازل المحيطة ويذهب بالمال والماشية والزرع فان عدوا سيغير عليهم ويؤذيهم، "هاي امجربه ووارده"!، ورؤية السيل في الم?ام يدل على العدو فاذا جاء السيل ودمر الدور وقطع الاشجار وأغرق البشر, فمعنى ذلك أن هناك فسادا ماليا واداريا واستهتارا ونهبا ودمارا للبلد، "والله يابه تمام"!

وحصل المحظور
فجأة، فتحت السماء أبوابها لموجات غزيرة متعاقبة من الأمطار في بغداد وعدد من المحافظات، طوال ليلة الأربعاء ويوم الخميس الماضيين وتحولت، كما هو متوقع ومعروف الى سيول جارفة، رافقتها رياح قوية، أغرقت الشوارع والأنفاق والساحات والأزقة، ثم اقتحمت الأحياء السكنية والبيوت، وسرعان ما تحولت شوارع المدن والساحات والجزرات الوسطية في بغداد الى بحيرات كبرى، واختلطت الأرصفة بالشوارع، والشوارع بالساحات، والساحات بالأنفاق بعد موجة "أمطار صيف" تحولت الى بحيرات وشطوط، أغلقت على إثرها بعض الانفاق بسبب ارتفاع مناسيب المياه، كما?انقطع سير المرور في بعض الشوارع بسبب الفيضان وتعطل شبكات تصريف المياه، وتوقفت خدمات الانترنت.
وشهدت مناطق مدينة الصدر، والحبيبية وحي أور والوحدة وبغداد الجديدة والكرادة، وشارع السعدون، ومنطقة الباب الشرقي، وجسر السنك، وغيرها من مناطق العاصمة ارتفاعا ملحوظا في مناسيب المياه، مع تواصل الأمطار الغزيرة، كما سجلت الهواتف النقالة انقطاع شبكات الهاتف الجوال والذي تزامن أيضا مع انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق عديدة في العاصمة بغداد، ليفاجأ الاهالي صباحا بفيضان عام قطع أوصال الشوارع والأزقة والمحلات، وأدى إلى أختفاء الأرصفة والشوارع الرئيسة والفرعية وتوقف حركة السير، والحياة العامة عن الحركة، وأغلاق المحال?التجارية أبوابها بعد أن غرقت من عنف السيول الهادرة بفعل الأمطار الغزيرة، وتسببت الأمطار الغزيرة أيضًا في غرق بعض مخيمات اللاجئين، وبات الآلاف من النازحين يتعرّضون إلى الموت والغرق والأذى جراء الفيضانات والسيول التي حصلت
ورغم تحذيرات مديرية الأنواء الجوية قبل أيام بقدوم موجة أمطار قوية إلى العراق، إلا أن استعدادات الدوائر الحكومية المعنية لمواجهة الحالة لم تكن بالمستوى المطلوب كالعادة، خاصة مع هطول معدلات عالية للأمطار أكثر من المعتاد في مثل هذا التوقيت من العام بحسب خبراء في الأرصاد، ما تسبب في عجز المجاري عن استيعاب كميات المياه الساقطة على المدينة.
يوميات "محمد علوان"
فضَّل البعض الصمت، الصمت الموجع، ومراقبة كل ما يجري في بيته ومحلته السكنية من دمار من خلال دخان سيكارته، وحساب درجة الرعب والمخاوف في عيون أطفاله على دقات نبض قلبه، ودرجة الاحساس بالألم لبلد يتحول باضطراد من محنة الى أخرى، ومن نفق مظلم الى آخر أحلك ظلاما، تحت موجات متعاقبة من مصائب تترى.
الروائي "محمد علوان" كتب مذكراته الفيضانية بمداد الأنين، وجاء فيها:

نداء.. نداء.. نداء
السيدة ذكرى علوش، أمينة بغداد.. بغداد في خطر.. من مدينة الصدر بدأت العلامات الأولى للغرق.. أعلنت الآن حالة الطوارئ في البيت، رزمنا أغراضنا.. الدور الحكومية، قطاع 4 غرقت رسميا.. على "الله"، وعلى همة الأمانة.. وعلى "الله" ويا زماني!
