المنبرالحر

قراءة في تنوع مصادر القرار الأمريكي وتأثيرها في الواقع العربي والعراقي / خضر عواد الخزاعي

أن الرئيس الأمريكي أوباما الذي تعود أن يقرأ المستقبل من خلال كتابات فوكوياما وصامؤيل هنتنغتون، لا يرى الواقع إلا بعيون أمريكيه أنهكتها بيروقراطية مؤسسات، ومعاهد الرأي والإستبيان وإعداد الدراسات الإستراتيجية، التي تتمركز في دوائر صنع القرار الأمريكي، والتي في غالبيتها لوبيّات صهيونية يهودية، أو يمينية متشددة تضع في المقدمة من اهتماماتها مصالح وأمن إسرائيل.
لذلك نرى القرارات الأمريكية دائما تكون متأخرة بخطوات، عن وقوع الأحداث وليس استباقها كما يجب أن يكون، بكل ما تملكه أمريكا من وكالات ومؤسسات إستخباراتية، أمريكا أيضاً بإدارة الرئيس أوباما ترى أن من مصلحتها أن لاتتعارض سياساتها الخارجية، مع المصالح الإسرائيلية وخصوصاً أن إسرائيل تعيش الآن فرحة الانتصارات، التي حققتها جبهة النصرة الإسلامية والميليشيات المتعاونة معها على حدود الإسرائيلية - السورية الشمالية.
لذلك تبدو أمريكا اليوم كمن يذر الرماد بالعيون، من خلال تحالفها الدولي واسترايجية محاربة داعش، التي دعت إليها كل حلفائها الإقليمييّن والدولييّن في الخليج وحلف شمال الأطلسي والإتحاد الأوربي واستراليا، فليست لدى الإدارة الأمريكة رؤية واضحة ومحددة حول الأهداف التي تشكل من أجلها التحالف الدولي، بل أن هذه الإدارة تحاول أن توحي على الدوام بأن عملية مقارعة داعش ليست بالمهمة السهلة التي يمكن حسمها بوقت قصير، كما صرح رئيس أركان الجيوش الأمريكية مارتن ديمبسي خلال جلسة الإستماع التي عقدتها لجنة الأمن القومي الأمريكي في مجلس النواب الأمريكي مؤخراً، من أن الحرب على الإرهاب تحتاج لوقت ليس بالقصير، وكذلك ما حرص على إعلانه وزير الخارجية جون كيري في رحلاته المكوكية بالمنطقة من أن الحرب على داعش سيستغرق أكثر من 3 سنوات، فداعش التي تشكلت برعاية أمريكية من خلال تقديم السلاح والخبرات والتدريب، تحاول أمريكا أن تصورها للعالم وكأنها بعبع لايمكن هزيمته، حتى وأن كان ذلك من خلال تحالف دولي يتشكل من أكثر من 60 دولة وبميزانية تجاوزت 5 مليار دولار، وبدى ذلك واضحاً في معارك عين العرب ( كوباني) في سوريا حينما تركت قوات الحماية الكوردية في كوباني تحارب داعش لوحدها وهي محاصرة لما يقارب الشهر والعالم كله يتفرج بل وينتظر سقوطها، كما كان يصرح أركان الإدارة الأمريكية لأكثر من مرة، بان سقوط (كوباني ) ليس إلا مسألة وقت، وأن سقوط هذه المدينة المحاصرة ليس مهماً في أولويات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، بل أن هناك أولويات أخرى استراتيجية في أجندة هذا التحالف، ولا أحد يعرف ما هي هذه الأجندات الحيوية التي تفوق بحساباتها سقوط مدينة مهمة، ومحاذية للحليف التركي بالمنطقة بيد داعش!
ولم تكتف الإدارة الأمريكية وقوات التحالف الدولي بهذا الموقف المخزي، بل زادته في أنها كانت تسقط المساعدات العسكرية والتموينية على المواقع العسكرية لداعش بدل أن تقدمها للمقاومين الأكراد، وحين أكتشف الأمر بررت القيادات العسكرية ماحدث بأنه وقع بالخطأ، أما بالجانب العراقي فأن ما قامت به أمريكا وإدارتها هو ما كان متوقع منها، فبعد الزحف الذي قامت به القوات العراقية وقوى الحشد الشعبي، باتجاه المواقع التي تسيطر عليها داعش في شمال بغداد وجنوبها وطرد عناصر داعش منها خاسرة مندحرة، كما حدث في آمرلي والعظيم وديالى والضلوعية وتكريت وجرف الصخر، جاء التدخل الأمريكي والدولي مخيباً للآمال حين عمدت قوى التحالف الدولي بالتعرض على أرتال وقطعات الجيش العراقي والحشد الشعبي المساند لها، في أكثر من منطقة في العراق وعمدت من خلال مستشاريها العسكرييّن في بغداد إلى تغيير الأولويات على جبهات القتال، وحاولت أكثر من مرة تعطيل الجهد العسكري العراقي وجعل الخطط العسكرية العراقية مرتبطة باستراتيجة التحالف الدولي، بعيداً عن المصالح الوطنية العراقية.
