المنبرالحر

پو .. رجل الدين المزيف / عبدالكريم قاسم

كان ملا نصر الدين في محكمة، حيث كانت هناك قضية ضده، لأن زوجته أبلغت المحكمة بأنه كان يضربها. فإن سأله القاضي: هل كنت تضرب زوجتك ؟ فبإمكانه أن يقول نعم، أو لا ، مهما كانت الحالة. لكن، القاضي سأله: ملا نصر الدين، هل توقفت عن ضرب زوجتك؟ فإن أجاب بنعم، هذا يعني أنه كان يضربها من قبل، وإن قال لا، فهذا يعني أنه لا زال يضربها.
لذا هرع الى عارف ببواطن الأمور بعد أن قال للقاضي: امنحني قليلا من الوقت.
قال له العراف الأعلى: عليك أن تقول پو.
سأل العراف: ما هي هذه ال پو ؟.
قال له: هذه مشكلة القاضي، دعه يقرر ما هي پو ، قل له ذلك بكل بساطة.
إن كل لغة في العالم تنقسم الى نعم و لا ، الى أسود وأبيض؛ لكن الحياة رمادية، وهذه ال پو (هندية) تعني أن الحياة رمادية، فمن جهة تكون سوداء داكنة، ومن جهة أخرى تكون بيضاء، لكن ما بين الطرفيين تماما توجد الموجات الرمادية.
ثمة مصيبة وقعت على العقل البشري منها على وجه الخصوص العقل على الساحة الإسلامية غير المتنور هي أرسطو؛ لأنه قدم موقفا منطقيا تجاه الحياة، يعتبر موقفا مضللا. لقد قدم للدارس والقارئ: إما نعم أو لا، ذلك بقوله: ( لا يمكن أن يصحا كلاهما معا). في حين أنهما يصحان معا. إن الأول لا يمكن أن يصح من دون الآخر، لأن الحياة هي كليهما: الليل والنهار، الصيف والشتاء، الحار والبارد، اليابس والرطب، الذكر والأنثى، السالب والموجب، الله والشيطان. إن الحياة كل مجتمع، لا تنفصم. عندما يتوصل الإنسان الى إدراك هذه الوحدة للحياة، فسيصبح من الصعب جدا أن يصح ما يقوله، أو ما لا يقوله فيها. إنه مهما يقول فيها فسيكون كلاما مضللا، لأن اللغة لا تسمح إلا بنعم أو لا.
إن كل ما تسعى إليه الفلسفة والدين والمرجعيات الرشيدة الإسلامية والمسيحية وبقية الطوائف وكلها خط أحمر لا يمكن تجاوزه، تسعى الى ان تجعلك، كيف تكون واحدا، بحيث تختفي كل التقسيمات، يكون قلبك واحدا، عقلك واحدا، وحدة كلية. ليس فحسب، بل أن تجعل أيضا عقلك وقلبك واحدا، وحدة كلية، عندئذ تصل الى ما هو حقيقي.
أما إذا قيلت لك غير حقيقة ومن شخص غير حقيقي رجل دين أو يدعي المرجعية، فهذا مزيف يتوارى خلف مشكلات الشعب والمجتمعات المحلية مهما كان دينه ومذهبه وصدق عقلك لن يفيد العقل أمام الحقيقة بل الحقيقة والعقل هنا يكونان معيقين. لأن إذا قيلت لك المعلومة، سوف تصبح عقيدة، والعقيدة معرقلة. سوف تصبح المعلومة نصا مقدسا تابوا، وتقليدا، والتقليد شيء مضلل، لأنك تقلد مرجعا مزيفا وهذا المرجع من تراجع عن الحقيقة الإلهية والدراسة الحوزوية والمقلد من زور الأصل واتبع المتراجع.هذا كله تزييف و زيف وأنت أصبحت شخصا مزورا ولست عبدا حقيقيا لله ولا مرجعا دينيا متنورا ولا مصلحا. بل، عليك أن تكون قدوة للناس مثل بقية المراجع و رجال الدين العظام من كل الأطراف والأطياف، التي تحقن الدماء وتحفظ المجتمع وتحمي حدوده الجغرافية والتاريخية والدينية وترفض البدع باسم الدين.
هؤلاء الأشخاص المقلدين الذين عاشوا في عالم مغلق العقل هم دائما أشخاص جداليون يطالبون بالمناظرات وإلقاء المحاضرات. وكلما كان العقل مغلقا، كلما كان أكثر مجادلة، لأنه لم يعرف أي شيء يتجاوز الحجة والمنطق الأرسطي والاستنتاج أو ان يلوذ بالأحوط وجوبا التي تحمل نعم ولا وهي ( پو) رجل الدين و المرجع المضطرب وقضاياه غير الشرعية التي انتشرت على الساحة الإسلامية. ولأنك عشت في الظلمة لا يمكن التحدث معك عن النور، وشروق الشمس. أنك باق في غروب المرجعية غير الحقيقية وبعيدا عن المرجعية الرشيدة العالمة بالأمور والعاملة بالميدان لتصحيح اعوجاج الأفكار والمواقف الحكومية والمجتمعية والفردية، التي نخرت عقول الكثير خاصة الشباب، وهل هم بحاجة الى انحرافات جديدة؟؟.