نداء.. نداء
كل من لديه رقم موبايل السيدة "ذكرى علوش"، فليخبرها بما جرى ويجري في بغداد التي هي أمينتها.. الاتصال بأي مسؤول الآن يعد "خدمة وطنية".
أسماء قديمة
الساعة الآن تشير الى الخامسة صباحا.. الخامسة في عمر "الكارثة الفيضانية".. تبدو إلى السامع أقل ضررا.. ما خطط لها أكثر قسوة من مخيلة.. ماذا يمكن للمخيلة أن تتسع؟
الصورة أكبر من إعجاز العقل.. الكارثة أكبر.. المدن لم تعد مدنا.. الصباح والمساء لم نعد نراهما يمران علينا، كما اعتدنا أن نراهما عليه.. باتا طيفين غريبين ينظران إلينا من بعيد.. الصورة أكبر من فيضان.. الصورة أكبر من كارثة، أو مخيلة خلقها الله لتتسع للآتي.. الصورة أكبر، والمخيلة بللها المطر.. أعني الزائر الثقيل جدا، الذي شذب مدننا بما يكفي لتتغير.. مدننا لم يبق منها سوى أسماء باتت قديمة!
انشودة المطر
حينما فتح عينيه، وتطلع نحو ساعة الحائط.. شعر أن الفجر ما زال بعيدا.. لم يزل في الوقت بقية لغفوة قصيرة.. على أنغام رعب المطر، ومطارق سيوله الرهيبة.. فجأة اهتزت جدران الغرفة العلوية التي تكدس فيها أفراد العائلة.. صوت الرعد سرق منه الغفوة.. اهتزت الجدران لمرات.. تواصل انعكاس الرعد وانهمار المطر على سطح الغرفة العلوية.. فكر كثيرا في السقف.. فيما كانت انشودة المطر تتصاعد في ساعات الفجر المختلفة عن كل ساعات عمره.
أنا وكامو
امطرت السماء مطرا مدرارا.. استمر طوال يومين.. حتى كاد سطح البحر أن يبتل!.. آه يا "كامو"، ماذا سأفعل الليلة؟
هدية بنفسجية
شي ما يشبه شي... بدل تشكيل خلية أزمة، ويرتدي السيد المسؤول جزمة وبدلة زرقاء وقبعة ويخوض مع الناس في الماء... نرى مشاهد افتتاح "معرض بغداد الدولي"!.. شوارع المعرض كانت مزينة بالبنفسج، فيما مدن شرق القناة سقطت تماما، ولم تعد بيوتها تصلح لسكن البقر وليس البشر... شكرا سيدي المسؤول على هديتك للشعب.. لقد منحتنا "معرض بغداد الدولي"، الذي لا ناقة لنا فيه ولا جمل!
صخرة شهيرة
أخيرا أزاح أهالي مدينة الصدر الصخرة التي وضعها المقاول الأول لمشروع قناة الجيش.. ألف مبروك انتصرنا!
شكرا
بعد تظاهرات واحراق اطارات وصراخ واستغاثات، وصل موكب أمينة بغداد السيدة ذكرى علوش الى شرق القناة، وبعد استفسارات من الناس فهمت أن الخطوط التي وضعها الأمين السابق "نعيم عبعوب"، كخطوط طوارئ تم انجازها قبل أن يقال بشهور.. هذه الخطوط قام المقاول بسدها بكتل من الاسمنت لكي لا تلقى مياه الأمطار في مشروع قناة الجيش!.. هذا ما أحس به الناس، اذ مر اليوم الثاني ولم يتم ملاحظة أدنى فرق في عملية سحب المياه.. الآن أوعزت السيدة الأمينة بتفتح الأنابيب المسدودة بالاسمنت، بالاستعانة بآليات الأمانة، حتى تمت بصعوبة ازالة كتل الاسمنت، وبدأ تدفق المياه من الشوا?ع الرئيسة في "الداخل" و"الجوادر" و"الفلاح"، عبر تلك الأنابيب.. ربما، أقول ربما سنرى الفارق بالمتر الكامل من الماء الذي غمر مدينتنا واجتاح بيوتنا بشكل غير مسبوق.
عموما، الشكر لمن تظاهر على شارع القناة، والشكر موصول للسيدة الأمينة التي وصلت متأخرة... ولكن "أن تأتي متأخرا خيرا من أن لا تأتي"!
