المنبرالحر

المراجعة الفكرية ضرورة لابد منها / تحسين المنذري

منذ أن تبوأ الاسلام السياسي الحكم في العراق ولحد الان لم يستطع أن يقدم أي حلٍ جذري للمشكلات المستعصية التي ورثها من النظام الذي قبله ، بل إنه علاوة على ذلك خلق مشاكل أخرى زادت من حجم معاناة المواطن واسقطت هيبة الوطن الى الحضيض ، تسع سنوات من الحكم لم تأتِ بمنفعة لاحد سوى لرموز النظام السياسي ، ولم تستطع حكومات المحاصصة المتعاقبة أن تعيد الحياة لشيئ من البنى التحتية المدمرة ، بل إنها دمرت ما كان صالحا ، ثلاث حكومات للاسلام السياسي بمحاصصتها المقيتة لم تستطع تأمين حياة الناس كأبسط مطلب إنساني ، بل إنها إستباحت الحرمات وصار منظر الدم مألوفا للشعب بعامته وخاصته ،وفي كل يوم يزداد المشهد سوءا ، حتى باتت وحدة العراق مهددة علنا ، ورغم ذلك لم تتراجع حكومات المحاصصة عن سياساتها الاقصائية المقيتة ولم تنتقص من إمتيازات متنفذيها وحواريهم بل إنها إزدادت توهجا ومع كل إزديادٍ فيها تزداد حياة المواطنين سوءا وترتفع معدلات الجريمة، تسع سنوات وحكم الاسلام السياسي يزداد تعنتا وتزداد الحركات المتطرفة عددا ونوعا ،ولاول مرة في تاريخ العراق الحديث يتنامى شعور الكراهية بين مكوناته المختلفة على خلفية إتساع قاعدة فكرية أقصائية عدائية غذتها بشكل ملحوظ قوى السلطة المتناحرة على ضوء تباينها الطائفي ــ الاثني ،بحيث يمتزج بشكل جلي خليط من تفكير طائفي ــ عنصري لدى بعض المكونات الرئيسية مدعوما بتبريرات يقفز بعضها الى الواجهة مغلفا بنصٍ مقدس أو تبريرٍفقهي حتى صار التطابق يكاد أن يكون تاما بين الموقف السياسي والموقف الديني الطائفي، وتنامى الخوف من الاخر، وإتباع إسلوب التخوين صار السمة الابرز لاحاديث الساسة المتنفذين . الى أن جاء يوم 10/6/2014 ليكشف كل المستور ويفضح عورات المتنفذين جميعا بلا إستثناء ، ومع هذا بقي البعض مستمرا في غييه وتعنته ، ولولا التغيير الاجباري الذي حدث على شخوص حكومة الاسلام السياسي لما تغير في الحال من شيئ . ولعل هذا التغيير أضفى شيئا من الامل بتبدل المشهد على ضوء إجراءات سياسية وبعضها أقتصادية أقدمت عليها ألاجهزة الجديدة في الدولة بشخوص لم يكونوا غائبين عن المشهد السياسي لكنهم لم يكونوا في نفس الوقت متنفذبن ولم يحتلوا مواقع المواجهة مع بعضهم كما صار مع تبدل الحكومة ، رغم إنهم ينهلون من نفس المنابع الفكرية لاسلافهم ، لكن التوجه الجديد هذا والاجراءات التي أُتخذت تكاد أن تبتعد عن خلفية الاقصاء والعداء السابقتين ، وبات الحديث عن الاصلاح والتغيير مشروعا وعلى لسان قادة الاجهزة الحكومية بعد أن كان جريمة في نظر من قمع وتعسف إزاء المطالبين به .
إن المشهد السياسي الحالي رغم إنتقاصه للكثير من مستلزمات الديمومة مثل ضرورة تشريع بعض القوانين الهامة والتي كانت معطلة وبعض النظم التي من شأن إقرارها تسهيل إجراءات الدولة والحد من مظاهر التفرد في الحكم والانعزال السياسي على الصعيد الدولي وغير ذلك ، إلا إن مراجعة نقدية للاسس الفكرية للقوى السياسية الدينية بشقيها وكذا الحال للقوى القومية بمختلف أثنياتها تبقى الاهم في هذه المرحلة ، لكي تنزع فتيل الحقد والتهميش الذي تنامى بشكل كبير في المرحلة السابقة ، ولكي تشكل ارضية خصبة لتغيرات ايجابية أكبر وأيضا وهذا هو الاهم كي تعطي مصداقية للقائمين على الامر ومن شتى المشارب السياسية . إن تناول الاسس الفكرية لقوى الاسلام السياسي بالنقد ليس بالضرورة أن يكون تناولا للدين نفسه بل تناولا للاسس والطرق الفقهية، وأيضا ربما إعادة تفسيرللنص المقدس ـ مادام حمالا لاوجه ـ بما يكفل قبول الاخر وإستبعاد كل أشكال التطرف التي لها تأريخ عريق ممتد لعدة قرون ، وستحسب تلك المراجعة لمن يبتدئ بالامر، فليس ثمة مايمنع الحزب السياسي أو الكتلة السياسية من إعادة التفكير بالتوجهات الفكرية المعتمدة مادام ذلك لايقترب من المساس بأصل الدين المقدس ويكفل الاستمرارية والتطور إنسجاما مع روح العصر وتقبلا للجديد . كما إن من شأن تلك المراجعة الفكرية أن تعيد النظر بالاسس العرجاء التي بنيت عليها العملية السياسية وتغييرها بما يضمن بناءا أفضل للاسس الديمقراطية وبروح عصرية قابلة للتطور .
إن المراجعة النقدية لابد أن تحدث الان او لاحقا، لكنها الان كما أتصور ليست مبكرة بل إنها ضرورية جدا فالتجرية نضجت ونتائجها الكارثية صارت معروفة للداني وللقاصي وكذلك تجارب الاخرين من أحزاب الاسلام السياسي قد وضحت وظهرت نقاط ضعفها وقوتها وبإمكان ساسة العراق من المحاصصين الان أن يستفيدوا منها وأن يقوموا بالمراجعة الان وهم في دفة الحكم خير من أن يقوموا بها وهم مقهورين خارج الحكم وقد لفظهم المواطن خارجا .