المنبرالحر

المدرع / د.ناجي نهر

استهوتني مفردة (المدرع) من فيض واقعة الطف ، وبالضبط من ذلكم المقطع الشجي الذي كان يرويه القارئ السيد جاسم الطويرجاوي فى وصف استفسار زينب بطلة كربلاء عندما دخل عليها اخوها العباس الذي جاء لاخذها معهم الى العراق.. فخاطبته قائلة "ما الخطب يا عباس اراك "مدرع" بالدرع والطاس ".. الى آخر الرواية . المهم ان مفردة (المدرع) مفردة عربية مشتقة من الدرع ..و(الدرع) هو الشئ الواقي الذي يلبسه المقاتل اثناء الحرب والمبارزة ،حيث كان المحارب يتدرع بالدرع ليحمي نفسه من ضربات السيف والرمح تلك التي قد تكون قاطعة او قاتلة للمقاتل(الارعن) الذي لم يتدرع بما يكفي لحماية نفسه. ولاهمية الدروع فى حفظ حياة المحاربين وكسب الحروب ..فقد تنوعت مادة الدروع وتعددت مناشئ صناعتها واضحت اصناف مميزة منها قادرة على ابتلاع ثروات الشعوب الطائلة بالكامل!!. اما فى زمننا الرقمي فقد تجسد السلاح الذي يوفر الحماية المضمونة للانسان فى مستوى وعيه العلمي، وبات الفارس المقتدر هو ذلكم المناضل الذي تنعكس امكاناته وقدراته الانسانية فيما يتميز به من اطلاع على مختلف العلوم والتجارب ، ليتمكن من اختبار الدروع الأكثر وقاية من الاخطار لحمايته او لحماية افراد مجتمعه. لذا اضحى الفارس المهاب فى عصرنا هو ذلكم المناضل النظيف والشجاع المدرع (بالعلم) لوحده والقادر على اختيار الدروع الاكثر وقاية وحماية له و لابناء جلدته ،وسيكون الاكثر قدرة على كيفية توظيف دروعه وفنون فروسيته المجربة لصالح الناس من حوله. فلقد بات الانسان المفتقر للعلم ضعيفا لايقوى على اللحاق بمسيرة عصره وتفسير وتحليل ابسط المتغيرات المتراكمة حوله ، وبخاصة تلك المتغيرات الجديدة المتسارعة التي تلدها الحياة بالثواني. ومن الضروري جدا ان يتعلم المدعون بمعرفة علم السياسة ان الحياة الجديدة فى عصرنا الرقمي تتصاعد حركتها متناسبة طرديا مع تلك الاكتشافات المتسارعة التي لن تتوقف لحظة عن الحركة ، و التي ربما ستسحق باقدامها المتسارعة كل من يتوقف او يتخلف عن الركب. اذن فلا يمكن لكل ذي بصيرة او لكل من يمتلك ذرة من الوفاء للانسانية ان ينسى او يتناسى فوائد علوم الحياة وكل تجارب الناس من حولنا، بخاصة تلك العلوم التى نجحت فى تقييم الناس الذين وجدت تلك العلوم والتجارب من اجل تحسين حالهم ، ثم والاهم ان لا يفوت المسؤول ان حركاته وسكناته باتت مكشوفة ومرصودة ومقيمة فى السلب والايجاب. لذا بات على المناضل الاستفادة القصوى من المواقف الشجاعة للمناضلين، ومقارنتها بزندقة الفاشلين الذين تسببوا لشعوبهم بالويل والثبور. فلقد بات العمل الصالح والطالح مكشوفا ومميزا بنتائجه ، فلا يمكن تطبيق الديمقراطية على سبيل المثال بمعسول الكلام لوحده بل بالاثنين معا (القول والفعل) وبشرط ان يتوجه فعل الساسة المخلصين لشعوبهم نحو العمل الجاد لرفع (الوعي العلمي) لمجتمعاتهم اولا واخراجها من ظلام القمقم الذي تعفنت فيه الأجيال قرونا من الزمن الضائع وكأنهم عوقبوا بجريرة ثقب الكوكب التي يعيشون عليه فاصابتهم تداعيات مريرة منعتهم من التفاعل مع الضوء وإستنشاق هواء الحرية الحقيقي الذي يتطلب التجديد والعمل الجاد ، وليس التخفي وراء الدروع المثقوبة الواهية غير القادرة على حماية المنجزات او غير القادرة على تحطيم الجدران المعرقلة للتطور والتفاعل مع التجارب الناجحة للشعوب من حولنا بعد تعديلها لتكون مفيدة باختزال الزمن ومتناسبة مع حاجةمجتمعاتنا الآنية. لذا كان على الشيوعي على سبيل المثال ان يتدرع بالعلم فى حالتين: الاولى : عندما كان يتغلغل فى اعماق الجماهير هادفا توعيتهم بحقوقهم المشروعة والمسروقة واساليب انتزاعها من العدو الجائر واسترجاعها لهم، والحالة الثانية عندما كان يقف مدرعا امام الطواغيت كالطود الشامخ لحد التضحية بحياته صونا للامانة والاسرار التي كان يحملها عند القبض عليه ، فمرحى لهذا الطراز من المناضلين!!
ولا يسعني فى الختام الا ان اجدد لجميع شعوب العالم مواصلة النضال معهم حتى الرمق الاخير .. مع احر امنياتي لهم بحلول العام الجديد.. متمنيا لهم الازدهار والانتصار والخير والمحبة والاهتداء بالعمل الصالح..