العافية بالتداريج
بشرى سارة إلى سكنة قطاع 4 الدور الحكومية.
تم سحب أجزاء من سنتيمتر واحد من متر من الماء الذي أغرقكم تماما!
عاشت أمانة بغداد
مبروك
بدأ الأن "فائض الكارثة" من الماء يترك بيوتنا ويتجه الى قناة الجيش.. أخيرا بدأنا نرى بوضوح عتبات بيوتنا التي كانت في رحلة أثيرية نحو الأعماق.. مبروك!
مطرة صيف
قديما، قديما جدا، كان العراقيون يسخرون من مطر الصيف العابر، فهو لا يبلل المارة، زخة ضاحكة تتساقط قطراتها الجميلة وتهرب، لم يظن أيّ منهم أنها ستسخر منهم يوما، وستمحو من ذاكرتهم الجمعية قصتها "القديمة"، ها هي تتحول الى سيول مجنونة تجتاح بيوتهم ومدنهم، وتحيل ليلهم الى رعب، وحاجات وأجهزة منازلهم الى سكراب وخرده، وتجبر الكثير منهم الى الهرب والاستنجاد بالجوامع والحسينيات، بحثا عن ملاذ آمن!، بينما تعلن "الكهرباء" غضبها، والضحية دائما هم الأطفال والشباب!
"فقط في بغداد، يقتل عشرون طفلا وشاباً نتيجة الصعقات الكهربائية بسبب غرق المناطق السكنية.. واليوم مجلس النواب والمحكمة الاتحادية يقرران بقاء الفاسدين وحماية فسادهم"!
هكذا يهتف "جهاد جليل"، ناشط مدني على صفحته في "الفيسبوك"، ومع هتافه تنهال مقالات وتعليقات غاضبة من داخل العاصمة بغداد وعدد كبير من المحافظات، ومعهم يتحالف الكثير من العراقيين في الخارج، موجة غضب عارمة اجتاحت عددا من مواقع التواصل الاجتماعي، ومعها اندلع السخط داخل البيوت، وعبر اتصالات الموبايل التفقدية بين الأصدقاء والأقارب والجيران، والسبب "مطرة صيف"!
بعيون شاعر
يهمس "خالد الحسن" بأسى قائلا:"فرصة لتغسل النفس أحزانها بالمطر الذي يعمد الحقول والشوارع والبنايات، هذا هو المطر في كل دول العالم إلا العراق الذي يعيش واقعا خدمياً مترديا على صعد مختلفة، فالمطر لدنيا يعني مصيبة كبيرة بسبب الشوارع البدائية، وشبكات الصرف الصحي المتآكلة، وشبكات الكهرباء المتهاوية التي أخذت تصعق المواطنين، في ظل غياب دور المؤسسات الحكومية التي تناست واجباتها وأدهشتها رؤية المليارات التائهة، بغداد تغرق والحكومة تكتفي بالنظر فقط، الشوارع أصبحت مستنقعات وقد غزا البيوت ماء المطر والصرف الصحي على حد?سواء، والحكومة ما زالت واقفة أمام المرايا، تجمِّل الفساد، وتضع عطرا فرنسيا من أجل إخفاء رائحته التي تزكم الأنوف، وتنسى مدن العراق الغارقة، والحياة التي تعطلت بسبب مطر يكون مبعث سعادة للشعوب الأخرى.
يهطل المطر محملا بالهواجس والأسئلة، فكيف سيكون أمر النازحين بعد المطر؟
يأتي الجواب دامعا، تهاوت الخيام التي تضمهم وأصبحوا في حالة أسوأ من حالتهم السيئة أصلا، ولكن لماذا يحدث كل هذا في بلد يطفو بحر من الخيرات؟
هذا واقع الحال، بلد غني يغرق وتعطل الحياة فيه بسبب سراق قوت الشعب الغارقين أيضا في فسادهم".
سلبوا حتى فرحة المطر
المطر خير.. كم تبدو الجملة قديمة للأسف، رغم أنه خير مذ خلق الكون، لكنه العراق، بلد العجائب، لم تسعفه ثرواته المنهوبة على مر العصور، لم ينعم أبناؤه بتلك الخيرات يوما، وها هو المطر رمز النماء والحياة والسحر يتحول الى غضب.. اللعنة.