إن كل قراءات أمريكا للواقع والمتغيرات التي تحدث وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط والخليج، سواءاً الآن أو فيما مضى في مجملها لاتخدم إلا المصالح الضيقة للولايات المتحدة الأمريكية، وأصداقائها وحلفائها المقربين وعلى رأسهم إسرائيل، ونظرة متفحصة في قائمة مراكز ومعاهد ومؤسسات صنع القرار الأمريكي تبين لنا الإتجاهات التي تسير بها هذه الإدارة ومنها :
مؤسسة راند : أو مؤسسة البحث والتطوير والتي تعتبر من أكبر المراكز الفكرية بالعالم من خلال كوادرها العاملة والتي في أغلبها كوادر أكاديمية يبلغ تعدادهم 1600 باحث ومحلل سياسي واقتصادي وبميزانية بين 100- 150 مليون دولار والتي تمثل وجهة نظر الجناح المتشدد في وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون.
معهد بروكينجز : تأسس في العام 1927وهو ثمرة اتحاد مع معهد حكومي ومقره في واشنطن ويعنى بالدراسات الإجتماعية والفكرية والسياسية والإقتصادية ويقدم توصيات للإدارة الأمريكية بشأن ماتقوم به من سياسات وما تضعه من استراتيجيات لمواجهة الازمات العالمية ويعمل أكثر من 12 باحث عملوا في وزارة الخارجية الامريكية ومجلس الأمن القومي أمثال مارتن انديك الذي عمل مرتين مساعد لوزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط وكذلك سفيراً لأمريكا في إسرائيل وتبلغ ميزانية المؤسسة اكثر من 40 مليون دولار أكثرها تاتي كهبات من متبرعين ومؤسسات حكومية وخاصة.
مؤسسة هيريتيج : المعروفة بانتمائها لتيار المحافظين المتشددين الجدد وهي أيضاً تضم في صفوفها نخبة من الموظفين المرموقين في الإدارات الأمريكية مثل المدعي العام السابق بحكومة ريغان والين تشاو وكذلك بول برايمر الحاكم المدني للعراق بعد الإجتياح الأمريكي للعراق في 2003.
معهد المشروع الأمريكي : American Enterprise Instituteتأسس في العام 1943 ويعتبر أحد اهم مراكز الفكر اليميني في الولايات المتحدة الأمريكية والذي قال عنه الرئيس بوش الابن : في هذا المعهد هناك مجموعة من أفضل العقول الأمريكية وأنتم تقومون بعمل جيد لدرجة أن إدارتي استعارت منكم عشرين من هذه العقول المفكرة. ويعتبر من المراكز البحثية التي قدمت نصيحتها للإدارة الأمريكية بضرورة إنشاء تحالفات دولية جديدة لرسم خارطة مستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط.
المؤسسة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة (الأيباك) : تأسس في العام 1954 في عهد الرئيس آيزنهاور وكان أسمه في بداية تأسيسه اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة ويعتبر من أقوى اللوبيات الضاغطة في الكونغرس الامريكي وهو اللوبي الذي يستخدمه يهود أمريكا من اجل توفير الدعم لإسرائيل.
من خلال هذه النماذج النخبوية نستطيع أن نكتشف مدى تخبط القرار الأمريكي وتشعب ارتباطاته بأكثر من مركز ومؤسسة ومعهد وهي في الغالب لا تلبي سوى طموحات إسرئيل والتي لاتبتعد كثيراً عن مصالح الولايات المتحدة الامريكية.
وهي في أغلبها تضم أشخاص تمرسوا في عالم السياسة من خلال المؤسسات والوكالات والوزارات الأمريكية ومن ناحية ثانية فإنها تضم نوعية معينة من النخب السياسية ذات الإتجاه اليميني المتشدد وهذه المؤسسات وأن كانت تتبرقع برداء الديمقراطية والتعددية والدعوة إلى الحرية والتمنية فإنها من ناحية أخرى لها أهداف استراتيجية لا تحيد عنها وهي وجوب أن لاتتعارض السياسات الأمريكية ومنهجها مع روح المصالح ومستقبل إسرائيل حتى وأن كان ذلك على حساب كل حلفاء امريكا.