المنبرالحر

السياسة وأسعار النفط العالمية / محمد النهر

تحت ضغط الشعوب العربية وما حققته الدول العربية من انتصارات في بداية الحرب مع إسرائيل 1973 ، ولشعبية شعار ( استخدام النفط في المعركة )، اضطرت الدول العربية المنتجة للنفط إلى إيقاف تصدير النفط ، مما ولد هزة قوية في الاقتصاد العالمي وخاصة في الدول المستوردة للنفط . ولكن بعد أن تحول مسار الحرب لصالح إسرائيل عندما سيطرت إسرائيل على الجولان وتهديدها لدمشق وكذلك احتلال كامل القدس الشرقية والضفة الغربية وعبور الدبابات الإسرائيلية لقناة السويس، ونتيجة للضغط الدولي وخاصة من الاتحاد السوفيتي ، تمت الموافقة على إيقاف إطلاق النار بين الدول العربية وإسرائيل . وعاد تصدير النفط كما في السابق، ولكن ليس كأن شيئا لم يكن .
وتلافيا لحدوث هزات مماثلة في سوق النفط العالمي تم رسم إستراتيجية جديدة من قبل الدول الرأسمالية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، أساسها عدم السماح لاحتكار سوق النفط من قبل (أوبك) التي كانت تتحكم بـ 90% من صادرات النفط العالمي في ذلك الوقت.
بعد الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق من قبل الولايات المتحدة وحدوث الخلافات بين الولايات الأمريكية والمملكة العربية السعودية ، وفي إحدى الندوات عن مستقبل إنتاج النفط في الظروف الجديدة ، تحدث خبير النفط السعودي ووزير النفط الأسبق في السعودية الشيخ أحمد زكي يماني وهو أول أمين عام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ، عن كيفية رفع سعر برميل النفط بعد حرب 1973 مباشرة إلى الضعف ، حيث رفعت إيران في زمن الشاه فجأة سعر برميل النفط إلى 70 دولار ، وهو ضعف السعر في ذلك الوقت ، مما اضطر المسؤولون في السعودية الطلب من أحمد زكي يماني وزير النفط وأمين أوبك ، الاستفسار من شاه إيران عن سبب هذه الزيادة ، وإن هذا الإجراء سيثير غضب الولايات المتحدة الأمريكية وهي مستهلك رئيسي للنفط المصدر من المنطقة ، وكان جواب شاه إيران بأن رفع سعر النفط إلى الضعف جاء بطلب من الولايات المتحدة نفسها وهي تطلب منكم عمل ذلك أيضا ، وتبنى الباقون من الدول المنتجة السعر الجديد ، وكان ذلك سببا في إقرار العراق ما سمي (الخطة الخمسية الانفجارية عام 1975) .
إن هذا السعر الجديد يعتبر مكلفا بالنسبة للدول المستهلكة للنفط ، ولكن الهدف كان لتشجيع الدول التي لديها احتياطات نفطية كلفة إنتاجها عالية على الإنتاج بهدف القضاء على تحكم أوبك في سوق النفط . وهذا ما حصل في الواقع ، حيث انخفض إنتاج أوبك في السوق العالمية من 90% إلى 30% نتيجة لهذه السياسة الجديدة . ونتيجة إلى اتساع الطلب على النفط عالميا ، وكذلك المضاربات في سوق النفط ، ارتفع سعر برميل النفط حتى وصل إلى 110 دولار ، مما شجع على الإنتاج وكذلك على استخراج النفط من الزيت الصخري والذي تكون كلفة إنتاجه مرتفعة وبحدود 70 دولار للبرميل الواحد ، مما ولد فائضا في إنتاج النفط في السوق العالمي ، وأدى هذا إلى تراجع أسعار النفط حتى وصل سعر برميل النفط إلى 45 دولار . مما أدى إلى الإضرار بالكثير من الدول المنتجة والتي تعتمد بالأساس على واردات النفط ومنها العراق . ولا يخلو هذا الانهيار في أسعار النفط وبهذه السرعة من مناورات سياسية تهدف إلى معاقبة روسيا وإيران وفنزويلا وغيرها . ومع ذلك قررت أوبك عدم تخفيض الإنتاج حتى لا تتأثر حصتها في السوق ، ولأن العديد من بلدانها المنتجة تكون كلفة الإنتاج فيها منخفضة أي أقل من 20 دولار للبرميل الواحد ، بالإضافة إلى الاحتياطات النقدية الكبيرة خاصة في السعودية ودول الخليج ، وهي تهدف أيضا إلى إزاحة إنتاج الزيت الصخري الذي تبلغ كلفة إنتاجه 70 دولار . ولهذا صرح مسؤولون من أوبك وكذلك وزير النفط السعودي مؤخرا بأنهم يسعون إلى بلوغ سعر البرميل إلى 70 دولار ويعتبرونه سعرا متوازنا ويحقق الربح والاستقرار في السوق العالمي ويؤدي كذلك إلى مزاحمة قوية لإنتاج الزيت الصخري ، ولكن متى سيتحقق ذلك ؟ فالمعروض من النفط لازال في تزايد ، والطلب لا زال يتقلص ، والسعر لازال في انخفاض ، والمتوقع أن يصل إلى أقل من 40 دولار.