يقول ثائر فاضل، صحفي:"وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي لرحمته"
تعوَّد العربي الفرح عند نزول الغيث، على أساس أن الغيث نعمة سماوية، تجلو الهموم، وتغسل أدران النفس البشرية، وبما أن أغلب العراقيين الموجودين في العراق حاليا يرجعون في أصولهم إلى البداوة الممحلة غالبا، فقد ترسخ في عقولهم بالموروث أو بالغريزة حب الماء والابتهاج بنزوله من السماء والتفاؤل برؤية المطر ونزوله.
على أن المطر يترك في نفس الإنسان انطباعا يختلف من شخص إلى آخر، اعتمادا على ظروفه والمكان الذي يعيش فيه، حتى أن القرآن الكريم قد ذكرت فيه آية تظهر ذلك في أوضح صورة إذ يقول سبحانه" هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا"، فالناس عند نزول الغيث بين طامع فرح بنزول الغيث الذي يجلب الخصب والحياة والنماء والدفء، وآخر خائف يخشى على نفسه وماله وأهله الغرق أو التلف لبضاعته أو مشقة السير في طريق موحل إن كان مسافرا أو خارج بيته.
لكن ما يحدث اليوم في العراق الحبيب هو سلب الحكومات الفاسدة تلك الفرحة الغامرة التي كنا نشعر بها عند نزول المطر، لأن الغيث في زمن مضى وانقضى قد صار مطرا تخشى عواقبه، فالفيضانات الآسنة المصحوبة بالمياه الثقيلة التي تعم مدن العراق وعلى وجه الخصوص منها بغداد الحبيبة عاصمة الحضارة والتأريخ في بلد شهدت بابل فيه إنشاء أول شبكة مجاري مياه أمطار و مياه ثقيلة قبل أربعة آلاف عام من اليوم وفي عهد الدولة البابلية، إنه لأمر مخز وعجيب أن يبغض البغداديون بل العراقيون رؤية قطرات الرحمة والبركة، لكن هل يستطيع أحد أن يلومهم ?عد أن ظهرت فضيحة مجاري بغداد في هذه الصورة القاتمة المشينة؟ هذا رزقنا الذي قسم لنا تعويضا عن خفض الرواتب والموازنة التقشفية القاسية التي وضعتها حكومتنا الرشيدة، ولا ندري من أين نتلقى الصفعة من الأرض أم من السماء؟ لا نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل.
بيان رقم واحد
مع هول الفيضان، واستمرار هطول المطر، وهدم البيوت، ومعاناة النازحين، وموت الحياة، وانقطاع العراق عن ما يجري في العالم، تبدو كالعادة ردة الفعل واهنة، باردة خجولة، كأن الأمر لا يعني أحدا، ولِمَ لا، فقصورهم فارهة، والكهرباء "مشعشعه"، والدنيا ربيع وأفّل على كل كوارث الربيع، أفِّل أفِّل!
حسين الشمري، اعلامي، يقول:
"العراقيون شعب متذمر، ما يقبل بأي علاج لحالات الطوارئ.. شبيكم بابا؟، هاي أمانة بغداد تعلن عن هواتف لاستقبال الشكاوى.. وشنو يعني واذا غركتوا بالمي؟، واذا ماتوا منكم كم واحد؟، وعساكم لا نشفتوا.. شتسويلكم أمانة بغداد بعد أكثر من هواتف شكاوى مفتوحة وتخلصكم من الغركة، وهذا هو بيان رقم واحد.. أمانة بغداد.. هنا العاصمة
أمانة بغداد / شكاوى المواطنين
بغداد 1/11/2015
أعلنت امانة بغداد عن تخصيص "٧" خطوط هاتفية لاستقبال شكاوى المواطنين المتعلقة بموضوع الامطار.
وذكرت مديرية العلاقات والاعلام أن "أمانة بغداد تقوم بتلقي شكاوى المواطنين المتعلقة بموضوع الامطار عبر "٧" خطوط هاتفية بشكل يومي وعلى مدار "24" ساعة".
