المنبرالحر

سينقلب السحر على الساحر / مرتضى عبد الحميد

هذا المثل الشعبي عميق في معناه، متناغم في مبناه، واقعي في مؤداه، وكنا شهوداً على تحققه في السنوات الأخيرة، وفي دول ومدن متاخمة لنا، كما جرى في سوريا الشقيقة، وبدرجة اقل في بعض دول الخليج فكم مرة ناشدنا الأخوة السوريين والخليجيين، أن لا تدعموا القاعدة والمنظمات الإرهابية الأخرى، لأنها سوف لا توفركم مستقبلاً، بعد أن تنتهي من تدمير العراق وقتل العراقيين، فمهمة هذه المنظمات الهدم لا البناء تبعاً لأجندات الذين أنشؤوها ودربوها ووفروا لها كل شيء لكي تلعب هذا الدور القذر في تحطيم مقدرات الشعوب والعودة بها إلى العصور الحجرية، مستندة في ذلك إلى فكر ظلامي وفلسفة تكفيرية تقول أن كل المجتمعات العربية والإسلامية هي مجتمعات كافرة ولا بد من أعادتها إلى جادة الصواب وأسلمتها عن طريق العنف والقسوة المفرطة، وفي مسعاها الجهنمي هذا لا ينقصها من يصدر لها الفتاوي المطلوبة ولا النصوص الدينية حمالة الأوجه.
لكن الحكام في منطقتنا يمتازون بصفات يحتقرها حكام الدول الديمقراطية، وأول هذه الصفات قصر نظر السياسي بل العمى السياسي، فترى الحاكم لا يرى أكثر من أرنبة انفه، ولاتهمه سوى مصالحه الآنية، إما ما يعرف بالستراتيج والنظرة البعيدة المدى، فيبدو أن الله قد انتزعها منهم وألقاها في سلة المهملات، وإلا بأي منطق ووفق أية نظرية قام السوريون بفتح معسكرات التدريب لوحوش القاعدة وتقديم كل المساعدات لهم، وصولاً إلى جعل سوريا ممراً امناً لدخولهم إلى العراق وشن حربهم الإجرامية والقتل على الهوية؟ وها أن عقارب الساعة تعود إلى الوراء، ليدمروا سوريا الجميلة الوادعة، واحة العراقيين وكل شعوب المنطقة التي أنهكها الموت المجاني، ورداءة الطقسين السياسي والطبيعي.
أن هذا المرض الخطير لم يعد مقتصراً على الحكام العرب وحسب، فالعدوى انتقلت إلى السيد «اردوغان» حاكم تركيا الأوحد، الذي يحتضن «داعش» ويوفر لها كل التسهيلات المطلوبة للوصول إلى سوريا والعراق.
لقد استطاع القائد التركي أن يخدع ملايين الناس، بل شعوباً بكاملها بأنه يختلف تماماً عن مدعي الإسلام السياسي، وهو قادر على إنتاج طبخة تجمع بين فكره والديمقراطية، وكالعادة أيده بحرارة الكثير من الناس المصابين بلوثة القائد الضرورة والمنقذ، ووضعوه في مراتب لم يكن يحلم بها. لكن الزيف سرعان ما انكشف وبان على حقيقته فذئاب «داعش» تسرح وتمرح في تركيا، وهناك العشرات من المكاتب العلنية وشبه العلنية في مختلف المدن التركية لتجنيد الراغبين في الانضمام إلى «داعش» مقابل مبالغ مالية مجزية، فضلاً عن التسهيلات اللوجستية والتسليح والتمويل بسخاء، لا لشيء إلا لغرض القضاء على النظام في سوريا الذي عليه عشرات بل مئات الملاحظات ومن ثم جعلها مع العراق ضمن إمبراطوريته الجديدة، دون أن يعبأ بما يصيب الشعبين من دمار وويلات يعجز الوصف عنهما. ودون أن يفكر ولو للحظة واحدة، أن هؤلاء الإرهابيين سينقلبوا عليه طال الزمن أم قصر.
أنها مسؤولية الحكومة العراقية والمجتمع الدولي في الضغط على حكام تركيا، وفرض عقوبات عليهم تردعهم وتعيدهم إلى صوابهم.