المنبرالحر

إسكان عالمي / قيس قاسم العجرش

أسوأ المسؤولين الحكوميين هو من يظن بأن المشاكل التي يواجهها في إدارته، لم يسبق أن مرّت على أحد!
هذه العبارة، منحتني إياها أستاذة من ألمانيا تخصصت في علوم الإقتصاد، أثناء محاضرة ربطت فيها بين قدرة الناخب على التصويت وبين توفر السكن له وفقاً لمعايير معينة.
الناخب الذي يعاني من «قلق» سكني واضطراب في شأن توفر مسكن، ينعكس هذا الاضطراب على مشاركته الإنتخابية، والمفاجأة كانت هنا.. التصور الأول أن الناخب لن يشترك في الإنتخابات كلما ارتفع لديه مؤشر الاضطراب السكني.
لكن الإحصائيات والدراسات التي شرحتها الأستاذة الالمانية أفادت بعكس ذلك، وبإن هذا السلوك يتذبذب وفقاً لعوامل قد لا تخطر على البال.
حيث وجدت دراساتها أن الناخبين الذين يعانون من تغير محل سكناهم بمعدل أكثر من الآخرين، صوّتوا لصالح القوى المحافظة التي تعلن صراحة أنها مع تطويق حقوق المهاجرين ومع خفض الإنفاق العام على الفئات الأكثر فقراً. ولنتصور: من الذي يغير سكنه كل ستة شهور إن لم يكن يفقد عمله بالفعل كل ستة شهور؟
ترى كيف يمكن لشخص يعاني من شحة فرص العمل أو من أزمة في تأمين السكن أن يصوت على ما يبدو بالضد من مصلحته؟ فهو يمنح صوته لقوة سياسية غير معنية بمصالح الفئة التي ينتمي هو لها.
أوضح التفسيرات تقول إن هذا التصويت بالضد من مصلحة الطبقة إنما هو نوع من الإحتجاج على(سلبية)الأداء السياسي للقوى التي تدعي تمثيلها لهذه الطبقة.
نقمة، تتحول الى تصويت للآخر!
لكن المحافظين ادركوا وقتية هذا الاصوات ومزاجية الفرصة التي منحتهم إياها،وهم افضل من غيرهم في انتهاز الفرص. لذلك أطلقوا قبل غيرهم مشاريع تعتمد ما يعرف بـ HLM سابقين بذلك حتى القوى التي تميل الى اليسار.
ومشاريع HLM هي مشاريع الإسكان واطئ التكاليف والميسّر في الدفع، الأمر الذي جعلهم يظهرون بمظهر (ثوري) وإنساني كانوا بأمسّ الحاجة إليه. ولأنهم على علاقة جيدة برؤوس الاموال العاملة فقد كانت حصّة للشركات القريبة من اليمين حصة الأسد من هذه المشاريع المضمونة من قبل الدولة، يعني من قبل(المال العام)! الذي منعوه أصلاُ في حملاتهم عن الفئات الأكثر فقراً!
بعبارة أخرى، يدعون الدفاع عن المال العام ويمنعونه من الإنسياب للفئات الأكثر فقراً، لكنهم يشجعونه إذا جلب الأرباح لشركاتهم!
العملية ليست خدعة، بقدر ما هي دراسة مستفيضة لمؤثرات الشأن الشخصي على قناعة الناخب، ومن يعرف أكثر ...سيربح سياسياً أكثر من غيره.