واضافت ان "امانة بغداد تدعو المواطنين الذين لديهم شكاوى الى الاتصال على الأرقام التالية ٠٧٩٠٣٦٤٠٦٤٧ و ٠٧٧٠٧٨٨٤١٦٤ و ٠٧٧١١٠٢٧٩٢٩ و٠٧٧٠٢٦٤٧٥٧٧ و ٠٧٥٠٠١٦٠٦٧٣ اضافة الى الخطوط الساخنة "١٢٤"، زين والأرضي و"٥٦٢٨" من أجل وضع المعالجات لها "٠
صدك ناس بطرانه.. "ان لم تستح فاصنع ما شئت"
ولكم يا شكاوى يا عزة بعينكم.. ولكم كل بغداد فايضة يا تلفونات يا صخام!
تحشيش فيضان
- محشش قال وهو يتطلع بهلع الى سيول الأمطار: ما هكذا يهطل المطر على وزن ما هكذا تورد الابل!
-حلاق "امحشش" غرق صالون حلاقته، لكنه قرر مواصلة مزاولة عمله، بحث عن كرسي الحلاقة فعثر عليه بصعوبة، أجلس عليه الزبون "المحشش" أيضا، فظهر من الفيضان الذي غرق فيه رأسه فقط، وهو كل ما يرده الحلاق، ومن داخل مشهد الفيضان، شرع الحلاق بحلاقة شعر الزبون، وسط انهمار المطر، وتصاعد منسوب مياه الفيضان!
- بائع غاز "امحشش"، غلف حصانه العزيز على قلبه بالنايلون، واستمر يجوب مياه الفيضان، مرددا: غاز على عناد الفيضان!
- شاب امحشش، هرع الى الشوارع الغارقة حاملا "الشص"، وباشر بمزاولة هوايته المفضلة، صيد السمك، تحت سحر انهمار المطر، وعلى أمواج مياه الفيضان "المعدله"!
- شباب امحششين، هرعوا الى وضع عشرات الاطارات المستهلكة- اطارات السيارات، وحالما نجحوا في صنع جسر يربط طرف زقاقهم بالشارع الرئيس "الغرگان" أصلا، أطلقوا بيانهم رقم واحد:
"نبارك للشعب العراقي وحكومته الرشيدة عن افتتاح "جسر التايرات الأسطوري".. ونعلن للدول كافة التي لا تريد للعراق الخير أننا سوف نغيضكم بأقل الامكانيات"!
- طالب امحشش ترك كل أجهزة وحاجات بيتهم "الغرگان"، واكتفى بحمل جهاز التلفزيون على رأسه، وراح يسبح في مياه الفيضان مرددا:"أهم شي أعرف عطله باجر لو لا"!؟
- محشش فتح باب البيت بصعوبة فصعق بارتفاع منسوب المياه فما كان منه الا ان مسك بصونده وبدأ يرش الماء!
- مدير احدى البلديات اتصل بمراسل قناة فضائية تقوم بتغطية لأخبار الفيضان ليقول له باللهجة العراقية:"ترا اليوم مطر والشوارع كلهه فايضه.. هالله هالله بينه ودير بالك علينه"!
وهاي هيّه
نكتفي بهذا التصريح.. فما فائدتها في هذه الكارثة؟.. لقد عزا أحد المسؤولين غرق العاصمة بغداد إلى "تقصير وإهمال" أمانة بغداد ودوائرها البلدية، واتهمها بـ "عدم الجدية" في تهيئة شبكات الصرف الصحي و"عدم المصداقية" في التقارير المقدمة، وفيما دعا إلى "دراسة" تعتمد على "معلومات صادقة" لحل تلك المشكلة، حمل الحكومة المركزية وأمانة بغداد مسؤولية ما تعرض له المواطنون نتيجة غرق العاصمة.
وعزا غرق مناطق شرقي العاصمة إلى "إغلاق قناة الجيش وارتفاع الماء فيها بنسبة 95 في المئة ما سبب طفح المياه في مناطق زيونة والبلديات والغدير وبغداد الجديدة"،
واتهم السيد المسؤول، أمانة بغداد ودوائرها البلدية "بالإهمال وعدم الجدية المصداقية في التقارير المقدمة"، داعيا إلى "إعادة دراسة من خلال معلومات صادقة".
آخر كلام.. اقتصادي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، علق ساخرا وهو يسمع أخبارا كارثية عن غرق الحقول الزراعية: "زين راشد اشراح يزرع؟.. وزينب اشراح تعمل؟.. خليهه سكته"!