المنبرالحر

البطاقة الوطنية تشريع لقانون برلماني أملَط / سعيد غازي الاميري

المندائيون كغيرهم من اهل العراق الأوائل يتلقون برقيات التهاني من رأس الدولة العراقية المدنية ومنذ تأسيسها بعهديها الملكي والجمهوري بمناسباتنا الدينية الكبرى، ومن ثم حقبة ما بعد التغيير حيث توالت علينا التهاني والتبريكات ومن كل حدب وصوب تزامنت مع الانفتاح الإعلامي الغير مسبوق لسيل من القنوات الفضائية
وبه حسبنا الامر ومعنا بقية الطوائف والأديان الغير مسلمة كله ايجاب بمعانيه كنوع من السلم الأهلي والذي تراجع كثيراً وعلى نحو مخيف..
عزز هذا الانفتاح الإعلامي بخطوات الحد الأدنى من حقوقنا تظميناً بالدستور الجديد والذي كتب في غرف الضوء الخافت فخرج عسيراً كونه حمال أوجه في أكثر من باب وفقرة يدلل على قصور او خبث نوايا كتبته أريد به ان يبقى العراق بدوامة لا تنتهي.
"أَملَط "مصطلح شائع عند العراقيين يتداولونه كصفة للعوز، الزوغان، نكث العهد والكذب ومرد هذا الاختيار الشعبي لهذه الكلمة هو التضمين الواضح لمعناها واشتقاقها
وكما في هذا التعريف المقتبس [أَمْلَطَتِ النَّاقَةُ جَنينَها: وَضَعَتْهُ لاَ شَعْرَ عَلَيْه] خرج علينا البرلمان العراقي بتشريع لقانون أملط هو الاخر أسمه قانون البطاقة الوطنية! وعبارة وطنية تشمل كل اهل العراق بأطيافه فيها إلزام ادبي وقانوني لحفظ كرامتهم وحقوقهم بما فيها حق المعتقد وليس التكريس لسلبه باضطراب صريح دمجت به ازدواجية المعايير المنصوصة في الدستور الجديد.
الغريب الملفت هو التصويت لتمرير القانون السيء الصيت والمقصد قد تم بهدوء وسكينة على غير المألوف لبرلمان سمته البارزة الضجيج والتنافر بالسلوك والنوايا بدليل باتت فيه اغلب القوانين المهمة معطلة بسبب عدم حصول ذلك التوافق المريب والذي تم به تمرير هذا القانون في مخالفة صارخة للدستور نفسه فأجازوا لأنفسهم الإفتاء والتشريع الديني!
هذا الطبخ المتأني "بحطب خاص " من قبل كتل المحاصصة المتسلطة على مقاليد الحكم نترجمه بانه اتفاق غير مسبوق لإذلال هذه المكونات الاصيلة لسكان العراق الأوائل مقترن بدق أسفين التفتيت والتشرذم لنسيج كياناتهم الاجتماعية وفطرتهم الدينية والتي جُبلوا عليها مثل كل البشر لا تنقصهم شائبة وتحديداً بنص الفقرة ثانيا من المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية والتي اقرها مجلس النواب بتاريخ 27-10-2015 والتي تنص على تبعية الاولاد القاصرين الى الدين الاسلامي حين يعتنق أحد الابوين الاسلام
هذه الفقرة التي تسلب ادمية معتنقي الأديان الأخرى ضاربة عرض الحائط كل الادعاءات وبرقيات التهاني والتأكيدات بمناسبة او بدونها لعهد جديد قد حلَّ علينا سيعيش به العراقيون اخوة متحابين يضمن لهم الحق بالعيش الكريم بعقد اجتماعي اسمه الدستور يصون حرية الدين والمعتقد!
برلمان العراق بعهده الجديد يشرع لقانون يسلب هبة الله لصلب الجنين وهو في رحم امه فيلزمه القانون المزمع ان يغير معتقده الديني قبل أن يولد وللأطفال قبل بلوغه سن الرشد اذ ما غير او ترك أحد الابوين دينه واعتنق الدين الإسلامي بالترغيب او الترهيب والاثنان في اعلان معنا عبر الحقب والازمان وهذا تاريخ لا طَمّرَ فيه مهما زاغت او زوقت أقلام الكتبة.
صحيح بان القانون تم التصويت عليه بالأغلبية البسيطة كما وردَنا بانها نوع من الممانعة او الاحتجاج ولكن العكس هو الصحيح فالقانون قد تم تمريره وهذا المهم ومن كل القوى القابضة والرابضة بنسب متفق عليها تكفي للتمرير وما عداه لا يغدو أكثر من تبرير للمجاملة وإحدى هذه التبريرات المقرونة بالبلاهة تناهى لمسامعنا بان بعص النواب الذين صوتوا لم يفقهوا مخاطر ولؤم الفقرة أنفة الذكر.
