مدارات

مع التغير الخطير في السياسة الأمريكية … الحكومة الإسرائيلية تنسف حل الدولتين

طريق الشعب
أصبح واضحا تخلي الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب رسميا عن حل الدولتين، باعتباره الحل الواقعي الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بوسائل سلمية. وقد عبر الاستقبال الاستعراضي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 15 شباط الجاري بالبيت الأبيض، والتصريحات التي أعلنت بهذه المناسبة عن تحول كبير في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، يحمل في طياته مخاطر جدية ليس لمنطقة الشرق الأوسط فحسب، وإنما لمجمل ملف السلام العالمي.
وحاول ترامب تغطية هذا التحول بخطاب دبلوماسي، عندما أعلن إمكانية" تعايشه مع الاثنين" ، حل الدولتين، او حل الدولة الواحدة، اي ما يريده الإسرائيليون والفلسطينيون. وهذا تراجع لا غبار عليه عن السياسة الأمريكية في العشرين سنة الأخيرة المبنية على دعم حل الدولتين، ورفض سياسة الاستيطان الإسرائيلية. ومن النتائج الخطرة لهذا التحول ، هو الزخم الكبير الذي تلقته قوى اليمين والمستوطنون المتطرفون، في توسيع المستوطنات القائمة في الأراضي الفلسطينية، وبناء مستوطنات جديدة. إن التوسع في بناء المستعمرات الاستيطانية يخلق واقعا يصعب التراجع عنه. وعلى أساسه يجري تمدد حدود إسرائيل على حساب المناطق الفلسطينية المحتلة.
وخلف إمكانية حل الدولة الواحدة يختفي في الواقع مشروع المتطرفين الإسرائيليين، الذي تبناه "المحافظون" وحكومة اليمين بزعامة نيتنياهو. إن الصهاينة المتطرفون لن يتخلوا عن إقامة "الدولة اليهودية"، التي تضم في نهاية المطاف كامل التراب الفلسطيني، وتثبيت الطابع اليهودي للدولة في الدستور وفي المعاهدات الدولية، وبالتالي خلق دولة لشعب من الدرجة الأولى على الرغم من انه يشكل الأقلية مقارنة بالفلسطينيين، الذين سيصبحون رعايا من الدرجة الثانية، ولا يتمتعون بنفس حقوق المواطن اليهودي، وتأطير هذه العلاقة بين الشعبيين بدولة للفصل العنصري على النموذج الذي كان قائما في جنوب أفريقيا. ولهذا فان حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة إلى جانب إسرائيل هو الحل الوحيد الذي يضمن سلاما دائما في المنطقة.
إستراتيجية جيوسياسية
ويشير مراقبون إلى أن "تضامن" الرئيس الأمريكي الجديد مع اليمين الإسرائيلي يأتي في سياق جيو-سياسي أوسع تعتمده السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط قائم على توظيف الصراعات الطائفية في المنطقة لتطوير تحالف عسكري في اطار ما يمكن تسميته بـ "ناتو الشرق الأوسط" بين إسرائيل وبعض الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية، لمواجهة إيران وحلفائها، والدول التي يمكن ان تتمرد ، وبهذا يتم ضمان توسيع الهيمنة الأمريكية والاستمرار فيها على هذه المنطقة المهمة من العالم. ولهذا لم تعد المراقبة السلبية لتطورات الصراع في المنطقة مقبولة، فهناك ضرورة قصوى للالتحاق بالدول التي أعلنت اعترافها الكامل بالدولة الفلسطينية، والتي بلغ عديدها لحد الآن 136 دولة، ويتمتع اعتراف بلدان الاتحاد الأوربي بالدولة الفلسطينية ومنحها العضوية الكاملة غير المنقوصة في الأمم المتحدة بأهمية فائقة.
التمسك بحل الدولتين
اقر الكنيست الإسرائيلي في السادس من شباط الحالي ما يسمى بـ "قانون التنظيم"، الذي صوت له 60 برلمانيا يمثلون اليمين "المحافظ" و اليمين المتطرف، وصوت ضده 52 يمثلون قوى اليسار والوسط. وبموجب القانون المذكور تضفي حكومة الاحتلال الشرعية على 55 مستوطنة غير شرعية، وكذلك الاستيلاء على 4 آلاف منزل، وأراض زراعية فلسطينية. وقد عبرت منظمة التحرير الفلسطينية وجميع الأحزاب والمنظمات الفلسطينية في الداخل وفي المنفى عن رفضها وإدانتها هذا التصعيد الخطير. واعتبرته منظمة التحرير الفلسطينية شرعنة لسرقة الأرض ودفنا لحل الدولتين، وشددت على عدم شرعية المستوطنات التي تمثل إقامتها واحدة من اخطر جرائم الحرب، وان هذا القانون يعتبر ضما نهائيا للضفة الغربية المحتلة.
وعبرت قوى اليسار و السلام ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان داخل إسرائيل عن رفضها ومقاومتها للقانون المذكور، مؤكدة تمسكها بحل الدولتين. وبالتوازي مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن نظمت هذه القوى مؤتمر داخل الكنيست بمناسبة قرب الذكرى الخمسين لحرب حزيران عام 1967 أدانت فيه تشريع القانون المشار إليه من قبل الكنيست، لكونه يؤدي إلى إقامة دولة الفصل العنصري باسوء إشكالها. وفي كلمة الافتتاح قال رئيس كتلة "القائمة المتحدة"، أيمن عودة، وهو أيضا رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، التي تضم الحزب الشيوعي الإسرائيلي التي لديها في البرلمان الإسرائيلي في 13 نائبا: "إن هناك طريقين فاما السلام او دولة الفصل العنصري ولا ثالث بينهما".