المنبرالحر

قل ضميرقراطية … ولا تقل تكنوقراطية / د. خليل الجنابي

أستميح عُذراً العلامة الجليل المرحوم الدكتور مصطفى جواد الذي عُرف بباعه الطويل في اللغة العربية وقواعدها ومفرداتها من إستخدام عنوان برنامجه الإذاعي الشهير ( قل ولا تقل ) الذي كان يذاع من إذاعة بغداد أيام زمان ، وكذلك إستميح عذراً رسام الكاريكاتير الرائع الفنان (سلمان عبد ) صاحب البوستر الجميل الذي ذكر فيه ولأول مرة تسمية ( ضميرقراطية ) .
لقد كثرت التفسيرات حول مفهوم ( التكنوقراطية ) ، ورغم أنها حسب المفهوم اليوناني القديم تعني ( فني تقني + سلطة وحكم ) وبعبارة أوضح ( حكومة التكنوقراط ) ، إلا أنها هذه الأيام أخذت تُفَصَل بمقاسات خاصة لغرض تطويعها وتفريغها من محتواها الرئيسي وقلبها من حكومة كفاءات علمية وفنية إلى حكومة حزبية بحته .
وخلال سعي الأحزاب السياسية في العراق للحفاظ على مكتسباتها التي حصلت عليها دون وجه حق ، يجري العمل من أجل إيجاد الصيغ والمخارج للورطة التي هم فيها الآن بعد أن وصل البلد إلى حافة الإنهيار ، وبعد أن قالت الجماهير كلمتها مطالبة ( بالإصلاح والتغيير الجذري للعملية السياسية ) .
وعلى ضوء ما يجري من تضاد بين قطبي الرحى ( الفوقية والتحتية ) ، نرى إصطفافات جديدة لكلا القطبين ، الأول يحاول أن يُلملم صفوفه ويعمل المستحيل من أجل الحفاظ على قسمته من ( الكيكة ) المحشية بالجوز واللوز وأنواع المُقَبِلات الأخرى ، والقطب الثاني من الرحى الذي تُسحق فوقه تطلعات الجماهير في الحياة الحرة الكريمة ، حياة العز والرفاهية والرخاء الذي كانت تتأمله بعد التغيير عام ٢٠٠٣ الذي أطاح بأقسى نظام ديكتاتوري عرفه التأريخ .
ولكي لا نضيع في تفسيرات دهاقنة السياسة وخبثهم في لي الحقائق علينا سماع إحدى الطرائف الشعبية عن حصر علوم المعرفة والثقافة بخاصة من الناس ، والآخرين البسطاء لا يفقهوا منها شيئاً .
ففي إحدى المرات ، أراد شخص أن يعبر نهر دجلة بواسطة ( البَلّم ) مــن صوب إلى صوب آخر ، فإختار أحد الأبلام ، وكان يحمل معه مجموعة من الكتب الثخينة ، صعد يترنح بكرشه ونظارته الطبية السميكة ، وخلال العبور تطفل ( البلام ) وسأل زبونه الذي يبدو عليه أنه من أصحاب العلم والمعرفة ، فقال له
عمي انت شنو تشتغل !؟
فأجابه : آني دكتور .
فقال له البَلام : والله دكتور الله جابك .
آني مريض وعظامي كلها توجعني ، والشمس تضرب براسي ، وعيوني ما أشوف بيها ، الله يخليك بلكي تكتبلي دوه يساعدني .
قال له الزبون : ياجاهل آني دكتور مو طبيب .
فأجاب البلاّم : دكتور ما إفتهمت !؟
فقال له : آني أفهمك .
أنت تعرف مايكروبيولوجي !؟
أجابه البلام : لا والله
فقال له الدكتور : روح عُمرك خسارة !!
وسأله ثانية ، تعرف فزيولوجي
فرَدَّ عليه البلام : لا والله
فقال له الدكتور ، روح عمرك خسارة
وسأله ثالثاً : تعرف سسيولوجي !؟
فأجابه البلام : عمري ماسمعت بيها
فقال له الدكتور : روح عُمرك خسارة
وبينما هُما يسترسلان في الحديث تغَيّر الموج وإنقلب البلّم
وراح الدكتور يغط ويطلع في الماء ، وتناثرت كتبه ، وطارت نظارته بعيدة عنه ولم يَعُد يرى شيئاً ، إلا أنه سمع البَلام يناديه :
دكتور تعرف سبح يولوجي !؟
فأجابه الدكتور : لا وألله
فقال له البَلاّم : روح عُمرك خســــــــــــــــــــارة .
يتبين لنا الآن أن الشهادات التي نحملها لم تعد كافية لإنقاذ أنفسنا من الغرق
دون معرفة السباحة في وسط هذه الأمواج المتلاطمة عرض المحيط ، وسيكون مدى رؤيتنا قصير لايسمح لنا بألإبتعاد عن المخاطر ، وعن الأسماك القاتلة كسمكة ( القرش ) ، والحيوانات المائية الأخرى ، وأن الكتب الثخينة التي نحملها والشهادات العليا والنياشين التي نضعها على صدورنا ، وعلوم ( المايكروبيولوجي ، والفزيولوجي ، والسسيولوجي ... الخ ) ، سوف لا تشفع لنا حين يرتفع منسوب المياه ، ويَقلب ( الأبلام ) ، ويضيع كل شيء .
المهم في الموضوع هو أن يكون أصحاب الكفاءات أصحاب ضمائر تحاسبهم وتراقبهم ليل نهار