المنبرالحر

بلاد على الشارع العام / قاسم السنجري

للعراق علاقة قوية بطرق المواصلات وشوارعها، فمنذ تكوينه الجيوسياسي وهو يعدُّ ممراً للقوافل التجارية كما هو ممرٌ لغزوات عديدة، جلبت له الاحتلال وجعلته منطلقا لغزو مناطق أخرى، وحولته إلى ثكنات عسكرية ترتبط بهذه الشوارع وتفرض هيمنتها عليها.
والشوارع في تاريخ العراق؛ أخذت مكانا بين سطوره وحوادثه، فقد حَفِظَت لنا الرُقم الطينية سيرة شارع الموكب البابلي وفيه تستعرض الجيوش البابلية بحسب ما ينقل المؤرخون. وقبل أكثر من قرن؛ احتفلت بغداد بشارع (خليل باشا جاده سي) أو ما يُعرف حاليا بشارع الرشيد، والذي اصبح معلماً من معالم بغداد، رغم ما يعانيه الآن من شيخوخة قد تجعله أثرا بعد عين. إلاّ أنه لم يخل ُ من اهم ثكنة عسكرية في تاريخ العراق الحديث؛ ألا وهي وزارة الدفاع القديمة، هذه البناية القديمة الطراز شهدت أحداثاً تركت أثرها البالغ في تاريخ العراق وتحولاته السياسية.
بغداد وحدها، لا يخلو شارع من شوارعها العامة من دائرة عسكرية أو مقر لوزارة تحيط به القوات الأمنية وتأخذ حيزا من هذا الشارع أو ذاك. فالمواطن البغدادي الذي يتجه من مركز العاصمة صوب جنوبها الشرقي لا بد له أن يمر بشارع معكسر الرشيد. وأما اذا اتجهت شمالا فمن المؤكد أن تسمع وأنت تستقل الباص، اشخاصا ينادون على السائق : (الباب الأول نازل)، نعم فهو يسير في الطريق الصحيح لمعسكر التاجي، الذي يعد من أكبر الثكنات العسكرية شمالي بغداد.
وليس بعيداً عن مركز بغداد يقبع مطار المثنى سابقا، حيث تحول إلى معسكر فضلا عن احتوائه على سجن يضم معتلقين بتهم الارهاب. وهو السجن نفسه الذي فرَّ منه الارهابي شاكر وهيب؛ الذي ما أن قفز من السياج حتى وجد سيارة تنتظره على الشارع العام الذي يطل عليه المعسكر ليمارس ارهابه مع تنظيم داعش الارهابي.
هذه المقدمة الطللية لها مناسبة بكل تأكيد، وهذه المناسبة هي قرب تسليم الملف الأمني للعاصمة بغداد إلى وزارة الداخلية، لتتولى هي ودوائرها الشرطوية مسؤولية الحفاظ على الأمن فيها.
ان بغداد تعاني تداخل عمل الأجهزة الأمنية الكثيرة، وترى هذا واضحا في كثرة السيارات الأمنية والعسكرية التي تجوب شوارع العاصمة وتسهم في زحامها وتعيق حركة السير فيها، كما أن اعتقاد كل دائرة أمنية موجودة في بغداد بأنها هي المسؤول الأول عن أمن بغداد، انعكس على القرار الأمني وزاد من ترهل التعليمات الصادرة. وهذا الأمر تم استغلاله من قبل جهات مسلحة تحمل هويات أمنية استطاعت ان تنفذ عمليات إجرامية وهي ترتدي الزي الرسمي وبهويات رسمية، لم تتمكن السيطرات الكثيرة المنتشرة في شوارع بغداد العامة والفرعية من إيقافها.
إن حصر الملف الأمني بيد جهة واحدة كوزارة الداخلية، سيمكنها من مسك هذا الملف ومعرفة الأجهزة الأمنية التي لا تخضع لسلطتها وتنظم عملها بما ينسجم مع هدفها الأول وهو توفير الحماية الأمنية للعاصمة.
ومن الأمور التي يجب ان تنتبه اليها الحكومتان الاتحادية والمحلية في بغداد، أنَّ تخفيف العبء العسكري عن شوارع بغداد سيسهم في استقرارها، وإظهار وجهها المدني بعد سنوات من العسكرة وتحويلها إلى ثكنة كبيرة.