المنبرالحر

مراجعة في بعض أساسيات العملية السياسية / تحسين المنذري

منذ أن إنطلقت العملية السياسية في عام 2003 وما إنبثق عنها من فعاليات ومؤسسات والى الان فإنها تعاني ليس فقط من ثغرات بيّنة وإنما مرت بفترات إنتكست فيها بحيث كادت أن يجهز عليها بالكامل حتى من قبل قوى سياسية من داخلها ، ومهما بدت الامور في بعض الاحيان وكأنها تسير بسلاسة إلا إنها في ذات الوقت تحمل أسباب إنتكاسها بل وحتى فشلها ، حتى جاءت أحداث الموصل في العاشر من حزيران المنصرم وما قبلها من تطورات عمقت حدة الصراع الطائفي وكشفت عمق الهوة التي تفصل بين قوى العملية السياسية من جهة وواقع العراق المتردي بشكل مزرٍمن جهة اخرى ، مما يستدعي مراجعة شاملة للوضع بمختلف مفاصله، ولعل العملية السياسية تحتل موقع الصدارة في ضرورة مراجعة أسسها ومساراتها . فكل ما تحصّل من العملية السياسية في غضون مايقرب من الـ 12سنة لم يكن سوى مظاهر حريات ناقصة أقرب الى الفوضى منها الى الديمقراطية ،حتى سادت الطائفية السياسية كل مفاصل الحياة وبات التمييزعلى أسس غير إنسانية هو المبدأ ولم تتبن قوى العملية السياسية المتنفذة بشكل خاص هدفا إقتصاديا تسعى لتحقيقه ماعدا دعوات لسيادة القطاع الخاص ووفق أسس الفوضى ذاتها ، ولم تعرْ لا المؤسسات السياسية ولا الاقتصادية موضوعة التنمية أي إهتمام سوى ورود كلمات خجلى في بعض الاحيان هنا وهناك في أدبيات الساسة وبعض خطبهم سيما تلك التي تأتي في فترة ما قبل الانتخابات ، لذا فإن جعل التنمية وبشقيها الاقتصادي والبشري هي الهدف الاعلى للعملية السياسية سيوفر الكثير من الجهد وقد ينحّي بعض التناقضات جانبا من أجل الرقي بالمجتمع وفق سياسات تنموية ، ولغرض أن تسود فكرة التنمية وأن تحقق مغزاها فلابد من :
1- الديمقراطية : "لا تنمية حقيقية بدون ديمقراطية" ، فكرة أجمع عليها غالبية الاقتصاديين في العالم ومن مختلف المشارب الفكرية ، ذلك إن الهدف الاهم للتنمية هو تلبية حاجات الناس فإن لم تكن هناك ديمقراطية فكيف يستطيع المجتمع أن يعبر عن إحتياجاته ؟ على هذا فبناء الديمقراطية لابد أن يتم وفق قوانين مدروسة تكفل العلاقة الصحيحة بين كل قوى المجتمع على أسس سليمة من شأنها أن ينتظم الصراع بموجبها وفق ضوابط اقتصادية ـ إجتماعية ، تحدد المسارات السياسية للقوى التي تتبنى أهداف التنمية .
2- فلسفة التنمية : فلابد من تحديد فلسفة معينة للتنمية قد تكون هي بحد ذاتها موضوعا مصيريا في صراع القوى السياسية ـ الاجتماعية ، فعلى أي أسس ستقوم التنمية هل وفق سيادة الاقتصاد الحر ؟ فيجب وضع آليات وضوابط النمو الاقتصادي وضوابط للاستثمار سواءا للرأسمال المحلي أو الاجنبي وفق أهداف التنمية وليس منفلتا كما هو حاصل الان .وإن كان وفق نظام إقتصادي مختلط أي تتبنى أجهزة الدولة الاقتصادية تحقيق جزء من أهداف التنمية والجزء الاخر يصبح من مسؤولية القطاع الخاص فأيضا لابد أن يكون ذلك وفق ضوابط ومحركات للسوق والعمل على حد سواء كي تنجز التنمية أهدافها المنشودة ، وفي كلا الحالتين فإن التغير لابد أن يكون ضمن حسابات التخطيط المركزي للدولة وفق متغيرات السوق المحلية أو تأثيرات السوق الدولية والتي لابد من وضع ضوابط إستيراد وتصدير السلع بما يكفل التطور ويحمي المنتج المحلي . كما إن التنمية البشرية في هذا الاطار تصبح حاجة ضرورية لنجاح خطط التنمية الاقتصادية وبالتالي لابد لها أي التنمية البشرية أن تعتمد الاسس العلمية الحديثة في تطوير قدرات المجتمع البشرية ووفق الحاجة لذلك، لا خلق شرائح مدربة لكنها معطلة لعدم الحاجة لها .
3- الموقف من شروط البنك والصندوق الدوليين :من شـأن تطبيق تلك الشروط أن تحد الدولة من عموم نفقاتها ، مما يزيد من حدة الفقر( تراجع في عدد ونوعيات البطاقة التنموية خير مثال ) خاصة في دولة مازال الاقتصاد الريعي هو المتسيد ، ومنذ عام 2003 والى الان تجد الحكومات العراقية المتعاقبة نفسها مجبرة على السير مع تلك الشروط حيث شروط نادي باريس المطابقة لها والتي إلتزم بها العراق نتيجة لحصوله على إمتيازات تخفيض في ديونه المتراكمة من العهد المباد إضافة الى قروض من صندوق النقد الدولي ، وهذا يعني إن تقليل الانفاق الحكومي يقود الى ضعف في البنى التحتية أو تراجع في تنميتها مما يسبب حتما ضعفا في معدلات التنمية على كل الاصعدة .إن ذلك يملي على القوى المشاركة في العملية السياسية أن تحدد موقفها من تلك الشروط رفضا أو قبولا وفي حالة القبول عليها طرح برنامجها البديل أو المكافئ.
4- الموقف من إتفاقية منظمة التجارة العالمية ( الجات): والعراق في الطريق الى الحصول على كامل العضوية في هذه المنظمة والتي من شأن الالتزام ببنودها أن تفتح الابواب على مصراعيها للبضائع المستوردة على حساب المنتوج المحلي ، لذلك فإن التسليم بكل متطلبات إتفاقية الجات يؤدي بشكل لايقبل الشك الى تراجع مستوى المنتوج المحلي كما ونوعا ، لذلك بدلا من شروط الاتفاقية المجحفة يفترض أن يتم تشريع قوانين تدعم الانتاج العراقي على صعيد الضرائب الكمركية أو تقليل فوائد القروض وتقليل ضرائب الدخل وغيرها
وأخيرا لابد من التأكيد على إن العملية السياسية إذا ما بقت بدون أهداف ستراتيجية وبدون قنونة لاسس الديمقراطية التي أرادت الجماهير أن تقوم عليها فإنها سوف تبقى عرضة ليس فقط للهزات والتراجعات بل وايضا الى تعزيز نظام المحاصصة ليتحول من نظام إدارة سلطة الى نظام دولة وهنا تكون الطامة أكبر ، فلابد من تغيير نوعية الصراع ونقله الى مستويات تخدم المواطن وليس المسؤول .