البرلمان العراقي بمشهده الحالي مفصل لقوى إسلامية وعلمانية او ليبرالية كما يحلو لهم الوصف!!
فالقوى الإسلامية بشقيها الشيعي والسني مررت القانون بفقرته المخجلة والفائضة عن مقاصد القانون اصلاً أفسرها ربما تقرباً بالأجر والثواب لمغفرة آثامهم وخطاياهم [وهنا الاجر مُعظّمٌ طبعاً] بعد أن اتخموا من وافر النهب والسلب لبلد بات يستجدي اجر موظفيه.
ترى ما الذي ألزم من صوت على القانون من القوى العلمانية والليبرالية المتبجحة بالمدنية والتجديد واحترام حقوق الانسان على أساس المواطنة والمواثيق الدولية والتي ضمَّنها الدستور أيضا!
كان بإمكانهم الاعتراض على هذه الفقرة او عدم التصويت كحل وسط أم هنالك صفقة مساومة لتمرير القانون؟
الغرابة الأشد عند القوى الكردية المتمثلة بالبرلمان العراقي!
فالإزيديون أبناء جلدتهم لا زالوا يعيشون تفاصيل فجيعة كارثتهم الكبرى فنسائهم سبايا تباع بأسواق النخاسة ومدنهم مستباحة جَرّاء ذلك الاجتياح الغادر ..
والمسيحيون يعيشون بين ظهرانهم لمئات السنين ومخيمات مهجريهم اليوم لازالت شاخصة ولزمن مفتوح تسومهم الذل والهوان بعد ان طردوا من سهولهم الجميلة وحاضرتهم التاريخية ام الربيعين.
حتى بسالة النائبة فيان دخيل وندرة بطولتها حين أطلقت صرختها المدوية ومن تحت قبة البرلمان وامام الملأ تلك الصرخة التي ايقظت ضمير العالم لمرثية سبايا القرن الواحد والعشرين وكيف بصوتها الهادر بالجرأة والحق اسكتت به رئيس البرلمان حين قاطعها مراراً متناسياً بانه رئيس برلمان كل العراقيين قد ذوت للأسف وعلى ما يبدو تحت الضغط فَخَفَتَ صوتها امام وثيقة مريرة توثق وتُتَمّ لمرثية أهلها قبل غيرهم.
التفسير المفهوم يقول هنيئاً لداعش بما كوفئتم به فالنواب الكرد يصوتون لتكريس الاجتياح والسبي معاً.
أسألكم بالله
هل شفاعة الاجر والثواب أيضاً كزوادة بالخلاص من دَيّْن الدَيّْان يوم الحشر والحساب هي الاخرى كانت غايتكم؟
ام وضعكم السياسي المضطرب والذي لا يسر الصديق قد جلبكم على المساومة في اروقتكم الخاصة طمعاً بأصوات بعضكم بعضا وقيمة حسبتها في نزاع السلطة الدائر في الإقليم اليوم والذي نتمنى ان يفرج بالصالح المفيد لشعب اقليم كردستان!
نواب الاقليات بالبرلمان نصيبهم الخيبة لتنصل الجميع منهم بذلك التصويت المريب فبيانات الاستنكار او تجميد النشاط لا تنتج ولا ترد لنا حقاً، وددت أن أذكركم بالمثل الشعبي " الحگوگ ينرادله حلوگ"
الدول المتمدنة رسخت مفاهيم التعايش السلمي في مجتمعاتها والسويد مثالاً باهراً حين قطعت اشواطاَ متقدمة لضمان حرية الفرد وممارساته المرتبطة بقناعاته ورغباته اذ بات من المعيب اليوم سؤال الفرد عن معتقده الديني او السياسي لا في المعاملات الرسمية ولا في الحياة اليومية الا ما ندر وبضرورات ملزمة ونحن بعراق اليوم نتراجع ألف خطوة الى الوراء فندس فقرة ظالمة بقانون يراد منه تسهيل الإجراءات القانونية للمواطن العراقي تكرس الاكراه بالدين لغير المسلمين دون سن الرشد!
اليوم عيوننا ترنو الى رئيس جمهوريتنا المحترم ان يبرهن لنا بانه الحامي الأمين للدستور من الخرق والتدليس فصلاحيته تتيح له رد القانون او الاعتراض على بنوده وبذلك سوف سيكون رداً حاسماً على نوايا أصحاب الأفق الضيق لعراق يريدونه بلون واحد بعد تفريغه من سكانه الأوائل أصحاب الديانات الأخرى وهم ملح أرض العراق يا سيادة الرئيس.